الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الضباط

أوري أفنيري

2003 / 8 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


     لقد كانت هذه خدعة، ككل خدعة حذقة، تقوم بها مجموعة من الجنرالات: شارون، موفاز، يعيلون وقيادة الجيش الإسرائيلي.

     ليس سرا أن الحزب العسكري (وهو الحزب الناجع الوحيد في إسرائيل) عارض الهدنة منذ اللحظة الأولى، كما كان قد عارض "خارطة الطريق" أيضا. آلية الدعاية الضخمة فيه، التي تضم كل وسائل الإعلام، نشرة البشارة: "الهدنة هي كارثة! كل يوم من أيام الهدنة هو يوم مشؤوم! وانخفاض العنف إلى الصفر تقريبا هي مصيبة نكراء! لأنه تحت كنف الهدنة تتعاظم وتتسلح المنظمات الإرهابية! وكل عملية انتحارية تمنعها الهدنة ستعود إلينا مضاعفةّ!"

     تشبه القيادة العسكرية مدمنا على المخدرات، تم منع السموم عنه، فمنعت من القيام بالنشاطات التي تتوق إليها. فهي كانت على وشك دحر الانتفاضة، وكانت بحاجة إلى ضربة قاضية واحدة أخرى. ضربة واحدة وانتهينا.

     لقد انكسرت قلوب قيادة الجيش عندما رأت الأمل الجديد الذي نبت وترعرع في قلوب الإسرائيليين، وارتفاع البورصة وارتفاع قيمة الشيكل ومؤشرات التفاؤل في أوساط الشعبين. فقد كان هذا بمثابة تصويت شعبي ضد السياسة العسكرية.

    لقد كان واضحا لشارون، أنه إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فإن الواقع سيعيق مخططاته طويلة الأمد. ولذلك وضع نصب عينيه، مع بداية الهدنة، ثلاثة أهداف مستعجلة:

    الأول الإطاحة بأبي مازن (محمود عباس) بأسرع ما يمكن. فقد تحول عباس إلى المحبب على قلب جورج بوش، وهذه المحبة لم تعد حصرية لشارون. الثنائي بوش-شارون، الذي كاد أن يتحول إلى شخص واحد يدعى بوشارون، كاد أن يتحول بدل ذلك إلى مثلث بوش-شارون-عباس. وليست هناك خطورة أكبر من هذه على مخططات شارون.

     الثاني، القضاء على "خارطة الطريق" قبل أن ترى النور. فخارطة الطريق قد اجبرت شارون على حوالي ثمانين نقطة استيطانية، تجميد كافة المستوطنات، التوقف عن بناء السور وإخراج الجيش الإسرائيلي من كافة مدن الضفة الغربية. لم يحلم شارون بتنفيذ أي من هذه الالتزامات في يوم من الأيام.

     الثالث، وضع حد للهدنة وإعادة حرية التصرف للجيش الإسرائيلي في كل المناطق الفلسطينية.

     والسؤال كان كيف يمكن فعل ذلك دون أن تلحق شارون ذاته أية وصمة شك. كان يجب ألا يشك الجمهور في إسرائيل، وأغلبيته كانت تقبل بالهدنة، بأن زعيمه هو الذي أطفأ شعلة الأمل. وكان يجب ألا يساور هذا الشك مخيلة بوش المحدودة. وكان على أي تهمة أن تنصب على الفلسطينيين، بحيث تتلاشى محبة أبي مازن وتتحول إلى كراهية ومقت.

     وقد اختيرت وسيلة تنفيذ هذه المهمة بدقة متناهية. فقد أخذوا بالحسبان أنه في عالم بوش المجرد هناك الأخيار وهناك الأشرار ولا شيء غير ذلك. الأشرار هم "الإرهابيون". ولذلك كان من المجدي قتل عناصر حركة حماس والجهاد الإسلامي، لكي يقوم الفلسطينيون بخرق الهدنة. هذا لن يغضب بوش. فإن قتل "الإرهابيين" بعيني بوش هو وصية من وصايا الله يجب تنفيذها.

     وهذا ما حدث:

     في التاسع من آب قتل الجيش الإسرائيلي عنصرين من حركة حماس في نابلس. ولكن رد الحركة كان خفيفا: في الثاني عشر من آب قتل شخص واحد في روش هعاين وشخص واحد في أريئيل، وكلاهما جراء منتحرين قدما من نابلس. لم يتم تنفيذ الهدف: فقد أعلنت حماس أن الهدنة مستمرة. في الرابع عشر من آب قتل الجيش الإسرائيلي محمد سدر، رئيس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي في الخليل. وبعد خمسة أيام، في التاسع عشر من آب، قام منتحر بتفجير حافلة ركاب في القدس وقتل 20 شخصا. بعد يومين، في الواحد والعشرين من آب، قتل الجيش إسماعيل أبو شنب. وهو الرابع من بين زعامة حماس.

     في هذه المرة لم يكن بالإمكان حتى إسناد لقب  "القنبلة الموقوتة " للضحية، كما جرت العادة في هذه الحالات. فقد كان الرجل زعيما سياسيا محضا. لماذا اختير هو بالذات؟ وقد تفوه سهوا أحد المراسلين العسكريين  في التلفزيون الإسرائيلي قائلا: قُتل أبو شنب لأنه كان "متاحا"، أي أنه كان من السهل قتله، لأنه لم يختبئ كما فعل زعماء الجناح العسكري.

     في هذه المرة تم تحقيق الهدف. المنظمات الفلسطينية أعلنت بأنها ستضع حدا للهدنة. شارون وشركاه احتفلوا بذلك، ففي خلال ساعات قليلة توغلت قوى الجيش الإسرائيلي ثانية إلى مراكز المدن الفلسطينية، وبدأ احتفال من الاعتقالات وهدم البيوت (أكثر من أربعين بيتا في يوم واحد).

     المدمن الذي لم يتم فطامه انقض على السم. وقد انتهت النوبة، فقد أتيح للضباط القيام بما لم يكونوا قادرين على فعله أسابيع طويلة.

     ولكن الوضع لم يرجع إلى سابق عهده. فليس هناك "وضع قائم في الهدنة". القتل والعمليات الانتحارية ستكون أكثر كمية وقسوة. وسيتم الإسراع في بناء السور في عمق المناطق الفلسطينية، وكذلك البناء في المستوطنات.

     وقد بدأت آلية الدعاية العسكرية بتحضير الرأي العام "لطرد عرفات". كلمة "طرد" هي من إنتاج ماكينة لإنتاج الكلمات العسكرية، وهي إحدى الأذرع الأكثر نشاطا في الجيش الإسرائيلي. ليس القصد هنا هو طرده من المقاطعة، أو من فلسطين. بل يقصد بطرده من هذا العالم. الرد العربي والرد الفلسطيني معروفين مسبقا.

     والأمريكيون؟ لم تبدو إدارة بوش في أي مرة من المرات على هذا النحو من الضعف كما تبدو الآن. كولين باوول المسكين يدعو إلى الشفقة عندما يتلعثم، ومبعوثه جون وولف، وهي ذئب بلا أنياب، سينتهج نهج سابقيه. بعد أن تفككت الترتيبات الجديدة في أفغانستان بشكل يدعو إلى السخرية، ويدور رحى حرب العصابات في العراق ضد الاحتلال المقيت، سوف يضع انهيار "خارطة الطريق" اللبنة الأخيرة على ضريح النزوة الرئاسية. اسهل بكثير أن تلتقط الصور بزي قائد عسكري على خلفية معطيات عسكرية من أن تدير سياسة حكيمة.

     من الواضح ان تجديد دائرة الدم سوف يضع حدا لأي أمل للخروج من البطالة المتفاقمة في إسرائيل. والأزمة القائمة الآن سوف تتفاقم. ومع موت الهدنة وخارطة الطريق ستموت أيضا السياحة والاستثمارات والانتعاش الاقتصادي. والدعم الأمريكي فقط، هو الذي سيمنع انهيار الاقتصاد تماما. ويشبه الاقتصاد، هو أيضا، مدمنا على المخدرات يحتاج إلى جرعته من السم: تسعة مليارات دولار على شكل ضمانات تنتظر أريئيل شارون في واشنطن. سوف تكفي هذه المليارات القيادة السياسية والعسكرية. والفقراء فقط سيكونون أكثر فقر، هذه هي حال الدنيا.

     كل هذا يحدث دون أن يقوم احد بطرح الأسئلة على الجمهور في إسرائيل. ليس هناك حوار داخل هذا الجمهور، ولا نقاش حقيقي في وسائل الإعلام المنصاعة، ولا نقاش في الكنيست الخرساء وحكومة الدمى. لذا فهي خدعة.

     ختاما: لقد قضت خارطة الطريق نحبها، لأن شارون لم يرد بها منذ البداية، ولم ير فيها بوش سوى فرصة لالتقاط الصور على خلفية جميلة، أما أبو مازن فلم يحصل من إسرائيل ومن أمريكا على أي شيء يمكن أن يُنظر إليه على أنه إنجاز للشعب الفلسطيني.

     وماذا بعد ذلك؟ بعد سفك الكثير الكثير من الدماء وذرف الكثير من الدموع، سيتوصل الشعبان إلى استنتاج بأنه من الأفضل التوصل إلى السلام. وعندها سوف يحتاجان أخيرا إلى الاستنتاج من الحقبة الأخيرة: يجب البدء من النهاية. وبعد تحديد صورة واضحة للاتفاق النهائي بين الشعبين يمكن فقط معالجة المشاكل المستعجلة. كل طريقة أخرى، هي خريطة طريق تؤدي إلى الهاوية.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة