الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلس النعام والنيام –مالنا وما علينا

سلطان الرفاعي

2007 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


وضع الانتخابات هو مقياس حقيقي لا يخطئ عن تحضر شعب معين. فالشعب المتحضر بالفعل لا يقبل قوائم جبهة ولا قوائم جربة (جربانة). مثل هذا الشعب تجاوز كل تلك المراحل المعقدة للتطور الداخلي والخارجي الضرورية، لكي يضع الانتخابات تحت رقابة القانون. الانتخابات لدى الشعوب المتخلفة هي دائماً فوق القانون، وبموجب هذا النمط فإن كل ما يُسمى بني يعرب أو عرب هي دائماً على مستوى البربرية.



القانون في كل دول العالم المتحضر يقول إن النائب هو مرشح الشعب لا مرشح السلطة. في كل دول العالم المتحضر يجري نشر السيرة الذاتية لكل مرشح مع برنامج ، وبعدها إما أن يختاره الشعب أو يدير له ظهره. أما هنا فيجري نشر عرض المرشح في الشارع بلا برنامج ومع ذلك تتبناه السلطة وتدعمه لكي يصل إلى مجلس الشعب ليرفع يده للنظام ويمد إصبعه للشعب.

الشعب غاضب، والمعارضة غاضبة، والبعثيون غاضبون، المسيحيون مهمشون، والسنيون مستاءون، والشيعة مفقودون... كلنا كنا نأمل بتجديد ما.. بخطوة تختلف عن الماضي تقنع ولو قليلاً بأن هذا الجانب أخذ حصته من الإصلاح والتطوير والعصرنة.. تكلموا وتكلمنا عن تحديث وتطوير قوانين الانتخاب وسبل الممارسة الديمقراطية في خطوة لإصلاح سياسي شامل بما يتماشى مع روح الإصلاح والتطوير التي تعتبر شعار المرحلة بكل عناوينها... من بخر أملنا وتفاؤلنا بالهواء عند أول اختبار واستحقاق.. هل القوانين النافذة أم عقلية البعض التي لا يمكنها أن تخرج عن إطارها الضيق والمحدود... ولا تستطيع التماشي مع الطروحات العصرية... كل المحللين السياسيين يرون بأن كل الظروف تجعل من هذه المرحلة.. مرحلة الفرص الذهبية في سوريا التي كان بالإمكان استخدامها في سبيل تطوير هذا المجال من حياة المواطن والدولة بما يتناسب مع طروحات رئيس البلد الذي نعول عليه الآمال الكبيرة في المرحلة القادمة... يكاد الشارع السوري، يتفق على أن مجلس الشعب، لم يقف يوماً مع الشعب السوري، بل اقتصر جل اهتمامه على إرضاء السلطة بأي وسيلة كانت، من طأطأة الرأس إلى سرعة رفع اليد. لم نسمع أن عضو في مجلس الشعب انتقد واستقال، ولكن سمعنا الكثير عن أعضاء مجلس الشعب، من الذين طالتهم سيوف المالية لتهربهم من الضرائب، فتحولوا إلى غلاة الخوارج وأصبحت صورهم وأسمائهم مطلوبة في الفضائيات العربية كمعارضين أشاوس أمضوا عمرهم في النضال والمعارضة !!!. وسمعنا عن نوعية تخاف على مستقبلها الجنائي، لذلك فهي تبذل الغالي والنفيس من أجل أن لا ينتهي أمرها بالكيس. وأطرف المرشحين، جماعة الجبهة الذين يُعلقون صورهم ولافتات صغيرة، ولسان حالهم يقول: بهذه اللافتات الصغيرة سنفوز على أصحاب المعلقات المضيئة !!!...



الفلاحون في ايطاليا وبدلاً من ضرب الحمار لحثه على المشي، والذي قد لا يحدث أي تأثير أحياناً، بسبب قساوة رأس الحمار، اخترعوا خدعة: يربطون على رأسه عشباً طازجاً بطريقة يراها الحمار أمام ناظريه، ويعتقد بأنه سيصل إليها. ألا يشبه الكثير هذه الحمير حميراً، لبعض يجعلون من البعض حميراً، مثل تلك التي في ايطاليا.؟



عندما يعايش المواطن السوري كل هذه الدورات الانتخابية، ويحتمل كل هذه الأكاذيب، والوعود الخلبية، والبرامج الأفلاطونية. وعندما يستفيق ثانية من اللطمة الأولى والعاشرة، وعندما يرفض الآمال الكاذبة، ويتألم، ويضغط على أسنانه، حتى يرى الحقيقة بشكل واضح، وعندما يبدأ يفهم بأن المعنى الوحيد لحياته هو في النضال ضد الزيف والخداع والشر. وفي هذا النضال يمكن عمل القليل، ولكنه الشيء الوحيد الذي بمقدوره. وخارجه هو نهاية الوطن.

المواطن السوري ليس جماداَ ثابتاً إلى الأبد، ولا حيواناً مكيفاً بغرائزه وحتمياته، المواطن السوري هو ثمرة حريته واختياراته. وبالتالي قدرته على سيادة نفسه وتوجيه غرائزه واختيار طريقه وقيادة نفسه وتشكيل ذاته. ففي هذا كرامته وعزة نفسه وسمو روحه. وبالتالي فهو قادر على الاختيار بنفسه. أن يختار هذا أو ذاك، أو لا هذا ولا ذاك.

لقد حان الوقت، من أجل أن يُحقق المواطن السوري ذاته. ويقول مرة واحدة لا لكل هؤلاء التجار، لا لكل هؤلاء المفروضين علينا، لا لاستلاب الرأي.

إذا كان المواطن السوري اليوم مقموعاً، فلأنه يخطئ في فهم الحرية. إنه يبحث عنها في كل مكان عدا المكان المناسب ؟ ولكن هل نحن في ذواتنا أحرارا ؟ هل لدينا الجرأة والقوة والكرامة لنكون أحراراً ؟ إن حريتنا الحقيقية الصحيحة يجب أن تكون دوماً ( على الرغم من)). على الرغم من كل ما يعيقها ، على الرغم من كل نعانيه ، على الرغم من كل الظروف القاسية . فحريتنا تُبنى بالتصادم مع العقبات وبمواجهتها. حريتنا ليست من المعطيات. إنها من المكتسبات. إنها انتصار. إنها تبرز وتولد مما يعارضها، إنها ليست عند الانطلاق، بل عند الوصول، ليست في أول الطريق، بل في نهايته، ولا يُبحث عنها في الخلف، بل في الأمام. حريتنا أولا وأخيرا قبول لذاتنا وللآخرين وللأحداث، ثم، بعد قبول كل هذا وتحمله، نحاول أن نعيش معه. المواطن السوري اليوم مدعو إلى صنع نفسه -بدل الخضوع - ويتضمن هذا التبدل كل المراحل الممكنة بين الصفر واللانهاية.بستطيع اليوم أن يقول لا ، ويستطيع أن يقول نعم .



ومن أجل أن نكون منصفين مع ذواتنا كما نطالب غيرنا علينا أن لا نكون سلبيين بالمطلق في آرائنا تجاه هذا الاستحقاق فالانتخاب يبقى جزء أساسي من ممارسة الديمقراطية التي نحرص على ترسيخها وتطويرها لأنها الأساس في تطوير أي مجتمع نسعى إلى بنائه. ورغم الاعتراض على العدد الكبير من المرشحين وخاصة جماعة السلطة، إلا أن المساحة الواسعة من الحرية الإعلامية في نقد الجميع. سواء من قبل إعلام السلطة أو الأعلام الخاص. يجعلنا نأمل كمعارضة بخطوات أكثر إصلاحية في هذا الاتجاه.

من يستطيع أن ينكر أن هذا الحراك السياسي اليوم في سوريا أخذ شكلاً ومضموناً مختلفاً عن كل الاستحقاقات السابقة. وهذا الحراك السياسي الذي لا نستطيع أن ننكره، نراه يترافق مع حراك شعبي، بين مؤيد ومعارض وممتعض ومتفائل. فالهدف الأول من هذه الممارسة الديمقراطية قد تحقق قبل وضع الأوراق في صناديق الاقتراع والذي برأينا نراه أهم بعد حقبة طويلة من مصادرة حرية المواطن السوري، وقمعه، ومنعه من إبداء رأيه سواء يالايجاب أو السلب. فالحراك الشعبي، والتندر على السياسيين المرشحين، هو الخطوة الأولى في طريق الديمقراطية والتي ستتطور بخط تصاعدي لإبراز ايجابيات وسلبيات أي موضوع يخص حياة المواطن في كل أبعادها، وان كنا كمعارضة وطنية نأمل بحرية أكبر فمستقبلنا لا يمكن أن يبقى على هذه الحال، ما دام هذا الحراك قد بدأ.

ونحن في سعينا لتنشيط وتطوير هذا الحراك، لا نطلب من الإعلام العربي والغربي، والذي بدأ يتوافد إلى سوريا لتغطية هذه الانتخابات، إلا أن يقارن، ما يحدث في سوريا من حراك سياسي وشعبي نتيجة هذه الانتخابات ، مع مثيلاتها في كل الدول العربية، ويهمنا أن نقول لكل الفضائيات، أن طريق الديمقراطية في سوريا قد بدأ مع العهد الجديد ، وأن هناك وعوداً تم إطلاقها منذ سبع سنوات، بدأت اليوم تظهر بواكيرها ، كما نحب من الفضائيات العربية الموقرة ، أن تهتم بتقديم برامج تشرح الفرق بين الديمقراطية والشورى (ان سمحوا لها ) عوضاً عن برامجها الاستفزازية ؟

استقراء الرأي لشرائح متعددة من الشعب السوري، أظهر مقدار الوعي الذي يتمتع به المواطن السوري، ومدى تفاعله سواء سلبا أو إيجابا مع هذا الاستحقاق، كما لاحظنا ظاهرة أخرى، اختفت من حياتنا السياسية سابقا، وعادت اليوم وبطرقات عالية وصوت لا يُشبه همس الأمس؛ صرخات وحوارات ومجادلات وبصوت مسموع، وبوعي عالي ومنطق وموضوعية ، باتت تناقش ليس فقط آلية الانتخاب وطريقة وضع القوائم إنما امتد نقاشها العالي الوتيرة إلى محاسبة المرشحين على خلفياتهم الغير سوية ومرجعياتهم، وهي حالة صحية ودليل عافية على أن الشعب السوري قد استفاق من سباته. وحتى على مستوى البعثيين والقوميين والشيوعيين ( أصحاب الأرض ) فهم يصرحون علناً بأن أصواتهم ستذهب لأحزاب الجبهة . وأيضاً وعلناً وجهاراً يُبدون امتعاضهم ويُطلقون تصريحات سلبية تجاه بعض الوجوه الحزبية والجبهوية . ولم يعد المواطن السوري، تبهره البهرجة والصور المضيئة للمرشحين، فهو يعرف أنها سُرقت من قوته وقوت أولاده، وخاصة المرشحين الذين يُعرفون عن أنفسهم بأنهم اقتصاديون، ويعرف أن هدفهم هو جيبه لا راحته. وأصبح يعرف ألاعيب ألمحدثي النعمة أصحاب السلطة والنفوذ المالي في سوريا اليوم، والذين استأثروا بالمجلس لدورات عديدة، ولم يُقدموا للمواطن السوري، إلا الغلاء الفاحش، والصور المزخرفة والمضيئة. وان كان أصحاب رفع الإصبع الوطني، جماعة الجبهة مقيدين بما تمليه عليهم ولية أمرهم، فما عذر هؤلاء المستقلين والذين لم نسمع إلا شخيرهم في مجلس النعام والنيام.



دمشق 17-4-2007












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان