الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأفة بالأسرى وعائلاتهم

علي جرادات

2007 / 4 / 19
القضية الفلسطينية


بسرعة البرق تحولت التصريحات والتسريبات التي أطلقتها أوساط فلسطينية مختلفة حول ملف إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، تلك التصريحات والتسريبات التي أعقبت تصريحات أدلى بها وزير الإعلام الدكتور مصطفى البرغوثي في مؤتمر صحافي بعد الجلسة قبل الأخيرة للحكومة الفلسطينية، وأعلن فيها عن إحراز تقدم في هذا الملف؛ نقول بسرعة البرق تحولت هذه التصريحات والتسريبات إلى مادة إعلامية تلقفتها وسائل الإعلام بأشكالها وجنسياتها، وتناقلتها على نطاق واسع، وأشبعتها تحليلا، وإرتكزت عليها فيما نثرته مِن توقعات وتقديرات وآمال وتنبؤات حول مجريات الإتصالات بين آسري الجندي شاليط والحكومة الإسرائيلية بوساطة مصرية.
بناء على تلك التصريحات والتسريبات، وبالرغم مِن أن الأوساط والمصادر الإسرائيلية فضلا عن مصادر وأوساط آسري الجندي الإسرائيلي قد قللت مِن شأن هذه التصريحات، إلا أن ما أثارته تلك التصريحات حول هذا الملف، إستحوذ على إهتمام الشارع الفلسطيني، وإنتشر كإنتشار النار في الهشيم في أوساطه، وخاصة في أوساط عائلات الأسرى وذويهم. وهذا طبيعي ومنطقى، فعلاوة على الحساسية الوطنية والشعبية العامة تجاه قضية الأسرى، وإضافة إلى اللهفة الإنسانية الطبيعية للأسرى وعائلاتهم لسماع ولو حرفا واحداً عن مجريات الإتصالات المصرية مع الإسرائيليين، والنتائج النهائية التي ستسفر عنها، فإن طريقة تصدير ما قيل عن تقدم طرأ على هذا الصعيد، أثارت الشارع الفلسطيني، وخلقت لديه آمالاً قد تكون قبل أوانها، وأنبأت بتوقعات ربما تكون أعلى مما سيكون عليه المآل النهائي.
في السياق، وإستنادا إلى مرارات دروس التجارب السابقة في تعامل الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية مع عمليات تبادل الأسرى، هذا فضلا عن "طول حبالهم" في التعامل مع موضوع الأسرى عموما؛ وبالنظر إلى الحساسية الوطنية للموضوع عموما، وحساسيته الفائقة للأسرى وعائلاتهم خصوصا، ، فإن المسؤولية تقضي ضرورة توخي الدقة، والتعامل بحذر وإحتراس أعلى فيما يتم إطلاقه مِن تصريحات وتسريبات حول هذا الملف الحساس والدقيق، لأن مِن شأن تحويله إلى موضوع إعلامي تتسابق الأطراف والأوساط والأفراد والجهات للتصريح وإبداء الرأي فيه، ونثر التوقعات والتقديرات حوله، أن يضع الأسرى وأفراد عائلاتهم، بل والشارع الفلسطيني عموماً في دوامة أسئلة:
متى ستتم عملية التبادل؟!!! وكم هو عدد الأسرى الذين ستشملهم؟!!! وما هو نوعهم، ومَن هُمْ؟!!! ولماذا التركيز على فلان أو علان؟!!! ولماذا عدم إيراد هذا الاسم أو ذاك؟!!! ومَن هي الجهة التي قررت تقديم هذه القائمة بعينها؟!!! وهل لو تم الإتصال بهذا المسؤول أو ذاك يمكن أن يفيد في إدراج اسم هذا الأسير أو ذاك؟!!! وهل....وهل....ألخ مِن أسئلة تبدأ ولا تنتهي.
عليه، فإن الطريقة المثلى للتعامل مع هذا الموضوع على الصعيد الإعلامي، هي الطريقة التي تتحدث بالعموميات ولا تغوص في التفاصيل، وتحتكم فيما تقول وتطلق مِن تصريحات لحكمة: "حين نرى الصبي نصلي على النبي". فهذه الطريقة الحصيفة مِن التعامل مع ملف بهذا المستوى مِن الحساسية والدقة والتشابك والتعقيد، لا تجنب مَن يدلي بتصريحات حوله خطيئة إثارة الشارع بأسئلة لها أول مِن دون آخر فقط، بل وتجنبه أيضا الوقوع في خطيئة بث توقعات وآمال ربما يأتي الحصاد النهائي مخالفا لها. وهذا أمر وارد ومتوقع، وتزكيه دروس تجارب سابقة في تعامل الإسرائيليين على هذا الصعيد مثنى وثلاث ورباع؛ إذ ألم يَخْلف الإسرائيليون، وفي أكثر مِن مرة، وعودهم حول عدد ونوع الأسرى المراد الإفراج عنهم، أو حول مَن أوحوا أنهم موافقون أو مستعدون لإطلاق سراحهم؟!!! بلى، وهذا ما يستدعي مِن حيث المبدأ الحذر والإحتراس، ووقف عملية إطلاق التصريحات الإعلامية حول الموضوع، وبالتحديد حول عدد ونوع وأسماء الأسرى المتوقع إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
هذا مِن حيث المبدأ، أما حول المؤشر الأبرز الذي وقف خلف تقديرات التصريحات القائلة بأن تقدما جديا طرأ على موضوع التبادل، أي مؤشر تسلم الأخوة المصريين قائمة بأسماء الأسرى المطلوب فلسطينيا الإفراج عنهم، فإنه مؤشر، وإن كان يشكل خطوة للأمام، إلا أنه لا يسمح بالقول أن تقدما نوعيا قد طرأ على عملية ما يقوم به الأخوة المصريين مِن إتصالات مع الإسرائيليين بشأن تبادل الأسرى، وبالحد الأدنى نجزم أنه غير كافٍ لتحديد نوع الأسرى الذين ستشملهم عملية التبادل في المآل النهائي. إذ معلوم أن الأخوة المصريين قاموا بنقل هذه القائمة للحكومة الإسرائيلية التي قامت بدورها، وكما هي العادة بتشكيل لجنة وزارية لتحديد معايير الإفراج، فضلاً عن وضع القائمة على طاولة الأجهزة الأمنية ومعاييرها لرفع توصياتها، والتي عادة، وبناء على التجارب السابقة ما تكون بمثابة قرارات.
كذلك، فإن ما قيل عن تفاهم تم التوصل إليه، ويقضي بأن تتم عملية إطلاق سراح الأسرى على ثلاث دفعات (مراحل)، لا يكفي هو الآخر كمؤشر للقول أن تقدما جديا قد طرأ، فهذا المؤشر، وإن كان يشير إلى لحلحة ما في هذا الملف، إلا أنه لا يشكل دليلا على إحراز تقدم نوعي، وذلك لأنه لا يتناول نوع الأسرى الذين ستقرر الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية في النهاية إطلاق سراحهم.
في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى دلالة فحوى مقالة كتبها المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية زئيف شيف، ونشرت صحيفة الأيام ترجمتها في عدد أول أمس الإثنين 9-4، والمقالة بعنوان "هوية السجناء العقبة الكأداء". في مقالته التي يوحي عنوانها بمضمونها، يقول زئيف شيف:
" رغم التقدم في المفاوضات على تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، فإن إعادته إلى إسرائيل ليست متوقعة قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق حول أسماء السجناء الفلسطينيين الذين سيحررون في المقابل". ويضيف: " يعتبر هذا الموضوع عقبة كأداء في المفاوضات بين إسرائيل و"حماس"، والتي تجري بوساطة مصرية". ويشير إلى أن ما طرأ مِن تقدم على هذه المفاوضات نجم عن "تغير إيجابي طرأ مؤخراً على نهج "حماس" في المفاوضات. وسبب التغير هو رغبة الحركة في التوصل إلى تفاهم مع الدول الأوروبية يؤدي إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وإقامة علاقات كاملة مع حكومة الوحدة الفلسطينية". وفي نهاية مقالته يستخلص زئيف شيف: "ومع أنه أتخذت خطوة إلى الأمام، فإن المفاوضات لا تزال بعيدة عن نهايتها".
إن التقدير بأن الاتفاق على نوع الأسرى الذين سيشملهم الإفراج هو المعيار الأساسي لقياس التقدم في مفاوضات تبادل الأسرى، هو تقدير صحيح ودقيق، وينسجم في ذات الوقت مع دروس التجارب السابقة في كيفية تعامل الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية على هذا الصعيد.
عليه، فإن إستخلاص زئيف شيف، وهو الأدرى بمداولات أجهزة الأمن الإسرائيلية، ويعلم عنها ما لا نعلم، يشكل سببا آخر لضرورة التعامل بحذر أعلى وإحتراس أشد فيما يطلق مِن تصريحات، وما يجري مِن تسريبات، وما يتم نثره مِن توقعات، وما يتم تعليقه مِن آمال على ملف الجندي الإسرائيلي شاليط، وما يمكن أن يفضي إليه إطلاق سراحه مِن نتائج على صعيد الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
إن مطلب الحذر والإحتراس في إطلاق التصريحات حول هذا الملف، لا يستدعيه واجب المسؤولية عن دقة ما تشيعه مثل هذه التصريحات مِن توقعات وآمال فقط، بل تتطلبه الرأفة بمشاعر الأسرى وأفراد عائلاتهم أيضا، وقبل أي شيء آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور من المسيرة التركية التي تقوم بعمليات البحث في موقع سقوط


.. صور من المسيرة التركية التي تقوم بعمليات البحث في موقع سقوط




.. في أجواء عاصفة.. الهلال الأحمر الأذربيجاني يشارك بعمليات الب


.. وكالة تسنيم عن مسؤول إيراني: تم نشر فريق طبي بكافة المعدات ق




.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟