الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وماذا إن قالوا لك .. أعد آباءنا من المرقد

علاء الدين شاموق

2003 / 8 / 26
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

الدكتور نبيل حلمي أستاذٌ في القانون الدولي، يسعى منذ سنوات - كما ذُكر في صحيفة الشرق الأسط – لاسترداد ما سلبه اليهود قبل ثلاثة آلاف عام من (مضيفيهم) المصريين وهربوا به إلى أرض فلسطين. ويعتقد الدكتور أن الذهب الذي خرج به العبرانيون من أرض مصر يعادل تقريباً 300 طن، وهو في دعواه التي يريد أن يقيمها، لا يريد استرجاع هذه الأموال المنهوبة وحسب، بل يريد معها أيضاً دفع اليهود للفوائد المتراكمة عبر السنين على هذا المبلغ.

 

ويقول الدكتور أنه سيقاضي الشعب الإسرائيلي فرداً فرداً، كما انه سيقاضي دولة إسرائيل باعتبار أنها – كما تدَّعي – الوريث الشرعي لأي إسرائيلي لا وريث له. كما يقول أيضاً أن اليهود إن أنكروا هذه الحادثة – حادثة النهب والسرقة – فإنهم سيشككون في أصول ديانتهم اليهودية، لأن هذه (السرقة الجماعية) موثقة توثيقاً جيداً في الكتاب الرسمي لديانتهم، العهد القديم أو "التوراة" كما ندعوها.

 

قصة جميلة، ومجهود رائع يستحق الثناء، خاصة وأننا لا نحب اليهود كثيراً، ونتمنى أن يدفعوا كل ما يملكون وليس مجرد 300 طن من الذهب لقاء تعذيبهم وتشريدهم للشعب الفلسطيني من أرضه لإقامة دولة إسرائيل. ولكن إن سألنا انفسنا، ماذا لو قرر اليهود – كرد فعلٍ على هذه الخطوة – أن يطالبوا بتعويضات عن الهولوكوست أو الإبادة الجماعية التي ارتكبها فرعون مصر (رمسيس الثاني) بحقهم ؟ ستثير هذه القضية عدة مسائل، وعدة إشكالات قانونية-تاريخية.

 

إن أنكرنا أن فرعون مصر (رمسيس الثاني) قد قام بعملية إبادة جماعية للعبرانيين، فإننا سنكون قد انكرنا قصة موثقة في القرآن الكريم – الذي هو مصدر التشريع الأول للمسلمين بمن فيهم المصريين – وبذا يكون قد انقلب السحر على الساحر كما يقال، فبدلاً من التشكيك بعقيدة اليهود إن هم أنكروا السرقة، سنشكك في عقيدة المصريين إن هم أنكروا (الهولوكوست)، حيث يقول الله تعالى في سورة (القصص) : (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين) صدق الله العظيم.

 

إن طالب اليهود بتعويضهم عن هذه المجازر، فإن الشعب المصري – يقيناً – سيدفع كل ما يملك وما لا يملك، لتعويضهم عن هذه المجزرة، فقد كان فرعون في أول عهده حين أصابه الفزع من نبوءة العرَّافين يقتل كل مولود ذكر يولد لبني اسرائيل، ثم بدأ المصريون يشتكون من قلة العبيد العاملين لديهم، وهذا لا يحدث في سنة أو اثنين لأن نقص العبيد معناه أن اليهوديات الإناث كبرن ولم يجدن العدد الكافي من الذكور لينجبن بدورهن عبيداً آخرين. قرر فرعون نتاجاً لهذا النقص الحاد في الموارد البشرية - المجانية – أن يقتل الذكور عاماً ويتركهم عاماً، وقد استمرت هذه العملية سنوات طوال لا أظنها تقل عن العشرين سنة، بسبب أنها وصلت إلى مرحلة الشكوى من قلة العمالة نتيجة لهذه العملية، وهذا معناه أن اليهوديات كبرن وبلغن ودخلن سوق العمل وهذه المجزرة مستمرة.

 

لا أحد يعلم كم عدد اليهود الذين لقوا حتفهم نتيجة لهذه السياسة، ولكن إذا قلنا - بناءاً على ما يقوله العهد القديم - أن الأسر اليهودية في مصر بلغ عددها مائة وعشرون ألف أسرة في ذلك الوقت، فإن كل أسرة من هذه الأسر ستكون فقدت عدداً من الأولاد الذكور، ولكن فلنقل أن كل أسرة فقدت طفلاً واحداً فقط، إذاً هناك مائة وعشرون ألف يهودي ذكر قتلوا، وإذا علمنا أن عدد اليهود حين خرجوا من مصر هو ستمائة ألف يهودي كما هي التقديرات اليهودية، فإن الأطفال الذكور المذبوحين على يد فرعون وزبانيته يقارب السبعة عشر بالمائة (17%) من إجمالي عدد اليهود المفترض في ذلك الوقت، فإذا كان عدد اليهود اليوم في العالم اثنا عشر مليون فإن معنى هذا أن كل يهودي من الستمائة ألف الذين خرجوا من مصر قد أنجب عشرين يهودياً من يهود العالم اليوم، ومعنى هذا أن هناك مليونان وأربعمئة ألف (2.400.000) يهودي مفقودين على أقل تقدير نتيجة لممارسة رمسيس الثاني تجاه اليهود وذلك بحساب أن كل أسرة يهودية فقدت طفلاً واحداً فقط لا أكثر.

 

ثم إن تركنا الذبح والمجازر، وتحدثنا عن السخرة، فإن اليهود كانوا مستعبدين في مصر طوال عدة قرون، بمعنى أنهم كانوا يعملون مقابل طعامهم فقط أي بدون أجر لحساب المصريين، فإن أراد اليهود محاسبة المصريين بحساب سنت أمريكي واحد لكل ساعة عملها يهودي لدى مصري، فإن هذا قطعاً سيفوق الثلاثمائة طن التي نهبها اليهود من ذهب المصريين، هذا بدون أن نحسب التعويضات التي ينبغي تقديمها لهم على القتلى الذين الذين تحدثنا عنهم آنفاً، فقط مقابل السخرة، أما التعويضات المالية للقتلى أو لذويهم، فإن بيع مصر شبراً شبراً لن يكفي لتعويضهم.

 

إن نزع الأشياء من سياقها، ومحاكمة الأفراد محاكمة تاريخية بمعنى أن يحاكموا على أشياء من التاريخ بمقاييس الحاضر، هو عملية مجحفة، وغير منطقية، لأن ما نراه اليوم خطأ كان قبل سنوات شيئاً عادياً ومباحاً، وما نفعله اليوم بكل راحة ضمير كان قبل سنوات جرماً لا يوازيه جرم، والتاريخ مليئ بالجرائم التي ارتكبت ضد الانسانية ولكن لا أحد يتحدث عنها باعتبارها تاريخاً غير قابل للمحاكمة. لذا فإن محاكمة شخص عاش قبل ثلاثة آلاف سنة بقوانين اليوم هو عملية مجحفة، ولا منطقية، وربما تقود إلى مهازل لا أول لها ولا آخر، وقطعاً سنكون نحن أول المتضررين، يمكن أن نقرأ التاريخ لاستخلاص الدروس والعبر، أما أن نقرأه لمحاكمة أناس عفت آثارهم وقبورهم صارت بلا شواهد، فقد قال الله تعالى عنه (لا تزر وازرة وزر أخرى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب