الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جزيرة العقلاء

عصام عبدالله

2007 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


في العام 1696 أطلق "جون تولاند" صيحة شهيرة هي: "المسيحية لا أسرار فيها"، فالسر لفظ وثني احتفظنا به كما احتفظنا بغيره، وهو - على حد قوله - إما خرافة يجب أن نقضي عليها، وإما صعوبة عارضة ينبغي أن نذللها. فما من شيء في العالم يمكن أن يكون فوق العقل، وما من شيء يمكن أن يتعارض مع العقل.
يقول تولاند: "إن الخرافة تترصد المرء بمجرد ولادته، إن القابلة التي تخرجنا إلى الدنيا تتناولنا بالطقوس الباطلة، والنساء اللواتي يحضرن الولادة يعرفن عدداً لا نهائياً من التعاويذ يعتقدن أنها تجلب للطفل المولود السعادة وتبعد عنه الشرور". "وحين يشب الطفل عن الطوق تزداد معه قوة اعتقاداته الباطلة، إذ تحكي له المرضعات قصصاً عن الذئب الخاطف، والخدم قصصاً عن العفاريت. وتعلمه المدارس قصصاً عن "عرائس الماء"، إضافة إلى أعمال سحر وأحداث عجيبة، ويقرأ شعراء وخطباء، كلهم محترفو كذب ودجل. ولا يصبح شباب الجامعات أحسن حالاً ولا أكثر حكمة. وليس الأساتذة أحراراً ولا مخلصين، لأنهم ملزمون مجاراة قوانين بلادهم". "إن الجامعات لهي المشاتل الحقيقية للاعتقادات البطالة".
وجاء أعنف نقد لتولاند من "كلود جلبرت" صاحب كتاب "تاريخ كالاجيفا، أو جزيرة العقلاء" عام 1700 - بحسب رواية بول هازار - إذ يقول جلبرت: "لم يسائلوا (تولاند وبقية العقلانيين) أنفسهم حتى، لماذا كان الناس من مسلمين ويهود ومسيحيين، يصلون على مر العصور، إن لم يكن في نفوسهم قَبْس ديني لا تستطيع قوة أن تطفئه، بل ظنوا، لعدم تعمقهم، أنهم قطعوا كل قول، عندما تحدثوا عن الضلال والخداع...".
وكلود جلبرت هذا هو الأب الروحـي لإدمونـد بيرك الذي أعلن مقاومته لرجـال عصـر التنـوير الذيـن أعلوا من شأن العقل، كذلك الثورة الفرنسية التي جاءت معبرة عن التنوير عام 1789.
نشر بيرك كتابه الشهير "تأملات في الثورة في فرنسا" عام 1790، عارض فيه عقلانية عصر التنوير، الذي سماه "عصر الجهل". ووجهة نظره أن الدولة والكنيسة كيان واحد، لأن الدين هو مصدر التشريع. والعدالة أيضاً مصدرها النظام الإلهي عبر الحكمة الجماعية. ولهذا، فإن العقد الاجتماعي ليس على نحو ما تصوره فلاسفة القرن الثامن عشر، وإنما هو عقد أبدي وينطوي على قوة أخلاقية دائمة... ومعنى ذلك أن الغاية من السياسة عند بيرك، هي المحافظة على المجتمع.
وفي عام 1953 أصدر "رسل كيرك" كتابه "العقلية المحافظة من بيرك إلى إليوت"، الذي يعد مانفستو اليمين الجديد في اميركا أو قل "الأصولية المسيحية"، وفيه يعلن تأثره بمدرسة بيرك باعتبارها المدرسة الحقة للفكر المحافظ.
يقول: "إن ماهية المحافظة الاجتماعية تقوم في الحفاظ على التراث الاخلاقي للبشرية. لذلك، فإن المحافظين يوقرون حكمة السلف، ويتشككون في أي تغير حادث"... وهو يطرح ستة قوانين للفكر المحافظ أولها (وأخطرها) في أن قصداً إلهياً يحكم المجتمع، وان المشكلات السياسية في أساسها مشكلات دينية.
تجسدت آراء كل من جلبرت (1700) وبيرك (1790) وكيرك (1953) في نهاية السبعينات من القرن الماضي، في حركة دينية أصولية جديدة عام 1979 باسم "الغالبية الأخلاقية" بزعامة القس جيري فولويل رائد الكنيسة التلفزيونية في العالم، والذي يعتبر نفسه تلميذاً في هذه المدرسة. وتزامن في العام نفسه (1979) نجاح ثورة الخميني في إيران، وصعود نجم رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر وحزبها في إنكلترا، وتوقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية في كامب ديفيد في أميركا. ومعروف أن الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن التقيا جيري فولويل وطلبا منه المساعدة في إنجاح عملية السلام، وانه شجع على إنشاء مجمع للأديان السماوية الثلاثة في سيناء.
كما أنه أيد، وحركته، انتخاب رونالد ريجان حاكماً لولاية كاليفورنيا ثم رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً أيده في مشروع "حرب النجوم". وهو اليوم من أكبر المؤيدين لتنظيم القاعدة، ويرفض بشدة وصف ما حدث في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 بأنه عمل إرهابي يستحق الإدانة المطلقة، فهذا هو القصاص الإلهي، لأن المؤمنين لم يغيروا ما بأنفسهم، ولا سبيل للنجاة مما يحدث، وما سيحدث، إلا بالتوبة عن المعاصي... وكأنه يصادق - من حيث يدري أو لا يدري - على مزاعم "القاعدة"، وكل قاعدة، بأنها تنفذ إرادة الله وعدله في الأرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التبوريدة: فن من الفروسية يعود إلى القرن السادس عشر


.. كريم بنزيمة يزور مسقط رأس والده في الجزائر لأول مرة




.. بعد إدانة ترامب.. هل تتأثر فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية ا


.. لابيد يحث نتنياهو على الاستجابة لمقترح بايدن بخصوص اتفاق غزة




.. الوسطاء يحثون إسرائيل وحماس على التوصل لاتفاق هدنة في غزة