الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن العلاقة بين النقابات والاحزاب والمجتمع المدني

محمد القاهري

2007 / 5 / 1
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


أود النظر في هذه الورقة إلى العلاقة بين العمال من جهة والأحزاب والمجتمع المدني من الجهة الأخرى على أن أساسها قوة التأثير السياسي للعمال. والملاحظة الإشكالية هي أن ضعف التآثير السياسي للعمال غدا سبباًً لضعف علاقاتهم مع الأحزاب والمجتمع المدني. فما أسباب ذلك؟ من ناحية منهجية فإنني، وفقاً لنموذج التحليل الدارج، أتناول العمال والأحزاب والمجتمع المدني كطرف عمل مقابل في معادلة التحليل لطرف الرأسمال.
في نظريته للقيمة-عمل يعبر ماركس عن نظرة ثاقبة للفرق النوعي بين العمل وقوة العمل، ينجر عن فحوى هذا الفرق عدة نتائج. الأولى تتعلق بالفرق بين العمل كخاصية او مكون انساني وبالتالي كعنصر سياسي والعمل المبذول والمتبادل نظير أجركسلعة مبتذلة كغيرها من السلع. مقدار الأول اكبر من مقدار الثاني والفرق بين المقدارين هو مصدر الربح في إطار العملية الإنتاجية ومصدر الاستغلال في إطار العلاقة الاجتماعية الشاملة أي السياسية. النتيجة الثانية ترتبط بواقع أن غدو العمل سلعة يودي إلى فصله عن صاحبه مما يكرس مفهوم الاستلاب البضاعي ذي الأثر السياسي الوخيم. فعملية الفصل هذه تودي عملياً إلى أن الرأسمال الذي يشتري قوة العمل هو من يتول تخطيطها كسلعة بينما يحرم العامل، الذي يغدو مأموراً وحسب، من وظائف التخطيط هذه أولاً كفرد ثم من أمكانيات التنسيق مع نظرائه من العمال ويؤدي ذلك بالتالي إلى حرمان مجموع العمال من قوة التنسيق الجماعية الضرورية كأداة سياسية لتجسيد تأثير طرف العمل ومن ثم ضبط توازن النظام السياسي للمجتمع كله.
الافتقار لقدرات التخطيط والتنسيق هذه يمكن أن يفسر الى حد كبير كعامل ضعف للتأثير السياسي للعمال ومن ثم لعلاقتهم مع الاحزاب السياسية وقوى المجتمع الاخرى الملحقة بطرف العمل. فالثقل السياسي لطرف العمل في معادلة التحليل ينحسرمما يبقي القضايا المرتبطة بعدم عدالة الاجور والعدالة الاجتماعية عموماً دون حل مُرْضٍٍ. هناك عوامل عديدة أخرى تفسر ضعف التأثير السياسي للعمال، سأشيرإلى بعضها فقط.
ظاهرة الفرق النوعي تعمقت حتى الأن مع غدو المعلومات مكونا يأخذ حيزاً أكبر فأكبر في محتوى العمل، وبسلسلة مترابطة من العلاقات السببية فإن تطور المحتوى المعلوماتي للعمل يفقده عناصر تأثيرفي السياسة. فكون الرأسمال هو الذي يخطط قوة العمل فإنه بالضرورة يخطط هيكلها ومحتواها أي أنه يحدد نوع المعلومات المطلوبة في قوة العمل. يلي ذلك أن يتول الرأسمال تحديد وجهة وهوية المصدر الرئيسي لإنتاج المعلومات أي النظام التعليمي ونظام التأهيل أثناء العمل. والملاحظ هو أن النظم التعليمية والتدريبية في البلدان الدأسمالية، خاصة في أمريكا الشمالية، تسخر لإنتاج أناس وظيفيين وليس أناس إنسانيين إذا أمكن التعبير بهذه الطريقة. الانسان الوظيفي يجيد تنفيذ المهام الفنية الموكلة إليه لكنه يفتقر للجانب الروحي والاجتماعي ولا يجيد بالتالي الاحتجاج على النظام القائم ونتائج أداءه غير المرغوبة. ولاغرابة أن تعمل الحكومات الخاضعة لتأثير الطبقة الرأسمالية على تطوير التعليم فهو من وجهة النظر السابقة يودي إلى تجهيل الأغلبية روحياً واجتماعياً مما يضعف تأثيرها السياسي. وهناك كتابات وتعليقات تقول بأن النظم الرُسمالية خاصة في أمريكا الشمالية معادية للثقافة والمثقفين والفلاسفة والفنانين وتعطي الأهميه للجوانب الفنيه والسطحية. وعليه فإن المحاسبين، المسوقين ورموز الشو بيز هم وحدهم من يخطفون النجومية.
تطور محتوى المعلومات في قوة العمل له نتيجة أخرى ذات طابع هيكلي، فكثير من الأنشطة الاقتصادية أخذت طابعاً خدمياً ومعلوماتياً متنوعاً أو مجزئا مما يعني انحسار التركزات الصناعية التي تميزت في الماضي بوجود تجمعات عمالية كبرى كان من السهل التنسيق بين أعضائها وخلق ثقل سياسي لهاعبرت عنه النقابات والاحزاب الممثلة لطرف العمل.
تجدر الاشارة هنا إلى ضرورة الفصل بين الطموحات والنضالات العمالية والاجتماعية من جهة والادعاءات الايديولوجية بتمثيلها. فالنظم الاشتراكية للنمط السوفييتي سابقاً أدعت تمثيل تطلعات وحاجات العمال وقوى المجتمع الحليفة لهم ولكنها في الواقع خلقت شكلاً آخر من الاستلاب من نوع تنظيمي. فحزب وطبقة الدولة سعيا لاحتكار التمثيل الشمولي داعية العمال إلى إتباعها، كمأموين، دون أن تعمل بالضرورة وفقاً لتطلعاتهم وحاجاتهم الروحية والاجتماعية.
هناك عامل ضعف آخر أصاب التأثير السياسي لطرف العمل ويتمثل في غياب عامل التوازن الخارجي الذي مثله وجودالمنظومة الإشتراكية سابقاً كقطب تأثير سياسي يخفف من الطغيان السياسي لطرف الرأسمال.
هناك عامل أخذه ماركس بعين الإعتبار وهو وجود الجيش الإحتياطي للعمل. فالتوسع الرأسمالي عبرحركة إعادة التوطن في المناطق الفقيرة كالصين يؤدي ألى تجنيد الجموع الغفيرة من العمال بأجور زهيدة الأمر الذي أضعف القدرات التفاوضية للعمال في المناطق المتقدمة إقتصادياً كطليعة للنضال العمالي وأضعف بالتالي التأثير السياسي لهذه الطليعة وإمكانيات تضامنها السابق على الصعيد العالمي.
هناك عامل أخير، على سبيل الذكر دون الإدعاء بحصر كل العوامل، ويتمثل بنسبية أو مرحلية الوعي الإنساني. إذ لازال الوعي الإنساني يقبل التعايش مع نظام الأجور رغم عدم عدالته بالنسبة للعمال وأغلبية المجتمع عموماً. ورغم مرحليته كسابقيه من نظم الإقطاع والعبودية فإن بعض قادة الفكر في الغرب والذين يمتدحون تطور الوعي البشري والديمقراطية والأخلاق يغفلون عن طابعه غير العادل ويصطفون بالتالي في الخط المناهض للنضالات العمالية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني