الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسالة القومية، الطائفية، الفدراليات الاثنية وقضايا التحرر الاجتماعي

ثائر كريم

2007 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


في العراق ثمة تاثيرات متبادلة بين تنامي سياسات توسيع المسالة القومية والارتباطات الطائفية وقيام الاوضاع الفدرالية اثنيا وطائفيا، من جهة، وشلل حركة التحرر الاجتماعي والاقتصادي المطلبية وتزايد وتائر تشرذمها.

منطق آليات الفدراليات الاثنية والسياسات الطائفية في الانقسام والتقسيم

اي نظام فدرالي يقوم على مستوى الاثنية او الطائفية او المذهب او اللغة لايعني نموا للديمقراطية الذاتية او تعزيزا لمساهمة الناس محليا في صنع القرارات التي تمس حياتهم او تحسينا في معاشهم او تحقيقا لتطلعاتهم في حياة سعيدة آمنة. على العكس تماما. فالفدرالية الاثنية او الطائفية او المذهبية او اللغوية ترفعها النخب المسيطرة لصالحها تحديدا على اكتاف الشعور القومي الساخط. ان اي فدراليات تقوم على هذه الاسس ستؤدي بدورها لامحالة الى تفريخ فدراليات فرعية تعود نفسها ومن بدء الى نفس قصة انبثاق الهويات الجماعية الاثنية او اللغوية او المذهبية او الطائفية لتمر عبر سياسات التهييج القومي ودورة العنف والعنف المضاد وتنتهي بالمساومات الفوقية على حساب التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والسلام الانساني.

في ظل ضعف وتائر نمو دولة قانون ديمقراطية واحدة وموحدة في العراق فان ليس هناك ما يمنع بزوغ حركات مطالبة لتاسيس فدراليات على ذات الاسس التي تاسست عليها الفدرالية الكردية. لعل بوادر هذه المطالبات او مظاهرها الاولية قد بدات تلوح في الافق هنا وهناك مثل تاسيس احزاب فيلية وجبهات تركمانية وتجمعات يزيدية ومجوعات شبكية واحلاف عربية الخ. ان فرض فكرة القبول بانفصال جزء معين عن كل اكبر يعني، بديهيا، القبول بفكرة انفصال اجزاء داخلية اصغر تنشق عن هذا الجزء او ذاك. هذا خصوصا في بلد فسيفسائي مثل العراق لا تخلو جهة من جغرافيته البشرية من هويات جماعية يمكن ان تتطور انطلاقا من انتماءات مختلفة. فثمة دوما دمى صغيرة داخل دمية الام الروسية. ان منطق التنوع الانساني يشير الى ان الدول التي قامت على هويات قومية اثنيا، منسجمة بذاتها بدون ان تتداخل جدا مع هويات جماعية اخرى محدودة للغاية. البرتغال احد تلك الامثلة المحدودة. وهذا العامل لم يلعب اي دور يذكر ابدا في تقدم هذه البلدان، اذا لم يكن العكس. الانعزال يضعف الاقتصاد ويقلص الفرص ويزيد عوامل الاستبداد ويفقر الناس ويشيع التخلف في كل اوصال المجتمع.

منطق العصر هو التوحد والاندماج والتكامل. الراسمال سباق في استثمار منطق العصر، سياقات العولمة الجارية على قدم وساق. الراسمال يتوحد، يتداخل، يتعاون، يتكامل، يندمج. وحتى حركات النخب القومجية والطائفية تتكامل مع بعضها على مستويات المصالح الاساسية، علنا احيانا، وسرا احيانا اخرى. هكذا تفعل حركات اليسار العالمية، في اوربا وفي امريكا اللاتينية وفي افريقيا وفي اسيا. الا في منطقة الشرق الاوسط وخصوصا الان العراق. العالم يتوحد وهي تتقاسم. العالم يندمج وهي تتشرذم. العالم يتعاون وهي تتصادم.

لمصلحة من؟

على مستوى الفعل السياسي، لمصلحة من هذا الانخراط اللاواعي في سياسات الفدراليات الاثنية او الطائفية وبما يعزز الانسياق لفكرة الانفصال وتأسيس دول مستقلة خارج دولة قانون عراقية واحدة موحدة وهو ما يؤدي عمليا الى افلاس كلي للحركات التحويلية التي تعتمد، نظريا على الاقل، على قيم ايديولوجية انسانية في جوهرها وتسعى، نظريا على الاقل، لاقامة نظام اجتماعي متقدم يعيش فيه جميع الناس وفق قيم انسانية بحتة؟

اذا كان الواقع يشير الى ان الفدراليات الاثنية او الطائفية او اللغوية بطبيعتها تدور في رحى الولاءات للاشخاص وليس للمؤسسات، الافراد العظام وليس للقيم، للنخب وليس للسياسات الاجتماعية، للقومية والطائفية على حساب الديمقراطية والتحرر الانساني فلمصلحة من دوران الحركات السياسية التي تريد ان تكون تقدمية تحررية في فلك التخندق القومي والتشرذم الطائفي؟

واذا كانت سياسات التوسع القومي والارتباط الطائفي تفضي عاجلا او آجلا الى تفريخ هويات جماعوية فوقية خالية من المضمون الاجتماعي الانساني فلماذا لاترعوي الحركات اليسارية التي تمثل الكادحين وتدافع عن مصالحهم وتوحد جهودهم لتتدارك مخاطر التجزؤ الكارثية والتشرذم الشللية؟

على سبيل المثال لا الحصر، كان الحزب الشيوعي العراقي حزبا عراقيا وطنيا ربما الوحيد في الساحة العراقية من ناحية تركيبته الاجتماعية وتوجهاته السياسية بغض النظر عن محتوى سياساته. لكنه من اليوم الذي انقسم فيه الى حزب عراقي وآخر كردي فقد جل هويته العراقية وانتهى باغلب قيادييه الاكراد ولاسيما زعيمه الاول الى معسكر القومية الخالي من اي مضامين تحررية اجتماعيا وتقدمية اقتصاديا وحضارية انسانيا. وعصف بالقسم الاخر من الحزب لينقله الى درجة اوطأ من درجات الضعف والهامشية. وعلى نفس هذا المنوال اقدمت قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي مؤخرا على تقسيم حزبها ليتحول احد فرعيه الى حزب كردستاني والاخر يبقى عراقيا (اي بما معناه للعرب اساسا). وعلى هذا النمط تمددت الساحة السياسية العراقية وتشرذمت باحزاب فيلية وتركمانية وسريانية وشبكية وصابئية وليس ثمة في الافق نهاية لهذا التمدد وذاك التشرذم.

دور القيادات في سياسات الانقسام واوضاع التشرذم
اذا كان ثمة امكانية اجتماعية عامة في العراق لوضعية التمدد السياسي وسياسات التشرذم الحزبية بسبب تركيبته الفسيفسائية فان هذه القاعدة ذاتها بحد ذاتها لا تخلق هذا العالم من الكيانات السياسية الجزئية والمتجزأة والاخذة بالتجزأ اكثر فاكثر لولا وجود صفات ذاتية خاصة بقياديي هذه الكيانات وكوادرها المسؤولين عن تحويل هذه الامكانية الى واقع.

لعل اسوأ هذه الصفات هو النرجسية التي تتجلى اكثر مما تجلى بحب ابراز الذات كذات مفكرة ابرع من الاخر واهم منه فكرا وسياسة ثم التسرع في فرض الراي الذاتي وعدم الخضوع الى القرارات الجماعية اذا كانت الذات المعنية ترفض قرارا معينا او مجموعة قرارات وعدم اختيار المعارضة السلمية ديمقراطيا داخل الحزب الواحد في هذه الحالة.

الصفة الثانية هي مزيج عوامل ذاتية وموضوعية وتتعلق بعدم تطوير قيم ايديولوجية انسانية مشتركة يمكن ان ينخرط تحتها الكثير من الناس بدون ان يترتب على ذلك ان يتفق جميعهم اتفاقا حديديا على كل القرارات او اجمالي السياسات. قد تكون قيم الديمقراطية الاجتماعية او مبادى الاشتراكية الديمقراطية او افكار اليسار الديمقراطي جوهر هذه القيم الايديولوجية الانسانية، على الاقل في المرحلة المنظورة من تطور البناء الطبقي في العراق وسيرورة الحركة السياسية المعبرة عن مصالح الكادحين.

الصفة الثالثة هي فقدان المرونة السياسية. فالمرونة السياسية عملة نادرة وخصوصا لدى القادة او الكوادر الطامحة للقيادة. عادة ما يعتبر القادة او الكوادر المتطلعة للقيادة المرونة السياسية والمساومة تخليا عن الالتزام المبداي بالقيم الايديولوجية الانسانية ولكن شتان ما بين الاثنين.
باختصار، الكادحون في العراق لاسيما الطبقة العاملة ابتلت بتجمعات حزبية وقيادات سياسية لا تجعل من الوحدة السياسية للكادحين اداتها الصادقة للتغيير واسلوبها الانساني للتأثير وشعارها الاول للمرحلة الراهنة. وبنتيجة هذه الماساة تنتهي هذه التجمعات وتلك القيادات الى قبول الامر الواقع المتجزىء بل وحتى تصويره على اساس انه راي الشارع وهدف الناس وطموح الجماعة. وفي نهاية المطاف لاتنتصر الا القوى القومية والاحزاب الطائفية.

هل من افق في يوم ايار؟
فهل يمكن ان تستثمر التجمعات اليسارية وخصوصا الشيوعية يوم ايار لتعلن التزامها باولوية تاسيس حركة يسارية ديمقراطية موحدة تدافع عن مصالح الكادحين العراقيين في مكان؟
آمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس تسلم -بري- الورقة الفرنسية المتعلقة بوقف إطلاق النار ب


.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن| #أميركا_ال




.. الخارجية الأميركية: 5 وحدات في الجيش الإسرائيلي ارتكبت انتها


.. تراكم جثامين الشهداء في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار برفح جنو




.. بلينكن: في غياب خطة لعدم إلحاق الأذى بالمدنيين لا يمكننا دعم