الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار الرعايا قبل حوار البرايا

بسام البليبل

2007 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


إن الحضارة الغربية بقيادة امريكـــــا ذات الرؤية الأحادية والثقافة الأحادية ، والســــــــياسة الأحادية هي أشـــــــبه ما تكون بالسيكلوبس ذلك الكائن الخرافي ذو العين الواحدة والذي نقتبس في وصفه :
إنهم لا يأبهون للنقاش ، ولا يخضعون لقانون .
وعلى جبال عالية يسكنون في كهوف غائرة .
حيث لكل قانون يطبقه على زوجته وأولاده .
مثل حاكم لا يلقي بالا إلى جميع نظرائه .

نعم انهم لا يأبهون للنقاش ، فعلام ندعوهم للحوار ، وهل يــــأبه للحوار من لا يعترف بالآخر كشــــــريك ندي ومؤثر في البناء والفعل ، ان الحضارة الغربية تنظر إلى الحضـــــــارات الأخرى الحية المتبقية من الحضارات الواحد والعشرين التي تحدث عنها / أرنولد توينبي / والذي قال بموت سـت عشرة منها على أنها ــ وبدرجات متفاوتة ــ تعاني من سكرات الموت تحت تهديد الإبـــــادة أو الانــــدماج في الحضارة الغربيــــة ، وجل ما ترى الحضارة الغربية أن الحضارات الأخرى تستطيع أن تقوم به هو الـــــــدوران ــ إلى أجل محتوم ــ حـــول نار الحضارة الغربية كفراشات خرقاء مبهورة بالنور ، لن تلبث أن تحترق بلهيب هذه النار لتذكي أوارها ببقايــــا موادها العضوية .
أوليس قد قال أحد الشعراء الغربيين وقد رأى حركــــــة التصنيع الغربي الحديثة قد أمســــكت بتــلابيب كـــافة المجتمعات في أرجاء المعمورة : إن متفلسفيها قد شاهدوا الضوء الكهربائي القادم من الغرب فوفدوا يتعـبدون

هل هذه صيغة مبالغة أم حقيقة حضارة عالمية ناءت بكلكلها على العالم وأفرطت في تحـــدي إرادة الحضارات الأخرى فأوهنت روحها وأضعفت عزيمتها فتطلعت إليها أنظار الشعوب الأخرى نظرة الغريــق إلى طوق النجاة فإما الغرق وإما اسلاس القياد .

لا شك ان المجتمعات الغربية وفي ظل وجود المعســــــكرين الغربي والاشــــــتراكي قد انقســــــمت بين مرتهن
ـ بفتح التاء ـ للمعسكر الغربي الرأسمالي وبين مستجير بالمعسكر الشرقي الاشتراكي .
وفي كلتا الحالين ظلت المجتمعات العربية رهينة الحضارة الغربية فما المعسكر الاشتراكي الذي آل إلى السقوط لاحقا إلا وليد شرنقة الحضارة الغربية الكاثوليكية التي انقسمت إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ، والكنيســـة الأرثوذكسية الروسية ، وبذلك ظل المجتمع العربي أســـــيرا للحضارة الغربية ، خاضعا لضغوطها ، عاجزا عن الانفكاك من إسارها ، وعاجزا عن الانســـــــجام معها ومع تحدياتها وغير قادر على إيجاد البدائل المناســــــبة والمواكبة لتســـارع حركتها كل ذلك بسبب من نظم سياسية عربية تســـــــــيرها قيم تقليدية تتلاءم مع معطيات الماضي أكثر من تلاؤمها مع معطيات الحاضر والمستقبل ، مع غياب غير قليل للمشاركة السياسية والممارسة الديمقراطية .

وبسبب من غياب الطاقة الإبداعية المفتقرة إلى المناخ المناسب ، والشـــــــروط الموضوعية الكفيلة بإنباتها وتخليقها إضافة إلى محدودية الخيارات المتاحة أمام النخب الثقافية والســـــياسية والتي تتـــــراوح بين مصير بروميثيوس سارق النار المقدســــــة ، أو الاستســـــلام لعدوى النوم والاعتزال الآمن ، أو التماهي والارتهان للأنظمة الحاكمة مع إغراءات محاصصة بخسة في الرفاهية والسلطة .

لذلك فقد ظل الخطاب السياسي العربي ينسب العجز في تحرير الوجود العربي من أسباب ضعفه وتفسخه إلى عسف الغرب ، ومقاييسه المزدوجة ، ومطامعه التوسعية .
وظل الوجدان العربي يشعر بالحيرة والغبن من مواقف أنظمته المنساقة أو الموادعة للغرب وبين مواقف الغرب المنحازة وغير العادلة بمواجهة العرب ، كما عبر عن ذلك الشـــــــــاعر فيصل بليبل :



ما لقومي أرخصــــــوا عزتهم لا يرون الـــرأي إلا أجنبيا
ليت هذا الغــــرب إذ بــــات لنا قبلة بـــات لنا غــــربا وفيا
قد عبــــــدنا الله نبغــــــي جنة وعبدنا الغرب لا نبغيه شيا
أي شــــئ نـــالنــــا مــــن وده كلما زدنا هــــوى زاد عتيا

ــ إن الغرب الذي حقق انتصاره الساحق على المعسكر الاشتراكي في حربه الباردة عام 1989 كان يخوض حربا فيها الأسلحة أقل أهمية من الكلمات ، ليس لأن الغرب أراد انتهاج سياسة جديدة تقوم على الأفكار بدل النار ، وانما انسجاما مع سياسة توازن الخوف بين معسكرين نوويين يملكان من أسلحة الدمار الشــــامل ما يكفي لابادة العالم وما كان انتصار الإيديولوجية الغربية انتصارا لثقافة الحــــوار أبدا ، وإنما هـــزيمة للدولة الشمولية التي ربطت الحرية بنهاية التاريخ .

لذلك فإننا نقول ان الحرب ما زالت خيارا قائما عند الغرب كلما اقتضت الحاجة مثلما كانت في كل مراحل الدول العالمية والامبراطوريات القوية ، بل ربما كانت الحرب عند القيادات الشـــوفينية والزعامات الاســــــــتبدادية
( حرفة جميلة ) كما كان يردد نابليون في منفاه في سانت هيلانه .

وربما كانت أكثر من ذلك كما عند موسوليني الذي يقول فيها : الحرب هي للرجل كما الأمومة للمرأة .
وقد أثبت النصف الثاني من القرن العشرين أنه نصف قرن من الحروب بامتياز بدليل أنه وفقا لأحد التقديرات شهدت الفترة ما بين عامي 1945 / و1989 مائة وثمانية وثلاثين حربا ، أسفرت عن مقتل 23 مليونا من بني البشر وقد وقعت هذه الحروب جميعا في العالم الثالث ، ومثلما كانت العقيدة الفاشية تردد على الدوام :
/ خارج مبادئنا لا يوجد خلاص لا للأفراد ولا بالأحرى للشعوب / .
ومثلما كانت العقيدة النازية تبشـر ( بأن الرايخ ســـــــيكون موجودا لألف سنة ) .
ها هي العولمة تنادي بنهاية التاريخ واختزال العالم بقرية كونيــــة صغيرة تخضع لســـــلطة واحدة ، وتتبنى ثقافة واحدة ويســـــود فيها نظام اقتصادي واحد ، وحضارة عالمية واحدة هي الحضارة الغربية .

فهل هذه النظرة إلى إدمــــــاج الحضارات الأخــــــرى واهتضامهــــا في الحضـــارة الغربية هي نظرة خاصة بالاســــتراتيجيين والعســـــــكريين الغربيين أم أنها نزعـــــــة غربيـــــة تتعداهم إلى من ســـواهم من الفنانين والأدباء والشعراء .
فلنستمع إلى الشاعر الأمريكي / وولت ويتمان / يقول :

عندما أقف على شاطئ كاليفورنيا وأمد البصر إلى بعيد
أسأل بلا كلل أي شئ هناك وراء هذا البحر لم يكتشف بعد
أشعر وما زلت طفلا صغيرا على هذه الأرض أنني رجل كبير
وأن ذلك الأفق اللامتناهي الذي يظهر أمامي
يناديني أن أعبر الماء حتى ( أحيط بالمحيط ) .

هل هذا خيال شعراء ، أم نزعة انسانية تتوق إلى معانقة العالم !؟
يجيب على هذا السؤال الكاتب / ستانلي كارنوف / في كتابه " الامبراطورية الأمريكية " :
( هذا ليس خيال شعراء بل مطلب جماعات مصالح تبحث عن مجالات للتوسع تلبي هاجس امريكا للانتشار . )
أوليس هذا النزوع قريب الشبه بنشيد الشبيبة الهتلري الذي كان يقول كل صباح :
( اليوم ألمانيا لنا ، وغدا سيكون العالم كله لنا .. )

لقد أثبت الغرب من خلال تعامله مع المجتمعات العربية أنه ينظر إلى العرب على أنهم احتياطي بترول ومجال لتوظيف رؤوس الأموال ، وأسواق لتصريف المنتجات ، ومجموعة من المجتمعات الجرداء المتعطشـــــــة إلى غزو الغرب .
ان من ينظر إلى العرب بهذه النظرة الاستعلائية ، المصلحية ، التعصبية ، ويرسم عنهم هذه التصورات القاتمة والقطعية هل يستجيب إلى دعوة الحوار ؟؟ وهل الدول العربية التي تعيـــــش أزمة حضارية تملك فعالية إجبار الآخر على الاعتراف بها كشريك ندي في الحوار تتبادل معه حركة التأثير والتأثر .. ؟

إن الواقع العربي المتخلف سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، يجعل طموحات وأهــــداف الأمة والجماهير العربية غير ممكنة التحقيق نتيجة لعجز الأنظمة العربية عن توفير الواقــــع الموضوعي القــــــائم على العقل العلمي والتفكير المنهجي ، والحريات الأساسية المتوافقة مع منطق العصر ، والقوانين الكلية التي تحكم حركة الحياة بعيدا عن الانكفاء الحضاري واجترار المـــــاضي التليد الذي ان هو إلا نــــوع من أنواع الهروب من مواجهة حضارة العصر التي لا تعترف إلا بالمواجهة والندية ، فمن لا يملك التماثل لا يملك إلا الامتثال ، ومن لا يصنع التكافؤ لن يتحصن بالانكفاء ..

وانطلاقا من هذا الواقع أقول : إن الدعوة إلى الحوار ـ حوار الحضارات ـ هي دعوة استجدائية عاطفية لا دعوة موضوعية واقعية ، بل هي انسياق وراء شعار لا يملك من أدوات التنفيذ بقدر ما يملك من أدوات الإلهاء ولطالما شغلنا بمثل هذه الشعارات وغيرها من الشعارات البراقة التي ألهتنا عن التفكير والعمل حتى أصبحنا أسرى لمضامينها الافتراضية التخيلية ومعانيها المثالية الميتافيزيقية .

لا شك أن جذوة الطاقة الروحية المبدعة ما تزال حية في الأمة العربية ، وما يزال أكســـير الإسلام يمد الجسد المتهالك للأمة بنبض الحياة ، وربما لولا هذه العقيدة الخالدة التي تعهد الله بحفظها لكانت الحضارة العربية قد دالت منذ حين من الدهر .
ولكن مما لا شك فيه أيضا أن الجانب الروحي دون الجانب المادي لا يمكن له وحده أن يساهم في بناء حضارة ما ، وارتقائها ، ذلك أن الحضارة هي نتاج نشاط انساني مادي وروحي في آن ، إذا ما أدمجنا الجانب الثقافي مع الجانب الروحي .
لذلك فإنه مما يؤسف له أن غنى الجانب الروحي وحده في المجتمعات العربية الإســـــلامية لا يمكن أن يشكل عامل جذب والتقاء مع المجتمعات الغربية لسببين :

السبب الأول : هو أن جميع الحضارات القائمة تكمن وراء كل منها عقيدة دينية عالمية .
السبب الثاني : هو أن المجتمعات الغربية مجتمعات علمانية أصبح فيها الدين جزءا من ثقافتهـــــا المادية البعيدة كل البعد عن كل ما هو مقدس ومتعال في ظل حرية فردية مطلقة لا يعني لها الدين شيئا بقدر ما تريد هي أن يعني لها .

ومما يدعو إلى الأسف أيضا أن العرب وبعد أن تراجع دورهم الحضاري ، لم يســـــــتفيدوا مجددا من عقيدتهم الدينية الحافلة بتمجيد العقل والعمل ولم يعملوا على الهاب جذوة الطاقة الروحية الكامنة في نفوسهم للنهوض والانتقال من حالة السكون إلى الحركة ، ومن الانفعال إلى الفعل ، ومن الاعتزال إلى المشــــاركة ، ومن التأثر إلى التأثير .
صحيح أن المجتمعات العربية تتعرض لسيل هائل من التحديات ، والضغوط والاملاءات ، ولكن لم لا تشكل هذه الضغوط عامل استثارة بدلا من أن تكون عامل احباط ولم لا تواجه هذه التحديات بالاستجابة المناسبة والقادرة على خلق واقع جديد ، بل وتغيير الواقع المعاش إلى واقع موضوعي يتلاءم مع الأهداف المنشــــــــودة للأمة لمواجهة تحديات العصر .

وإلى أن تتحول الاجابات على هذه الأسئلة إلى واقع عملي ملموس ، وتســــتعيد الحضارة العربية ألقها الغابر ، ودورها المفقود ، سيظل الغرب ينظر إلينا على أننا حضارة متحللة ليس لهـــــــا نصيب من الحياة خارج إطار الحضارة الغربية ومنظومتها الفكرية والاقتصادية والسياسية وستظل كل دعوة عربية للحوار صرخة في واد ليس لها من رد سوى رجع الصدى .

أوليس الأجدى للنظم العربية والشعوب العربية أن تفتح باب الحوار بينها وبين بعضها البعض تعزيزا للوحدة الاجتماعية ، التي تشكل الملاط الأساسي لتماسك هرم الدولة وتعزيز ثباته ومقاومته والمحافظة على ذاتيته لان فقدان الذاتية والتماسك سببان أكيدان من أسباب التحلل .

كما أن تعزيز الوحدة الاجتماعية ، وإسباغ الحرية على مجموع أفراد المجتمع سيكون من شأنه إذكاء طاقاتهم الكامنة وتفعيل قدراتهم الحيوية المغيبة ، والانتقال بهم من مفهوم الرعيـــــة إلى مفهوم المواطنة ، ومن رتابة العادة إلى حرية الخلق ، ومن خنوع الانسياق إلى كرامة المشـــــــاركة ، ذلك أن المجتمع الذي هو ميدان للفعل يحتاج إلى أفراد أحرار ، يتمتعون بالكرامة والأمانة لممارســـة دور الفعل الايجابي الذين يشكلون هم مصدره ، وحتى يستطيعوا أن يقدموا سلسلة من الاســتجابات الناجحة للتحديات المتعاقبة التي عجزت النظم الحاكمة عن التصدي لها بمفردها ، وبأدواتها التقليدية ووســــــــائلها الاستئثارية ، مثلما عجــــزت عن تحقيق الكثير من الأهداف الوطنية والقومية المشروعة والحقة .

أن الدولة القطرية القائمة على الحوار المبني على الحرية ، والمشـــاركة المبنية على المساواة والعدل ، والتي تستخدم وسائل عصرية معتمدة على العقل المنفتح والتفكير العلمي والمســــــتند إلى قوى اجتماعية قادرة على الخلق والابداع ، ستســــاهم في اســــــتعادة دور الأمة الحضاري وفي خلق التكامل القومي مع الأقطار العربية الأخرى في وحدة تكاملية ، العامل الأساسي في تكوينها فعل القوى الاجتماعية ، لأن الدولة القومية هي مرحلة نظام حتمي لتعاقب نمو الكيانات القطرية الموزعة على دويــــلات تتمــــايز عن بعضــــها البعض اجتمـــــاعيا واقتصاديا وسياسيا مما يستلزم وجود مؤسسات لها وظيفة تكاملية وربما في بعض الأحيان اندماجية تســــاعد على التقارب العربي وتعزيز وجود الأمة التي ستكون قادرة آنئذ على إجبار الغرب على الالتقاء معها وســــماع صوتها ، والانصياع لدعوة الحوار المتكافئ معها والحــــــد من ســــيطرة النظام العالمـــي الجديد ، وآثـــــــار ( العولمة ) التي تهـــــدد بســــــلب المكون الاجتماعي للدولة القومية لصـــــالح مؤســـــــسات فوق قومية ،
وأنمـــــاط فـــــــوق قومية .

وعندئذ .. سندعو إلى وصل ما انقطع من حوار الحضارات ، وسنعمل على أن يعود نهر العاصي ليصب في نهر التـيـبر ، ويعود البحر المتوسط لاكتشــــــاف طريقه إلى المحيط الأطلسي ، ويعود بحر العرب للأغتســـــال في المحيط الهندي وأن تترجم الأبجدية الســــــــورية الأولـــى إلى لغة سلام عالمية تذكر بأن فكرة الوحدانية التي ولدت في أرضنا أرض النبوات تجمعنا مع كل الديانات الحيـــــة في العالـــــم ، وأن موحيــات رســـالة الغفران التي تطل من فصول الكوميديا الالهية ســـــتظل تؤثر في الأدب الإنســـاني وإن اســـــــطرلاب ومزولة البتاني ســـــــتظلان تساهمان في رسم معالم الصعود في معارج السماء لكل رحلات الفضاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمكة الجنائية الدولية : ما مصير مذكرات التوقيف ؟ • فرانس 24


.. ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN




.. قتلى وجرحى بحادث سقوط حافلة في نهر النيل بمصر | #مراسلو_سكاي


.. قبل الحادث بأشهر.. ليلى عبد اللطيف تثير الجدل بسبب تنبؤ عن س




.. نتنياهو وكريم خان.. تصعيد وتهديد! | #التاسعة