الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


The Caretaker "مدبر المنزل" في حيفا ...هوامش المجتمع.. مرآته

هداس لهب

2002 / 2 / 14
الادب والفن


مسرحية The Caretaker "مدبر المنزل" في حيفا
هوامش المجتمع.. مرآته



الشخصيات المسرحية تطلق صرختها الانسانية دون حاجة للخطابات الطويلة. تحويل شخصية متجول بريطاني الى لاجئ فلسطيني كان محاولة لنقل المسرحية لحقول معروفة للجمهور الاسرائيلي. المسرحية تفرض على الجمهور ان يفكر: هل يجب علينا ان نعيش في صراع ام بامكاننا تغيير الوضع؟

هداس لهب

في المبنى القديم لمسرح حيفا في وادي الصليب، تعرض هذه الايام مسرحية لواحد من اهم رموز المسرح البريطاني الحديث، هارولد بينتر. مسرحية "مدبر المنزل" وُضعت قبل اكثر من اربعين عاما، وهي تتناول حياة الناس المهمشين في المجتمع البريطاني. رغم مضي السنوات لا تزال رسالة المسرحية ملائمة، حتى لواقع مثل حيفا.
المخرج ايلان تورن الذي ترجم النص من الانجليزية للعبرية، قام بخطوة استثنائية عندما قرر ان يضيف للنص الاصلي البعد الفلسطيني. في النص العبري نُقل مسرح الاحداث من لندن الى حيفا. "مدبر المنزل" الذي كان في المسرحية الاصلية رجلا عديم المسكن يتحدث بلكنة سكان الاحياء الفقيرة شرقي لندن، يتحول على مسرح حيفا الى لاجئ فلسطيني يتحدث اللغة العبرية المختلطة بالعربية. الغرفة المهملة التي تدور فيها الاحداث، تتحول الى بيت مهجور في حي عربي وقد سُدّت نافذته بالطوب.

دويّ الصمت

تضم الغرفة سريرين وفرن غاز قديما وتلالا من الصحف القديمة وبعض الامتعة الرثّة. صاحب البيت "ميك" (يوئاف بار ليف) شاب ازعر كل حلمه ان يرمم البيت. شقيقه "استون" (يوسف ابو وردة) رجل مؤدب له هيئة مسالمة هادئة، يعود يوما ما للغرفة ومعه "ديفيس" (سليم ضو) الذي رآه صدفة في الشارع.
الشخصيات التي تبدو مختلفة تماما عن بعضها، هي في الواقع متشابهة في انها كلها تمثل شخصيات همّشها المجتمع. الحوار الذي يدور بينها لا يقربها من بعضها البعض بل من حافة العنف، ويكشف عوالمها المهدّمة واحلامها التي لم تتحقق ابدا: استون يحلم ببناء براكية خشبية في ساحة البيت ليستخدمها كمكان عمل، وديفيس يحلم بالعودة الى قريته وميك يحلم بترميم الغرفة المهملة.
ووراء الاحلام معاناة: فاستون يكون قد تعرض في الماضي لعلاج اجباري بالكهرباء في مستشفى للامراض العقلية، الامر الذي يترك جرحا عميقا في نفسه وشخصيته. ديفيس كان مرة انسانا آخر، وكانت له هوية اخرى واسما غير الذي له، وكان له بيت واهل. في النص العبري لمسرح حيفا، "ديفيس" هو ابن مكرم دعيبس الذي كان شرطيا في ايام الانتداب والانجليز حيث غيروا اسمه الى ماك - ديفيس، ومنذ ذلك الوقت يحمل ابنه هذا الاسم.
دخول الاخ الازعر "ميك" الى الغرفة يزعزع العلاقات الهادئة التي بدأت تتبلور بين ديفيس واستون، ويجرها الى نهايتها المأساوية كما يحدث في التراجيديا اليونانية. خلال المسرحية يقوم الشقيقان، كل على حدة ولاسبابه الخاصة، بالاقتراح على ديفيس العجوز ان يتحول الى "مدبر المنزل" مقابل اجر، الامر الذي يشير الى عدم قدرتهما على بناء علاقة انسانية طبيعية معه.
المؤلف البريطاني هارولد بينتر يعتبر "ملك الصمت". الشخصيات التي تمثل على مسرحه تطلق صرختها الانسانية دون حاجة للخطابات الطويلة. الامور الهامة تظهر واضحة في المشاهد البسيطة واليومية. استون المنهمك طول الوقت في اصلاح سلك كهربائي، يعبر بذلك عن انغلاقه وعدم قدرته على مواجهة حياته وتغيير مسارها. في احد المشاهد المضحكة يرفض ديفيس حافي القدمين قبول الحذاء الذي يهديه اليه استون، لان اللون لا يتوافق مع ذوقه.

الطاقم المسرحي

سليم ضو، ديفيس، يقدم تمثيلا يبهر الانفاس. اللهجة الجديدة التي اخترعها تمنح ديفيس الفلسطيني مصداقية، وتحوله الى شخصية مألوفة. اما يوسف ابو وردة، "استون"، فبصمته المتواصل وتحديقه في الفراغ يتحول الى المحور الحقيقي الذي تدور حوله الاحداث. بمرافقة يوئاف بار ليف، "ميك"، يخلق الممثلون الثلاثة القديرون تجربة مسرحية فريدة من نوعها.
يقول يوسف ابو وردة للصبار: "اشعر بالتضامن مع شخصية استون. الزاوية التي اندفع اليها حولته الى انسان نبيل وحساس للمعاناة من حوله، وذلك عكس المجتمع المحيط به". ويقول سليم ضو: "ان شخصية ديفيس قريبة مني ليس لانه عربي، بل لانه انسان من هوامش المجتمع يقضي حياته كلها دون بيت. هذا النوع من الناس لا يكون عنصريا مثل باقي المجتمع. لقد ذكرتني هذه الشخصية بلاجئ مقيم في بلدي اسمه دعيبس، فاقترحت على المخرج تبني الاسم. كما اقترحت ان يكون المفتاح المعلق على رقبته رمزا للبيت والجذور التي كانت له مرة". الى هذا، يقول ضو: "ان المقارنة بين اللاجئ العربي وعديم المسكن (Homeless) اللندني محدودة لان هذه الظاهرة غير قائمة في المجتمع العربي. الفلسطينيون عديمو المسكن هم اولئك الذين دمرت اسرائيل بيوتهم".

لكنة بريطانية في وادي الصليب؟

المحاولة لملاءمة الواقع البريطاني للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، خلقت نقاشا حادا في صفوف الناقدين والصحافيين. يتركز النقاش في شرعية استخدام الهوية الفلسطينية في مسرحية من هذا النوع. المعارضون للمقارنة يقولون ان مشكلة الشعب الفلسطيني ليست مشكلة افراد بل قضية شعب باكمله، وان تحويل انسان مهمش بريطاني الى لاجئ فلسطيني فيه اهانة وتشويش للواقع.
ايلان تورن الذي حصل على موافقة مبدئية من المؤلف هرولد بينتر لتغيير النص، قال للصبار: "المسرحية تعالج وضعا من النزاع الدائم بين الناس. لو نقلت النص كما هو من الانجليزية لفقدت جزءا مهما من حيوية المسرح. من جهة اخرى، لم يرق لي استخدام اللهجة المغربية او العراقية او الروسية كبديل للكنة البريطانية (كوكني). تحويل ديفيس الى لاجئ فلسطيني كان محاولة لنقل المسرحية لحقول معروفة للجمهور الاسرائيلي. رأيي ان هذه المسرحية تريد ان تقول ان النزاعات بين الناس يمكن ان تجد حلا. المسرحية تفرض على الجمهور ان يفكر: هل يجب علينا ان نعيش في صراع او ان بامكاننا تغيير الوضع؟".
في مقال باسبوعية "كولبو" في حيفا (25/1/2002) رد المخرج على هجوم منتقديه من "برج العاج الاكاديمي" كما وصفهم، فقال: "وضع المسرحية في عمق الواقع الذي نعيشه يزيد من معانيها العالمية".
ان المقارنة بين هوامش المجتمع البريطاني والشعب الفلسطيني تؤثر بطريقين: الاول زعزعة حالة اللامبالاة التي تسيطر على المجتمع الاسرائيلي، من خلال استخدام اسلوب مسرحي غير عادي. والثاني، اضافة البعد الفلسطيني للمسرحية مما يساهم في فتح الطريق لعودة النقاش السياسي الى اوساط اوسع من الجمهور.

الانسان مركز العالم

مسرحية "مدبر المنزل" The Caretaker كتبت في عام 1959، وكانت من اول مسرحيات هارولد بينتر. عرضت المسرحية لاول مرة في لندن عام 1960 وحازت على نجاح كبير، رغم غياب الناقدين عن العرض الاحتفالي. عرضت المسرحية في عشرات المسارح في بريطانيا ومعظم دول الغرب.
رغم اليأس الذي يحيق بالمسرحية، الا انها تبعث على بعض التفاؤل. بالنسبة لبينتر الانسان، كل انسان، هو مركز العالم. لهذا فهو يجبر الجمهور على ان يفكر بالسؤال: لماذا لا يكون مكان في المجتمع لهؤلاء الثلاثة؟ لماذا يضرب المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي شرائح واسعة من الناس ويهمش طاقاتها ويلغي شعورها. لماذا يعيش ديفيس في الشارع؟ ولماذا تعرض استون للعلاج الوحشي؟ ولماذا يسير ميك في سيارة الشحن دون هدف؟
هذه الاسئلة طُرحت على المجتمع البريطاني عام 1959 في فترة دولة الرفاه. اليوم، بعد اكثر من اربعين عاما، وبعد دخول الرأسمالية عهد التاشرية ثم العولمة، صار هذا السؤال اكثر الحاحا. عدد "الضعفاء" الذين تم تهميشهم واخراجهم عن دائرة الانتاج في ازدياد، والعنف الذي يمارسه النظام الرأسمالي ضدهم احتد الى درجة لم يسبق لها مثيل. من هذا المنظور فان نقل المسرحية الى منطقتنا في هذه المرحلة بالذات التي زاد فيها الفقر واليأس والحروبات، يعتبر خطوة في مكانها.

الصبار 149








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس