الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية وعقدة الهوية

صاحب الربيعي

2007 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


الهوية أحدى معايير تأكيد الذات، الانتماء، التواصل، الصلة، الوجود المرتبط بالأرض، الحضارة، والمحيط. وبالمحصلة فإنها جملة العلاقات غير المحسوسة المعبرة عن المشتركات بين أبناء الهوية الواحدة، الهويات المتعددة، الأمم الصانعة للحضارة على أرض الوطن.
المواطنة تعبر عن كل تلك المكونات وتحفظ الحقوق للجميع بالانتماء للوطن والحضارة المشتركة، لكن حين تنعدم المواطنة البوتقة الحاضنة للمشتركات، تتفكك مكوناتها لتعلن عن نفسها وتأكد ذاتها من خلال الهويات التي تخفي بين طياتها الأثنيات والطوائف والملل بصور شتى. أهمها التناحر والتنافس لإثبات الوجود مستعينةً بالحجج التاريخية وسقطات السلاطين لفرض وجودها على الهويات الأخرى، باعتبارها تمتلك ناصية الحضارة والجذور.
وبالتالي الأحقية بالأرض والتاريخ لاستعادة الأدوار وفرض الهيمنة على الأخرين، من خلال الاستقواء بقوى من خارج الحدود لها أجندتها الخاصة لتمزيق أشلاء الوطن.
مما يدفع بقية الهويات للدفاع عن نفسها مستندةً لحجج مضادة لرفض نوازع الهيمنة الجديدة، وإلغاء أدوارها الافتراضية في التاريخ والحضارة.
المواطنة لاتلغِ الهوية الذاتية، وإنما تجييرها ايجاباً لصالح الوطن من خلال المساواة بالحقوق والواجبات أمام الدولة والمجتمع. أما عقدة الهوية، فهي نزعة عنصرية تعاني من الدونية الأثنية وعدم القدرة على تأكيد الذات (المواطنة) على الأرض والتمسك بالمشتركات والاسهامات الحضارية.
عقدة الهوية حالة لاشعورية بعدم الانتماء للأرض، عدم الانتماء للحضارة المشتركة، تحميل الهويات الأخرى حالة الإخفاق ، ضعف المساهمة، سطحية الجذور على الأرض مقارنة مع الجذور العميقة للهويات الأخرى.
مما تؤدي لإنهزامية، انعزال، هروب من الواقع إلى فضاءات بعيدة لتأكيد الذات بمعزل عن الهويات المحيطة، الحضارة، التاريخ، الحاضر.
وإيهام الذات بأن مسببات العجز ليست ذاتية، وإنما قسرية فرضتها الهويات الأخرى. فرضها التاريخ، الحضارات السابقة، الأرض وبإسقاط هذا الثالثوث، تتعزز الهوية المُغيبة لتأكيد ذاتها لتكون متفوقة على غيرها من الهويات الأخرى.
يقول ((الياس مرقص))"ثمة جذر روحي للعقل ضد العقل المخصي وضد العقل الشراني، والفرق كبير إلى ما لانهاية بين الهوية وعقدة الهوية. الهوية ذاتية حقيقية، ثقة الذات، استقلال فعلي، حرية، حرية للإنسان فرداً ومجتمعاً وأمة".
الهوية ليست عددية (قومية، أثنية، وطائفية) للمباهاة، بل هي هوية مساهمات لبناء الحضارة، والوطن. هوية معرفية، ثقافية، انتمائية، تواصلية مع الآخرين.
إن المكونات العددية للهوية الواحدة ليست مهمة في السياق التاريخي والحاضر، وإنما مقدار مساهماتها في صناعة التاريخ والحاضر والمستقبل.
لم يثبت السياق الحضاري الإنساني، حتى لو بدلالة واحدة أن المكونات العددية الكبيرة للهوية اسهمت بمجموعها في الرفد الحضاري أكثر من المكونات العددية بوحدانياتها للهويات الأخرى، فصناع المعرفة من كافة الهويات ينتمون إلى الإنسانية جمعاء، وإلى الوطن، وإلى الجماعة ، وإلى الرفد الحضاري الانساني، انتمائهم ليس بالهوية وإنما بالمعرفة.
قيمة الهوية، مقوماتها الذاتية....مساهمات معرفية لصناعة الحضارة الانسانية، وليس استبدادها، هيمنتها، فرض نفسها بالقوة والعنف على الهويات الأخرى.
المعرفة الإنسانية، صناعة جمعية، رافدية المنابع، همها الأساس الارتقاء بالعنصر البشري لمراتب أسمى. لاتوجد معارف غير إنسانية (وإن وجدت!) فإنها مطية استبداد، وعنف، وقهر لصناعة امبرطورية تحتكر المساهمات المعرفية للهويات الأخرى بغرض تحقيق ذاتها الهشة!.
الديمقراطية كفيلة بإزالة مراتبية المواطنة (الهويات) لأنها تستند للعدالة والمساواة بين المواطنين، تستند لمبادئ حقوق الإنسان، وتكفل الحرية للجميع...وتفرض مبدأ الحقوق والواجبات على المواطن تجاه الدولة والمجتمع.
إن الديمقرايطة ليست فرض توجهات المكونات العددية الكبيرة للهوية على المكونات العددية الأصغر للهويات الأخرى، وبغض النظر عن القوة التصويتية للانتخابات (الأكثرية والأقلية) فالمعيار ليس عدد المصوتين ونتائج التصويت، وإنما الالتزالم بمبادئ الدستور الذي يكفل حقوق المواطنة.
يقول ((الياس مرقص))"أن المجتمع أكثرية وأقلية، الهوية، كل المجتمع. مفهوم المجتمع يسقط، لامساءلة لثنائية أكثرية وأقلية، أية أكثرية؟ نسلية، أصلية، معلومة، منتهية أم انتخابية، ديمقراطية متجددة ومتحولة ومتطورة؟ أية (ديمقراطية)؟. (ديمقراطية) أكثرية وأقلية بلا حقوق إنسان، بلا مساواة الأفراد الحقة، بلا مفهوم المواطن أم ديمقراطية بلا مزدوجين. بندها الأول حقوق الإنسان، وحقوق المواطنين. حقوق الإنسان ثم حقوق المواطن؟ الواحد جمع كسور أم الواحد واحد، مفهوم، حرية؟".
حين نقر بالمبادئ الديمقراطية الحقة، الهوية وعقد الهوية تسقط من القاموس السياسي. وتتكشف توجهات الدعاة القابضين على الكيانات السياسية، ولم يعد المواطن بحاجة للتنظير، التزيف، والخداع لتمرير مشاريع (الهوية، الهويات) المهربة من خارج الحدود لتمزيق الوطن. وبث الفرقة وزع الضغائن بين المواطنين، ونسف المشتركات بين الهويات عبر التاريخ والشطب على مجمل الحضارات المشتركة التي منحت أرض الوطن دون غيره المجد والخلود.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم