الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبرر الأخلاقي

فرات المحسن

2003 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تحت يافطة واسعة من المصطلحات السياسية تنتشر عبارات تواكب زمن الأحداث الكبرى .فلقد وقفت ملايين من البشر رافضة فكرة الحرب بكل نماذجها كحلول للنزاعات، ولم تكن الحرب الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة للإطاحة بصدام وزمرته الفاشية استثناءً من هذه الاعتراضات التي اجتاحت العالم .وكانت جل الاعتراضات تتركز حول استنكار الحرب كفعل تدميري وغير أخلاقي.
منذ انتهاء الحرب ودخول قوات الاحتلال الأراضي العراقية وهزيمة جحافل البعث الفاشي وقائدها المجرم صدام ، لم تحصل قوات الاحتلال ولحد الآن على مبرر الحرب الرئيس الذي روجت له واستندت أليه في مسعاها ذلك.وواجه الرئيس الأمريكي وحليفه رئيس الوزراء البريطاني ولازالا موجة من الانتقادات أثارها خصومهم السياسيون والصحافة، وتركزت تلك الاعتراضات والاتهامات على المبرر الأخلاقي للحرب .
 أن المعاني والمسميات لفعل ما ،تختلف بقدر قربها من الواقع المفترض و مدى علاقتها بالحدث المعني وتأثير وقعه على مجموعة البشر الذين طالهم .وقد كانت مقولة ((المبرر الأخلاقي)) مصدر خلاف بين مجموعات ذات منافع ومصالح متباينة ومتضاربة تتنازع حول وجهة المبررات ذاتها الذاهبة لتفسير المحتوى والمعنى العام للتسمية.وركز في موضوعة الحرب الأخيرة على موضوعة  واحدة ((أسلحة الدمار الشامل)) ولا زالت تلك الموضوعة مصدر خلاف رئيسي بين المتصارعين حول مبرر الحرب، وأهمل جانب حيوي وأساسي في مسألة ((المبرر الأخلاقي)) المتمثل  باكتشاف المجموعة الهائلة من المقابر الجماعية والآلاف العديدة من القتلى والمغيبين في العراق.
لقد أثيرت شكوك كثيرة من عدة أطراف عن حقيقة تلك المقابر وكان جلها قادما من العرب ذوي العلاقة بصدام وعلى خلفيات طائفية وعرقية أيضا ،لا زالت تمثل عصب التعامل السياسي في الخطاب العربي وبالذات عند المعادين للمذهب الشيعي ومخالفيه وكذلك من العروبيين الماقتين لتطلعات الشعب الكردي وهي ذات الأسباب التي حدت بهم للوقوف مع صدام أثناء غزوه للجمهورية الإيرانية،وصمتهم عن مجازر حلبجة والأنفال، ودفعتهم أيضا لنصرته ضد الجماهير المنتفضة  ربيع عام 1991 .
يبدو أن المبرر الأخلاقي في أجواء الالتباس السياسي العربي قابل للتحوير حسب الطلب و يخضع  لنزوات ورغبات المصالح الشخصية الآنويه والجماعية قبل أية موضوعة أخرى، وعبر مجموعة المصالح تلك تتوالف نوعية ردود الفعل لتنشئ خطابها السياسي الذي يسعى جاهدا لتبرير الوسائل وحرف الهدف لغرض تضليل الرأي العام العربي وحرفه عن مبدأ البحث التحليلي  لنوعية المبرر الأخلاقي المسوغ لمشروعية الحدث أو بعكسه.في ذات الوقت فأن الشارع العربي يبدوا حاضناً طبيعيا لتسريب تلك التشوهات والقبول بها.
بعد ظهور الكم المروع من المقابر الجماعية وقوائم المعدومين ومنظر الهياكل العظمية خرج السيد عمر موسى الأمين العام للجامعة العربية مستنكرا تلك الجرائم. وبتصريحات مقتضبة أكد على أن الجامعة العربية سوف تشكل لجنة لدراسة الآمر باعتباره جريمة تاريخية وعملاً بشعاً بحق الإنسانية والعروبة .حيينها لوحظ أن تصريحه ذاك جاء بعد وقت متأخر من اكتشاف مجموعة المقابر الجماعية ولكنه كان مواكبا لظهور قتلى مصريين بين مجموعة الجثث المكتشفة.
لقد عتمت السلطات المصرية وأهملت الأمر بعد أن أثارته مجموعة برلمانية مصرية، ثم بدأت ردود الفعل تختفي كليا من بين تصريحات المسئولين العرب في كافة الأقطار وبدأت تثار شكوك وتساؤلات من مجموعة كتاب ومسئولين عرب عن حقيقة تلك المقابر، ولم تصدر أية إدانة أو تعليق عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، وإنما قيل أنهم اعترضوا على مجرد فكرة أثارتها.اختفت بعد ذلك كليا اللجنة التي شكلها السيد آمين الجامعة العربية عمر موسى ،وبالموازاة ركزت تصريحاته على أهمية خروج المحتل من العراق وتشكيل السلطة الوطنية وأضمرت لديه أية معلومة عن ((المبرر الأخلاقي)) للدفاع عن حق المواطنين العراقيين الذين طالهم الحيف في عهد الطاغية صدام ،وراح يركز في أحاديثه على عدم شرعية مجلس الحكم العراقي المؤقت متناسيا واجبه الأخلاقي أمام الحق الإنساني لذوي الضحايا باعتباره أمينا عاما للجامعة العربية .وحين يتم مسائلته عن سبب قبوله التعامل مع صدام سابقا ورفضه التعامل مع مجلس الحكم العراقي فأنه يبرر الأمر كون صدام كان يمثل سلطة وطنية مؤسساتية  وأن المجلس اليوم معين من قبل الأمريكان.ربما نوافقه بعض الشيء حول المجلس ونجافيه حول سلطة صدام. ولكن ليس من المعقول أن يختصر ذلك الأمر حصرا بالعراق وهو أدرى بأن جميع المحيطين به وبالذات الرئيس المصري الذي جيء به لسدة الحكم وفق حبكة أمريكية متقنة، ولازال يتربع ذلك العرش منذ أكثر من عشرين عاما ويتهيب من تعيين نائب له، كون المحروسة مصر أصبحت عاقرا بعد ولادته. وعلى ذات النمط من السلوك تربع الحكام العرب على كراسيهم وأكثرهم من رجالات الولايات المتحدة وخدم طيعين لها. ومجلس الحكم العراقي لو قارناه مع هؤلاء  لبزهم بالكثير من الخصال الرشيدة.فمجلس الحكم العراقي المؤقت يمثل شرائح كبيرة من الشعب العراقي وفيه الكثير من المناضلين ضد الدكتاتورية، وبعض من رجاله لهم الكثير من الخصال الشخصية التي يفتقدها حكام عرب معتوهين وفاسقين.والمقارنة تفترض التساؤل عن ((المبرر الأخلاقي)) الذي يجعل السيد عمر موسى يلوي عنق الحقيقة ليرأس مؤسسة عربية غير شرعية إطلاقا ومنذ بداية تشكيلها. فقد أسست وفق رغبة محتل ومن قبل حكومات غير شرعية كان الفضل في وجودها وسلطاتها قوات احتلال بعد زوال الاستعمار العثماني، ولم تمارس في أوطانها أية عملية اقتراع حقيقية للحكام منذ ذلك العهد ولحد الآن، وأن أجريت انتخابات فالسيد عمر موسى أدرى بنماذجها ونتائجها.والجامعة العربية لا تمتلك شرعية جماهيرية فلم يؤخذ رأي الشعوب العربية في الانضمام أليها مثلما حدث ويحدث في مجموعة الاتحاد الأوربي.وأنا هنا لا أدعو السيد أمين الجامعة العربية للاعتراف بمجلس الحكم العراقي ليقيني ومعرفتي  التامة بأن مجموعة مموليه سوف يأتون طوعا لمشيئة السيد الأمريكي ويتركونه يتخبط في مأزقه بالرغم من قدراته كمصري للإبقاء على بعض الخيوط المعلقة دون حرق المراكب جميعها.
أعود لأذكر السيد عمر موسى عن ((مبرره الأخلاقي)) الذي تم وفقه ترك أمر المقابر الجماعية التي ظهرت في العراق وكذلك المغيبين وغيرها من الجرائم التي أقترفها نظام صدام وحزبه الفاشي والتي لم تجعل السيد عمر موسى وأي حاكم عربي ولحد الآن، أن يتجرأ ويدين شخصية القاتل ونظامه الدموي .ولم تكن أغلب التصريحات غير إدانة الجريمة باستحياء، دون توجيه إصبع اتهام لجهة محددة وإنما أبقي الآمر لتعليل ربما يأتي لا حقاً وفق سياقات ((المبرر الأخلاقي الانتقائي)) الذي تمرس عليه العرب كتقليد وتراث باستثناء القلة.
اليوم قدم معمر القذافي اعترافا خطيا بمسئوليته المباشرة عن جريمة الطائرة الأمريكية التي أسقطت فوق لوكربي وقبلها مسئوليته عن جريمة تفجير الطائرة الفرنسية فوق النيجر .وحتما سوف يظهر التأريخ حين يذهب القذافي الى مزبلته بعد أن يدحر مثل صاحبه صدام مدى الفواجع التي كان يتجرعها الشعب الليبي بصمت. وسوف تطفوا فوق صحراء ليبيا الواسعة آلاف الهياكل العظمية وتلال المقابر الجماعية وبعد أن تهد سجون تاجورة وباب العزيزية والجديدة وغيرها من السجون الصحراوية السرية التي تعج بها الجماهيرية العربية العظمى.ولكن قبل هذا نتساءل نحن ما هو ((المبرر الأخلاقي)) الذي يجعل السيد عمر موسى وأصحابه الميامين يستجدون بقاء القذافي في جامعتهم العربية .ما الغاية التي يرجوها عمر موسى من صمته اللا أخلاقي على جرائم معمر القذافي بعد أن أعترف بها.وهل يستطيع تشكيل لجنة مسائلة للقذافي عن سبب ارتكابه لتلك الجرائم أم أن مقولة ( قتل النصارى واليهود ) واجب وسنه من سسن الدين الإسلامي وحسب وضع وهيئة المبرر الانتقائي، ليتغلب على مبدأ الأخلاق والشرف والضمير الإنساني . 
أن نوع المبرر الأخلاقي للسيد عمر موسى وصحبه من رؤساء وملوك وأمراء العرب لا يشبه حتماً أي نوع ظهر عند حشد الناس الذين عارضوا الحروب والجريمة المنظمة والقتل المجاني للبشر عبر كل العصور، وإنما يبقى المبرر الأخلاقي لهؤلاء هو استجداء النصرة لمقولة إدامة ما موجود لضمان الخلود وعد النقود.أن صمتهم على جرائم صدام ومقابره الجماعية وأيضا موقفهم من اعترافات صاحبهم قذاف الدم الليبي لوصمة عار في جبين عروبتهم وإنسانيتهم وأخلاقهم الشخصية، وإشارة على التواطؤ والمشاركة بالجريمة وتعدياً على حقوق ومشاعر شعوب العالم أجمع .وأمر الإدانة لا يقتصر على تلك المؤسسة المنخورة والحكام العرب بل يعمم على جميع الهيئات والمؤسسات والأحزاب العربية الحكومية وغير الحكومية .فبدون صدور إدانة كاملة من تلك المؤسسات والهيئات لجرائم صدام ومثيله معمر القذافي نبقى نرى فيهم حقيقة الأخلاق السيئة وانعدام الشعور بالمسئولية والرضا التام والمشاركة في تلك الجرائم مهما قدموا من أعذار.ونبقى نجد فيهم مشروعا مستقبليا للفساد والجريمة ونشر لغة التعديات وخرق حقوق الإنسان.    

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت