الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجرَّة المتشقَّقة

غيورغي فاسيلييف

2007 / 4 / 27
الادب والفن


حياة بنت وحيدة، لأب اسمه زمان وأم اسمها مكان. كانت الاسرة تعيش في بيت فقير، مبني من الحجر على قمة تل، ومسقوف بأغصار الأشجار، وعيدان القصب التي غطيت بطبقة سميكة من الطين. كان السقف مرتفع قليلا من الوسط، ومنخفضة من الجوانب. هذا البيت له باب واحد وشباكين. من الداخل البيت مكون من قسمين قسم للعائلة، وقسم للحيوانات، والطيور البيتية.
زمان ومكان عاشا طويلا ينتظران ابنا او ابنة. وكانا حزينين دائما. وطلب اهل زمان منه ان يتزوج مرة اخرى، لكنه رفض هذه الفكرة، لأنه كان يحب مكان منذ وعى على الدنيا، حيث كانا جارين في قرية بعيدة بعيدة عن هنا. والحّ اهل زمان عليه في مسألة الزواج مرة ثانية، وثالثة و..، ولكنه كان يقابل هذا الالحاح برفض قاطع. وقرر، بعد سماع تلك الأغنية من اهله، قرر الرحيل مع مكان دون إعلام اهله او اهلها الى ما وراء التلال والجبال البعيدة البعيدة . و في الليلة ذاتها خرجا من بيت الاهل بهدوء، وظلا يسيران شهورا الى ان وصلا الى منطقة وسط غابة كبيرة على مد النظر، واعجبتهما هذه المنطقة جدا.
في وسط الغابة رابية جرداء، في قمتها شجرة واحدة كبيرة جميلة جدا. صعدا الى الشجرة وناما تحتها . وفي الصباح قالت مكان لزوجها بأنها شافت منام، وفي المنام شافت انها كانت حامل ببنت وهي ولدتها تحت هذه الشجرة. وقال زمان لزوجته انه شاف منام انهما يبنيان بيتا هنا قرب هذه الشجرة. وقررا البدء ببناء البيت فورا. وبعد عدة شهور كان البيت جاهزا. وعاشا في البيت الجديد اكثر من ثلاثين عاما وحيدين دون ان يرزقا ببنت او بطفل. وفي احد الايام هبت عاصفة وبدأ الرعد واللمع والبرق الذي ضرب الشجرة التي بجانب البيت بصاعقة احرقتها بالكامل. وحزن زمان ومكان كثيرا على الشجرة. وبعد ايام عرفت مكان انها حامل.
وبعد مضي عدة شهور ولدت مكان بنت. وكم كانت سعادة الأب والأم. وكأن الحياة وهبت لها من جديد بعد عناء وحزن دام سنين سنين طويلة. وقالوا فليكن اسم البنت حياة.
كانت حياة اسما على مسمى! لقد حولت حياة الاب والام الى جنة حقيقية. وحتى جلبت لها خيرا ورزقا لم يحظيا به من قبل. فبعد ولادتها بإسبوع، رأى الاب بقرة وحيدة في الغابة، فأخذها الى البيت. وبعد ايام وجد ايضا فرسا وحصانا وحيدين فاخذها الى بيته ايضا، واسكنهما مع البقرة في نفس البيت الذي يسكن هو وعائلته فيه.
وعاش الجميع في وئام ومحبة. وترعرعت حياة في هذا الجو المليء بالحب. وبعد فترة من الزمن اكتشفت مكان انها لا تقوى على حمل الماء من النبع الذي يوجد في اسفل التل من الجهة الأخرى. كانت مكان تحمل الماء من النبع الذي يبعد حوالي كيلومترين بجرتين من الطين صنعهما زمان بعد ان شواهما في النار. لاحظت حياة والتي بلغت التاسعة من العمر ان امها تحمل الماء بصعوبة. فقررت ان تبدأ هي بجلب الماء. وفي المرة الاولى وقعت مع الجرتين، وسكب الماء كله، واصيبت احدى الجرتين بشقوق خفيفة، في الجزء الأعلى منها. بكت حياة على تعبها وعلى الماء المسكوب، ولكن بكت اكثر على الجرة المتشققة.
تركت الجرتين في منتصف الطريق، ورجعت الى البيت، واخذت عصا، و راحت الى حيث الجرتين، وعلقت كل جرة في طرف من العصا، وحملتها على كتفيها، وجاءت الى النبع، وعبأت الجرتين السليمة والمتشققة بالماء ورجعت الى البيت. وجدت بعد الوصول الى البيت ان الماء في الجرة السليمة كامل، اما في الجرة المتشققة، ففيها النصف فقط. وخلال اكثر من سنتين كانت حياة تجلب الماء من النبع يوميا. وفي احد المرات سمعت حياة حوارا بين الجرتين، حيث كانت الجرة السليمة فخورة بإنجازاتها التي صُنعت من أجلها، كانت الجرة المتشققة خَجِلة من عِلتها وتعيسة لأنها تؤدي فقط نصف ما يجب أن تؤديه من عمل. وبعد ذلك رفعت الجرة المتشققة رأسها باتجاه حياة وقالت لها" أنا خجلة من نفسي وأود الإعتذار منك إذ انني أعطي نصف ما استطيع بسبب الشق الموجود في جنبي والذي يسبب تسرب الماء طيلة مسافة الطريق إلى البيت، ونتيجة للعيوب الموجودة فيّ تقومين بكل العمل ولا تحصلين على حجم ما تبذلين من جهد ". شعرت حياة بالأسى حيال الجرة المتشققة وقالت في غمرة شفقتها عليها وبحب كبير: "عندما أرجع الى البيت أرجوك أن تلاحظي تلك الأزهار الرائعة والأعشاب الخضراء الجميلة على طول الطريق فوق الجانب الذي احملك فيه " وعند الرجوع الى البيت لاحظت الجرة المتشققة بالفعل أن الشمس تأتي من خلال تلك الأزهار البرية والأعشاب والنباتات التي نمت على جانب الطريق الذي تحملها دائما فوقه. قد أثلج ذلك صدرها بعض الشيئ وفرحت قليلا، ولكنها شعرت بالأسى عند نهاية الطريق حيث أنها سربت نصف ما تحمله من ماء، واعتذرت مرة أخرى لحياة عن إخفاقها ، قالت حياة للجرة: " هل لاحظت وجود الأزهار والخضار والعصافير والأعشاش فقط في جانبك من الطريق، وليس في جانب الجرة الأخرى السليمة!! ذلك لأنني كنت أعرف دائما من الشقوق الصغيرة كنت تسقين هذا القفر، وانا نفسي نثرت بذور بعض الأزهار في هذا الجانب من جهتك من الطريق، لأنني كنت اعلم انك ستتحدثين يوما ما عن هذا، وهل لاحظت انك انت وعند رجوعي يوميا من النبع كُنتِ تعملين على سقيها كل هذه المدة وكنت أقطف بعض الأزهار الجميلة كهدية لأبي وأمي ولتزيين البيت والطاولة ولتفرح الحيوانات والطيور عندنا في البيت بها، ولو لم تَكوني كما كُنتِ لما كان كل هذا الجمال وهذا الفرح وهذه السعادة ."
2007










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي