الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محكمة الاطفال

سعدون محسن ضمد

2007 / 4 / 29
حقوق الاطفال والشبيبة


جوهرُ الكتابة أنها إِبداع وريادة وتجديد، حتى أن الكاتب نفسه، وفي كثير من الأحيان يُفاجأ بالآراء التي تظهر أثناء ممارسته الكتابة. جوهر الفعل الإبداعي في الكتابة، أنها تجعل من نفس الكاتب متلقياً لأفكار ترد عليه من مكان ما في أعماق وعيه، ودور المتلقي الذي يمارسه القارئ، يمارسه الكاتب قبل ذلك،
لكن مع ذلك.. كيف يحدث أن فعل الكتابة يفتح مضاميناً جديدة في ذهن نفس الكاتب؟
قبل أيام استيقظ ابني الصغير مرعوباً من كابوس أخافه، حدَّ أنه لم يصدق بأن الذئاب في الكابوس فقط، وأنها غير موجودة بين جدران الغرفة أو تحت أثاثها. وفي صباح اليوم التالي روي لي الكابوس التالي:
اشترينا بدل الخروف الموجود على سطح بيتنا ذئبين اثنين، وبينما كنت أنا على سطح الدار وقع انفجار كبير، مما أخاف الذئبين، فراحا يعويان معاً، وبعد فترة وجيزة سمعت طرقاً على باب البيت، فذهب ابن عمي الصغير لفتح الباب، غير أنه اكتشف بأن الطارق لم يكن غير ثعلب انقض عليه وذبحه. ثم تحول لأخي الذي كان خلفه، فذبحه هو الآخر، وهنا عرفت بأنني التالي، فاختبأت داخل غرفة الضيوف، ونجحت بتظليل الثعلب، لكن لوقت قصير وجدني بعده وذبحني.
شعرت ومن خلال تعابير الطفل أن الكابوس يخيفه جداً، ففكرت أن أحاوره بشأنه، من أجل أن امنحه فرصة للتعبير عن مخاوف قد تكون مكبوته في مكان ما من وعيه البريئ، وهكذا دار بيننا الحوار التالي:
ـ لماذا استبدلنا الخروف بذئبين؟
ـ لا أعرف؟
ـ هل شاهدت كيف ذبح الثعلب أخاك وابن عمك؟
ـ لا لم أشاهد.
ـ عندما تقول بأن الثعلب ذبحك هل تقصد بأنه أكلك، أم أنه ذبحك فعلاً؟
ـ لا لم يأكلني، بل حز بسكين كانت بيده حنجرتي.
لحد هذه النقطة في الحوار كنت لا أزال ضائعاً بين هذه الرموز المتناقضة، لماذا الذئاب بدل الخروف، لماذا يطرق ثعلب الباب، لماذا يستخدم الحيوان سكيناً بدل أنيابه... غير أن السؤال التالي ساعدني كثيراً.
ـ هل تحب الخروف الصغير الذي اشتريناه؟
ـ نعم.
ـ هل أنت خائف على مصيره؟
ـ نعم.
ـ هل تكره أن نأكل الحيوانات؟
ـ نعم.
إذن هكذا يحصل الفعل الإبداعي في الكتابة، فوجود كم هائل من المعلومات في الذاكرة لا يكفي ليصنع منك مبدعاً، بل لا بد من التماعة تأتي من مكان ما، وتربط بين مبعثرات الذاكرة. ثم وبسرعة تقف أمامك وجهة نظر متماسكة ومتينة، وجديدة حتى عليك.
عرفت بسرعة بأن الطفل كان يعاني من التناقض بين حبه للحم الحيوان وبين كرهه لبشاعة ذبحه. ولهذا فقد حدث صراع داخل لا وعيه (ربما) بين هذين التناقضين، الأمر الذي عجل بانعقاد محكمة بريئة داخل كابوسه، الحيوان الضحية استدعى أخوته وأبناء عمومته من (المتوحشين)، عند ذاك صار الإنسان في الكابوس هو المذبوح، والجميل في الأمر أن الحيوانات وخلال عملية الثأر الكابوسية، لم تكتف بذبح أخ وابن عم الطفل، بل ذبحته هو أيضاً. هكذا عبر لاشعور الصغير عن التناقض الذي يؤرقه فارتحاح، وكانت الحكمة التي خرج بها من الكابوس جميلة ورائعة.
في العراق اليوم نعيش كابوساً مشابها، فكلنا نشترك بجريمة، نقع سريعاً ضحية لها. نعم علينا أن نعترف جميعاً بأننا قتلة، ولا يشفع لنا أننا لم نمارس القتل بصورة مباشرة، فما دام هناك، وعلى الدوام، إما أخ أو صديق أو قريب يمارس الجريمة ويحضى على الأقل بسكوتنا، فنحن شركاء بها. المعادلة بسيطة بساطة المحكمة في كابوس هذا الطفل:
إذا كنت لا تريد أن يذبحك أقربائي، فلماذا إذن تسمح لأقربائك بذبحي؟؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا


.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ




.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة


.. خطر المجاعة لا يزال قائما في أنحاء قطاع غزة




.. ما الأسباب وراء تصاعد الجدل في مصر بشأن اللاجئين السودانيين؟