الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع القديم و لكن بأبطال جدد

عمرو البقلي

2007 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


مع قدوم الحملة الفرنسية إلي مصر في أواخر القرن الثامن عشر و بداية دخول مصر في طور الدولة الحديثة علي يد محمد علي و إرتفاع راية العلم و التنوير لتسبق راية الدولة العثمانية المتحللة في ذلك الوقت، وبدأ الخطوات الأولي لإعادة ترسيم حدود المنطقة علي المستوي السياسي و الجغرافي و المعرفي ، و ليعود الشرق الأوسط إلي طور الأنتاج مرة أخري بعدما بقي لأكثر من ألف عام تحت طور السيطرة الفوقية للكتل الحاكمة و أتباعها و المعتمدة في الأساس علي المنظومة الزراعية في بلاد الحضارات القديمة و المنظومة الرعوية في البلدان الصحراوية .

"لكل فعل رد فعل مساو لة في المقدار و مضاد لة في الإتجاة" نظرية فيزيائية قدمها إسحاق نيوتن لتكون أحد محددات علم الطبيعة، ثم لتخرج من إطارها الفيزيائي لتدخل في معظم محددات الصراع الإجتماعي بين البشر علي مدي التاريخ

مع بداية عصر التنوير في الشرق الأوسط تكون صراع جديد بين قوي التنوير و قوي الرجعية التي حاولت مجابهة التقدم الناشئ عن عملية الأتصال بين الشرق و الغرب، و بدأ هذا الصراع يظهر في مصر بحدة مع بدأ تشكل التيارات السياسية المصرية في أوائل القرن العشرين، و كان حزب الأمة الذي عبر تمام التعبير عن تلك النخبة المتعلمة المتصلة ثقافيا بمراكز الحضارة الجديدة في أوربا، حيث حاولت نخبتة أن توجد لنفسها مكانا في خريطة القوي السياسية الناشئة معتمدة علي توجهات القومية المصرية و العلمانية و التحرر الوطني و ردا علي دعوات الخلافة و الجامعة الأسلامية التي أطلقها الحزب الوطني في ذلك الوقت بقيادة زعيمة مصطفي كامل العثماني الهوي .

من هنا كانت بداية الصراع الذي أنشأ نيوتن قانونة، و علي الرغم من عدم تكافؤ الصراع منذ البداية، فقد كانت إنطلاقة حزب الوفد في عام 1919 كتطور طبيعي لحزب الأمة هي بداية سيادة العنصر الليبرالي علي العنصر الديني في الحياة السياسية المصرية لما يزيد عن ثلاثون عاما حتي عام 1952 مع إنقلاب يوليو و تراجع العنصر الليبرالي في مواجهة العنصر الديني و العروبي .

منذ عام 1952 بدأت الحياة السياسية في مصر و من بعدها الشرق الأوسط تتجه نحو الأسلام السياسي و القومية العربية بصورة تدريجية و خاصة بعد عملية إقصاء الليبرالين بحل الأحزاب السياسية في عام 1954 و تحول مصر إلي صيغة الحزب الواحد التي تخلط بين العروبة و الأسلام السياسي و بعض التطعيمات الأشتراكية التي هدفت داخليا إلي حصار النخبة الحاكمة قبل يوليو إقتصاديا بعد تفكيكها سياسيا بحل الأحزاب .

بعد عام 1956 تحديدا دخلت القومية العربية بقيادة عبد الناصر في صراعات متعددة بدأت مع القومية المصرية، حيث وصل هذا الصراع ذروتة عندما شرع عبد الناصر في الإعداد للوحدة مع سوريا و ثم إلغاء إسم مصر تماما من إسم الجمهورية الوحدوية الجديدة، و الصراع الثاني كان بينة و بين اليسار من جهه أخري بسبب إعتمدادة علي المحاور القومية و الدينية و الجغرافية في التوحيد بين الشعوب العربية و هو ما رفضة اليسار في الشرق الأوسط لما شكلتة تلك المحاور من خطر علي منطقي الأممية و العلمانية السياسية، أما الصراع الأخير فقد كان مع الأسلام السياسي الحليف السابق، فقد تصدي لة عبد الناصر بعنف و تم توجيهه ضربات متتالية له بعد أن حاول التمرد علية و سرقة مكاسب الإنقلاب .

بإنتهاء الحقبة الناصرية و عودة إسم مصر مرة إخري إلي الدستور و التعريف بالدولة، بدأت عملية العودة التدريجية لكل التيارات السياسية التي قمعها النظام الإنقلابي الناصري، و كانت عودة اليسار قوية نظرا لما يمتلك من رصيد هام ممثلا في كثير من رجال الأعلام و السياسة و الفكر المخترقين لأجهزة الدولة المختلفة، حيث كان التيار اليساري هو أكثر التيارات إستفادة من هامش الحركة النسبي الضيق جدا الذي سمح بة عبد الناصر داخل منظومتة الإشتراكية و حزبها الواحد، كذلك عاد الأخوان بقوة نظرا لتحالف السادات معهم في محاولتة للحد من سيطرة اليسار علي الحياة السياسية، ثم و مع نهاية حقبة السادات بدأت العودة التدريجية لقوي اليمين، ليعود الوفد علي يد فؤاد سراج الدين و إبراهيم فرج.

مع إعتلاء مبارك للسلطة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي بدت الحياة السياسية في مصر أكثر حراكا و إستقرارا عن الحياة السياسية أيام السادات حيث بدأ الرصيد اليساري و الناصري في التفتت لصالح القوي الأخري مما قلل من ديماجوجية الشارع السياسي المصري، و جائت نتائج إنتخابات 1984 و ما سبقها من تحالفات لتنتج واقعا جديدا للسياسة المصرية رغم أن طرفي الصراع ممثلين في الوفد و الإخوان كانا متحالفين في قائمة واحدة ضد الحزب الوطني، و قد حققا نجاحا يعد نسبيا وقتها أمام عنفوان الأمن بقيادة حسن ابو باشا وزير الداخلية المعروف بعلاقتة الشديدة السوء بالمعارضة المصرية و خاصة الوفد و الإخوان .

إستمر الواقع السياسي المصري بعد إنتخابات عام 84 يتأرجح بين السخونة تارة و البرود الشديد تارة أخري متأثرا أكثر بالعوامل الخارجية و علي إستحياء بالواقع الداخلي المتردي علي المستوي الأمني بسبب ضغوط بقايا الجماعات الإسلامية، و لم يتبدل واقع السياسة المصرية طول عشرين عاما من حكم مبارك رغم وعود الإصلاح التي ثبت زيفها مع مرور الزمن، بل تدرج الوضع ليصبح الركود و النمطية و تمركز السلطة في يد الحزب الوطني و رئيسة هما السمة المميزة للحياة السياسية المصرية .
مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بدأ التلاقي بين دعوات الأصلاح الداخلي الناشئة منذ أواخر عهد السادات و الرغبات الغربية في ضرورة إصلاح المنطقة سياسيا، و صاحب تلك المطالبات هزيمة القومية العربية قبل الأخيرة في العراق بسقوط صدام حسين، ثم خروج ليبيا من الطابور القومي أخيرا بدأ حصار النظام السوري سياسيا، و أصبح القوميون يحاربون معركتهم الأخيرة في الدفاع عن حصن دمشق الأخير، أخر ما تبقي من حصون .

علي نفس الجانب نجد الأسلام السياسي الجديد الذي يحاول إعادة صياغة خطابة القديم بمفردات جديدة معتمدا علي ما يسمي بالصحوة الإسلامية لدي شعوب المنطقة و مستخدما تلك الأدوات القديمة التي كان يستخدمها اليسار في الماضي للحشد و التجنيد، بالأضافة إلي شبكتة الأكاديمية و الإقتصادية التي إستطاع تشكيلها علي مدي سبعين عاما من العمل في الخفاء بين الداخل و الخارج .

في الجانب الأخر بدأ التيار الليبرالي المصري يخرج كقوة مضادة لدعوات العروبة و الأسلمة، مستندا علي شرعية الحريات الفردية و المطالب الإصلاحية التي بدأت في الظهور لدي الكثير من العاملين في الحقل المدني و السياسي الذين إتفقوا علي ضرورة إستعادة الإنتماء الوطني و مدنية الدولة و ضرورة الألتفات ببرجماتية إلي مصالح الوطن من أجل الدخول في المنظومة التكنولوجية و الإنتاجية الجديدة التي ولدت من رحم العولمة، و الرغبة في مسايرة العالم الحر و اللحاق بركب الأمم المتقدم بعدما تأخر هذا كثيرا بسبب إضاعة الوقت في البحث عن تحالفات علي أساس عرقي و ديني و جغرافي، نادرا ما تتلاقي بسبب تعارض المصالح و تباين الطبيعة الثقافية و الإقتصادية و الديموغرافية لكثير من دول المنطقة .

بعد الحادي عشر من سبتمبر و تحديدا مع حرب العراق بدأت الخريطة السياسية للشرق الأوسط تظهر بوضوح أكثر و بدت المواجهة واضحة بين الجبهتين، جبهه تريد الخروج بالمنطقة من نفق الجهل و التخلف و المغامرات السياسية الغير محسوبة العواقب، و جبهه أخري تريد الأنغلاق بدعوي الخصوصية الثقافية و تؤجج صراع الحضارات و تعتمد علي أرصدة تاريخية قديمة تريد بها مواجهة عجلة الأصلاح و الإنخراط في العالم الجديد و تريد إصلاحا شكليا لا يحقق سوي حركة إستاتيكية شكلية نحو التطور، و لا تختلف ضمنيا عن الأستبداد القائم بل هي حليفة الخفي، بل أحيانا كنانتة التي لا تنضب أسهمها .

التصور العروبي و الإسلامي لشعوب تلك المنطقة لا يتعدي مجرد التصور البدائي للمجتمعات القبلية، حيث أن التأكيد علي خاصية التفرد الحضاري لأسباب دينية و جغرافية يتعارض تعارضا كاملا مع عملية التطور التاريخي للأنسان، فالبحث دائما عن بطل واحد و رسالة واحدة و هدف واحد هو منطق شمولي يتعارض تعارضا كاملا مع فكرة الحريات الفردية التي تشكل لب الحريات الجديدة التي إكتسبها الإنسان في الغرب مع بشائر الثورة الفرنسية، و لعلنا نري أن أي صراع في الشرق الأوسط يبدأ بأن يتم الإختلاف علي أي عنصر منهم حتي يبدأ الإقتتال بين سكان تلك المنطقة، لهذا يؤكد ذاك التصور دائما علي أن الفتنة نائمة و يلعن من يحاول أن ييقظها لكي يدرسها و يحلها و يخضعها لمنطق التجربة العلمية و الإجتماعية، و نفس هذا التصور لا يقدم حلولا في حالة الحوار مع الأخر سوي الحلول الدموية أو حلول الضم للقبيلة العربية أو الإسلامية، و من هنا نفسر إما دعاوي القتل و إما دعاوي الأسلمة التي تطلقها الجماعات الدينية المتشددة تجاة الغرب فإما أن تحاربوا حربا دينية و إما أن تدخلوا في الإسلام في سلام .

اليوم تمر المنطقة بنفس ذاك الصراع الذي دار في طليعة القرن العشرين، ذلك الصراع الذي أصبح صراعا بين ثنائيات "الكفر و الإيمان" ، "السفور و الحجاب" ، "القانون و الشريعة" و "حق الأغلبية و حقوق الأقلية" ، تلك الثنائيات التي صيغناها علي مدي قرن من الزمان و تمترسنا خلفها، وجعلناها صراعا نفرض فية شروطنا علي الأخر بأسم الحق الإلهي، و نسحب أي صراع علي أرضها حتي و إن كان صراعا علي جناح بعوضة أو عقال بعير، بل نضع علي مقدمة الصراع شعارنا الذي لا ينضب و لا يسحدث من عدم " لن يرضي عنك اليهود و لا النصاري" ، ذلك الشعار الذي حاربنا بة الأمم بضع قرون و لا زلنا نرفعة وقت الحاجة، فهو الذريعة المتجددة دائما و التي لا تسقط بالتقادم و لا تنتهي صراعاتها و مواردها و غنائمها أحيانا إن كان النصر حليفنا و دخل الناس في حظائرنا أفواجا .

الفارق بين عالم اليوم و الأمس أن العالم اليوم إتحد و أعلنها واضحة و بلا مواربة، لن نستسلم من جديد لهذا الإبتزاز المطعم بالحق الإلهي و لن نقف مكتوفي الأيدي أمام الفاشستية الجديدة، تلك الفاشستية التي إرتدت في الماضي رداء الصليب المقدس أو الصليب المعقوف أو المنجل الأحمر المخصب بدماء البشر، و اليوم ترتدي ذاك اللباس الأخضر المزين بالسيوف و الأحزمة الناسفة .

لقد وضعنا هؤلاء في الصيغة الأحادية القديمة "الولاء و البراء" أو بصيغتها القاعدية الجديدة "فنطاس الكفر و فنطاس الإيمان" ولهذا سنقف مع العالم أمام هؤلاء، سنقف معهم مدافعين عن بقي من أوطاننا التي طحنها الأستبداد و فتتها الطائفية و نهش جسدها ذئاب المجامع، فالصراع في الماضي كان محليا و إقليميا و لكنة اليوم صراع العالم إنة صراع الوجود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م