الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكارثة العراقية .. دروسٌ وعِبرْ

علاء الدين شاموق

2003 / 8 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


 

المتأمل لأوضاع المنطقة العربية عقب انهيار نظام البعث العراقي واستسلام القوات العراقية بكاملها لقوات الاحتلال الأمريكي يجد نفسه في مواجهة عدد من الحقائق التي تفتحت أكمامها فجأت دون أن تمر بمراحلها الطبيعة والتدرج الذي يجب أن تمر بها كما سواها.

 

فبين عشية وضحاها بقدرة قادر تحول المهيب الركن الذي ملأ الدنيا وشغل الناس – مع وافر الاعتذار للمتنبئ - إلى كائن ظلامي يختبئ من جحر إلى جحر، بعد أن كان قبلها بقليل هو الواهب للشمس ضياءها وللقمرِ نورَهُ في أنظار كثيرٍ من المفتونين بهذه الظاهرة (الاستالينوصدامية) ذات الحق الإلهي الذي غرست بذرته في عقول أمة العرب – تحت شعارات البعث الزائفة - لتتحوَّل من أمة مفخرة إلى أمة مسخرة تناطح طواحين الهواء وتمارس جنون العظمة في أسوأ صورِهِ.

 

في البدء نتحدث عمن نحن، والإجابة على هذا السؤال تتطلب قدراً معقولاً من المرونة والتجاوز لأن الحديث عن الأمة العربية تخصه أذهان الناس بشيء من القداسة باعتبار أنها هي الأمة التي أنجبت سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن ترك هذا السؤال دون إجابة سيكون جرحاً يرمُّ على فساد بيّن.

 

نحن أمة عربية ليست واحدة ولا ذات رسالة بائدة ناهيك عن أن تكون ذات رسالة خالدة، لسنا أمة واحدة لأن هذا هو ما يقوله الواقع والتاريخ والجغرافيا، فمصر على سبيل المثال هي مصر منذ سبعة آلاف عام، ونحن السودان، والمغرب هو المغرب، والعراق هو العراق، والشام والحجاز واليمن وهلم جراً، والشعوب هي الشعوب لم يحدث أن استيقظنا ذات صباح لنجد المصري صار سودانياً ولا العراقي صار سورياً. لم يحدث في أي وقت من الأوقات أن أخذت هذه الأقاليم إسماً واحداً موحداً، ورغم بعض الأوهام التي نتعلق بها لتأكيد حقيقة غير موجودة أصلاً، تظل الحقيقة أننا أمم كثيرة تربط بينها روابط كثيرة قد تكون هذه الروابط سبباً لوحدة متينة في المستقبل القريب منه أو البعيد، أما أن نفترض أننا أمة واحدة وننطلق من هذا الأساس فهذا خطلٌ لا يجاريه خطل.

 

ورسالتنا الخالدة .. هي رسالة الإسلام، ليست حكراً على أمة عربية ولا أمة هندية. إن كان هناك من رسالة تجمع الأمة العربية فهي قطعاً لن تكون الرسالة (العفلقية) ولا (الناصرية)، ما يجمع تسعة وتسعون في المائة من الأمة العربية هو رسالة الإسلام، ولم يحدث في التاريخ أن كان للعرب رسالة أخرى غير هذه الرسالة، وجميع الرسائل التي نظن وجودها غير هذه الرسالة هي رسائل وهمية لا مكان لها من أي شيء.

 

أكذوبة الشعار لم تكن تستلزم أن تسقط بغداد في يد جيش الاحتلال الأمريكي، بل كان من الواجب أن تحارب من اليوم الأول لظهورها، لأننا أمة غير مستعدة ولا قادرة على تحقق هكذا شعارات ضخمة، وأي مجازفة غير مدروسة لتنزيل مثل هذه الأفكار على أرض الواقع تعني هدراً لجهود الأمة وثرواتها سعياً وراء سراب مجهول الهوية والتفاصيل.

 

الآن وقد حدث الاحتلال، ما هو واجب الشعب العراقي – ولن أقول العربي لأنه شعب لا وجود له – واجب الشعب العراقي أن يحمد الله أولاً على زوال هذا الكابوس الذي جثم على أنفاسه طيلة العقود الثلاثة المنصرمة، هذا قبل كل شيء، بغض النظر عن الوسيلة التي أسقطته، لأننا – إن تجاوزنا موروثنا الشعبي عن حقبة الاستعمار – سنجد أن تلك الطغمة كانت ستبقى إلى يوم القيامة راكبة على رؤوس الشعب العراقي المغلوب على أمره، وإن استبدلت فسيكون البديل نظام أكثر دموية لأن الحديد لا يفله سوى الحديد، ولن يفلح الشعب العراقي سوى في الموت أكثر وأكثر.

 

ثانياً الصبر والصبر – قليلٌ من الصبر – فهذا الشعب صبر سنوات طوال على احتلال صدام وعشيرته لمقدراته ولن يعجز عن الصبر الآن، الصبر حتى ينجلي الموقف، لأن خيار المقاومة المسلحة متوفر في أي لحظة، ورفع البندقية أسهل الحلول في هذا العالم، لن ينكر أحد على أي عراقي أن يقاوم الاحتلال، ولكن ما هي النتيجة ؟ قطعاً لن تكون نتيجة مجدية.

 

لنترك العواطف جانباً، ونتحدث بكل عقلانية .. هل أتت الولايات المتحدة لتبقى ؟ إجابة هذا السؤال منطقياً أنها (لن تبقى) لعدد من الأسباب، أولها : إن قلنا النفط، فهذا النفط في العراق بل وفي الشرق الأوسط بأجمعه هو حقيقة ملك لها سواء شئنا أم أبينا ولا تحتاج لإرسال جيوشها لتحصل عليه، ولا يمكن أن يقتنع عاقل بأن صدام كان حجر العثرة بينها وبين هذه الثروة.

 

ثاني الأسباب : إن قلنا مجانية النفط، بمعنى أنها قبل الاحتلال كانت تحصل عليه نقداً والآن هو مجاني، نكون قد جانبنا الصواب، لأن التفكير على طريقة (علي بابا والأربعين حرامي) التي اعتدنا أن نفكر بها، لا يمكن أن تكون هي طريقة التفكير في العالم الحر، فكل فلس يدخل الخزينة الأمريكية، يحاسب حساب منكرٍ ونكيرٍ .. من أين أتى .. ولماذا أتى .. وكيف أتى .. والرأي العام في أميركا وفي العالم بأجمعه لن يسكت على سرقة علنية بهذا الوضوح.

 

ثالث الأسباب : إن قلنا توفير فرصة للشركات الأمريكية للفوز بعقود اعادة بناء العراق، هامش الربح الذي ستحصل عليه هذ الشركات ربما يحرك الأسواق الأمريكية، ولكنه قطعاً سيحرك الأسوق العراقية قبل أن يحرك الأسواق في الولايات المتحدة، والمستفيد الأول والأخير من إعادة الإعمار هو انسان العراق البسيط الذي لا ناقة له ولا جمل في هذا الموضوع.

 

قد يتساءل شخص عن سبب غزو العراق إن كانت كل هذه الأسباب الواردة اعلاه لا منطقية، نقول أن الولايات المتحدة ملت وسئمت من نظام مجنون يتحكم في ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم (يقدر بمائة وعشرون مليار برميل نفط !!)، ويحاول أن يطور أسلحة نووية لأغراض آخر ما توصف به أنها دفاعية، مع توفر امكانيات قيام نهضة حقيقة واستغلال لموارده الزراعية والصناعية والتجارية التي يصعب أن تجتمع لدولة واحدة في منطقة مشتعلة مثل منطقة الشرق الأوسط، مما يمكن أن يخلق تهديداً جدياً لأمن اسرائيل وللمصالح الأمريكية في المنطقة، كل هذه الأسباب دعت الولايات المتحدة للحضور بخيلها ورجلها إلى المنطقة لمنع هذا العبث - من قبل عشيرة مهووسة بالتجارب الشريرة - بمصالحها القومية على المدى البعيد.

 

ورغم أن كوريا ثبت - من أطراف متعددة - أنها تطور في قوى نووية غير تقليدية، فإن المقارنة بين العراق وكوريا هي مقارنة مجحفة، لأسباب عديدة، منها أن كوريا أولاً بعيدة جغرافياً عن اسرائيل، وثانياً لا تمتلك الإمكانيات العراقية، بمعنى أن قدرات نووية بلا نفط ولا موارد ولا بنية تحتية جيدة تساوي حقيقة صفراً كبيراً (Big Zero) على الشمال.

 

والآن لننتقل للفرض الثاني، وهو إذا قررت هذه الجيوش المحتلة الرحيل فجأة – رضوخاً لرغبة أمهات الجنود الأمريكان وابنائهم في ديزني لاند – هل يمكن تصور الكارثة ؟ البديل مباشرة وبدون أي خيارات أخرى هو عودة المهيب الركن القائد العظم إلى موقعه الشاغر (إن لم يقبض عليه حتى ذلك الوقت)، لأنه ببساطة هو الأقوى من بين كل الموجودين في الساحة حالياً (جعفري وخلاف جعفري)، وحزب بعثه هو الأكثر تنظيماً من بين كل التنظيمات الموجودة على الساحة وذلك لأسباب ليس المقام مقام ذكرها الآن.

 

المستفيد الأول من رحيل القوات الأمريكية ليس شعب العراق كما تروج وسائل إعلامنا الهزيلة، المستفيد هو حقيقةً طيور الظلام المهووسة، التي تستطيع أن تتلون بجميع ألوان الطيف في كل ساعة وحين، تلك الطيور التي لم تستطع رغم مرور ثمانين سنة أو أكثر على سقوط دولتنا العظمى (الخلافة العثمانية)، رغم أن لي رأياً في الامبراطورية الثيوقراطية العثمانية لا يسر، لم تستطع هذه الكائنات أن تتعايش مع هذه الحقيقة (الجديدة-القديمة) واستحقت بكل جدارة أن تكون مثالاً ودليلاً حياً على تخلفنا وعمق الحفرة الواقعون فيها نحن.

 

وأذكر هنا مقولة للمصلح الديني (جمال الدين الإفغاني) حينما قال : (للحق جنودٌ كثر .. أحدهم الباطل)، لماذا لا نحاول أن نتصالح مع أنفسنا، وأن نعيش واقعنا، واقع أننا أمة في ذيل الأمم – هنا لا أعني العراق وحده – وواقع أن إسرائيل ترعبنا أكثر من أسوأ كوابيسنا، ولماذا لا نتعايش مع واقع الهزيمة بجميع تداعياتها النفسية والإجتماعية والثقافية، وأن نعيش دور المهزوم الذي يحاول النهوض على قدميه، بدلاً من المكابرة وهذه الدونكيشوتية الموروثة والعنتريات التي قال عنها المرحوم نزار قباني (ما ما قتلت ذبابة) ..

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا