الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبادرة العربية ونظام الشرق الأوسط

موريس عايق

2007 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


انتهت القمة العربية بتجديد مبادرتها السلمية مع تجديد الرفض الاسرائيلي لها في شكلها الحالي عبر أولمرت هذه المرة، وبمعزل عن التحليلات للرفض الاسرائيلي- حيث العقد النفسية للذات الاسرائيلية، أو بسبب الهزيمة التي منيت بها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ما منع أولمرت من قبول المبادرة في الوقت الحالي، متناسية أن هذه المبادرة قديمة ورفضها أيضا قديم وان تجدد الرافضون- فإننا نستطيع أن نطرح أسئلة أخرى حول جدوى القبول الاسرائيلي بالمبادرة العربية.
ما الذي قدمه العرب لاسرائيل في مبادرتهم, ولما يتوجب على اسرائيل -افتراضا- القبول بهذه المبادرة؟
جوهر المبادرة العربية نقطتين: الأولى التأكيد على السلام خيار استراتيجي ووحيد للعرب والثانية السلام والعلاقات العربية-الاسرائيلية مقابل الأرض- أراضي 67- وعودة المهجرين.
السلوك العقلاني المفترض من الجانب الاسرائيلي للرد على هذه المبادرة يتمثل بحساب الجدوى، ما الذي تقدمه من منافع وما تجلبه من مضار في حال قبولها أو رفضها. والحال هنا اننا لا نجد ما يستدعي قبولها من الاسرائيليين.
في البدء يؤكد العرب السلام خيارا استراتيجيا ووحيدا لهم، أي يؤكدون عدم استعدادهم لفعل أي شيء في حال الرفض الاسرائيلي سوى الندب والاعلان للعالم مسؤولية الاسرائيليين عن رفض السلام معنا. لاتوجد احتمالات أخرى مثل الحرب أو مقاطعة شاملة لاسرائيل، بما أن مصر والأردن احتفظتا بعلاقاتهما مع اسرائيل رغم الرفض السابق للمبادرة ورغم الجرائم الاسرائيلية اليومية تجاه الفلسطينيين وحربها الأخيرة على لبنان.
جعل السلام خيارا استراتيجيا ووحيدا معناه عدم رغبة أو استعداد العرب لفعل شيء حيال الرفض الاسرائيلي الأكثر من متوقع، وهو المعلن قبل وخلال القمة العربية.
بالمقابل ما الذي سيكسبه الاسرائيليون من المبادرة العربية في حال قبولهم بها وخسارتهم لأراضي 67، في الضفة الغربية ولكتلهم الاستيطانية الكبيرة هناك؟
مرة اخرى لا شيء.
العلاقات العربية - الاسرائيلية! نجح الاسرائيليون بكسر طوق العزلة عنهم وهم ينعمون بعلاقات مع دول عربية متعددة - مضى الزمن الذي اقتصرت علاقتهم الرسمية فيها مع العرب على مصر- وأحيانا ما تكون هذه العلاقات أشد قوة من العلاقات العربية- العربية ذاتها. العزلة الاسرائيلية الافتراضية انتهت الى نكتة سمجة، فالوضع انقلب تماما وعوضا عن التهديد بطوق عربي (أو اسلامي) على اسرائيل انتهى الوضع مقلوبا. فاسرائيل هي التي تملك القدرة اليوم على فرض الطوق الذي تريد على دول عربية وحتى إعطائه بعدا عربيا إن شاءت، فليست سوريا اليوم قادرة على التلويح بالحظر على اسرائيل انما العكس هو الصحيح وبرضى وتواطوء عربي كذلك. وربما الدليل الأشد تعبيرا هو حال حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا، فالمثال الذي أمامنا هو الفلسطينيون أنفسهم، أصحاب القضية الأصلية و أصل الخلاف. نجحت اسرائيل بفرض حظر اقتصادي مدعوم أمريكيا وأوربيا وأيضا من العرب، الذين اشتكوا من عدم مرونة حماس ولاواقعيتها.
العرب في مبادرتهم لايملكون ماهو مغر ليقدموه، والأهم لا يملكون شيئا من القوة ليجعلوا خيار الرفض الاسرائيلي مكلف ومؤذ للاسرائيليين انفسهم.
ربما يرى البعض أن الرفض الاسرائيلي نفسه مكلف لناحية تكريسه الحرب عاجلا أو آجلا كما حدث مع مبادرة روجرز أيام عبد الناصر، إلا أن هذه المقارنة باطلة لسببين:
1- وهو الأهم حيث لا عبد الناصر هنا، أي خياراته الاستراتيجية ومنها الحرب. بالمقابل نحن أمام زعماء ليس لديهم الا خيار وحيد وهو السلام ولايسعون الى استبداله حتى لو اضطرتهم الظروف وفشل الخيار نفسه. فلا توجد جيوش عربية تبنى، اما صفقات الأسلحة السعودية والخليجية فهي تندرج في سياق الصفقات الدائمة لهذه الدول وإضافة الى مخزونها من الأسلحة غير المستخدمة، أو التي يقتصر استخدامها على الامريكيين انفسهم وضد عرب آخرين ولاجدوى لها إلا بتحويل المليارات الى الخزينة الأمريكية. ومن جانب آخر نشهد مع كل صفقة نوع من سخرية القدر بالاعتراض الاسرائيلي الذي يؤخر الصفقة عادة دون أن يلغيها في النهاية ولكنه بالغ الدلالة على حجم الدور الوظيفي وقيمته لهذه الدول المعتدلة والمسالمة والحليفة.
2- افتراض أن أية معاهدة للسلام هي نهاية للصراع العربي- الاسرائيلي (وتحديدا في جانبه العسكري) وهذا بحد ذاته مستبعد، فالوضع الاقليمي والشعبي والخيارات النهائية لأي مشروع نهضوي عربي وللمشروع الاسرائيلي تجعل من صراعهما صراعا ذي طابع وجودي. والسلام الحالي لن يتجاوز بأي حال من الأحوال الهدنة وإن تكن طويلة الأمد.
ما السبب في فشل القمة العربية- في استمرار لتقليد القمم العربية، وبرغم الأهمية الاستثنائية التي علقت عليها ولم تقتصر سابقا عليها،وهي الأهمية الناتجة عن سياق الأحداث الى تنعقد القمة في خضمها. وهنا تبدو القمة كما هو حالها دوما بمثابة الخطيب الفاشل في حدث جلل- وهذا الشلل العربي؟
الدور الأمريكي المغال في انحيازه لاسرائيل(ضدا من المصلحة الأمريكية ذاتها!!!) لدرجة أنه يشل أي دور عربي.
إن هذا التفسير مغلوط، فهو مفرط في تبريريته من ناحية وافتراقه عن الواقع الراهن وخاصة في شقه العربي من ناحية أخرى.
الانحياز الأمريكي مستمر ودائم، وهو جزء عضوي من السياسة الخارجية الأمريكية وليس نتاجا للخطأ أو التراث النفسي للأمة الأمريكية وحسب، انما اسرائيل والانحياز لها هما جزءان بنيويان من نظام الشرق الأوسط والمصلحة الأمريكية القومية. وإن تقرير الواقع لا يعني الاستسلام إزائه، فما الذي فعله العرب في مواجهة هذا الواقع المعروف من قبلهم وعلى مدى عقود طوال؟
كذلك يتناسى المرء- في غمرة الهجوم على المحافظين الجدد- أن هذه الادارة الامريكية هي الوحيدة التي اعترفت والتزمت بدولة فلسطينية وفي حقها بالوجود الى جانب اسرائيل، وهي الادارة التي ترث إدارة بوش الأب ووزير خارجيته بيكر الذي أرغم الاسرائيليين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع العرب في مدريد. وهي تنتمي الى لوبي النفط المعروف بعلاقاته العربية وحتى على المستوى الشخصي الحميمي كما حال الأمير بندر (بوش). إن من يحكم البيت الأبيض اليوم هم أقل المتعاطفين مع اسرائيل وأبعدهم عنها ضمن المؤسسة الأمريكية السياسية. لكن ما الذي فعله العرب أمام هذا الواقع؟
منذ البداية حيث اقر الرئيس بوش بحق الفلسطينيين بدولتهم -وبعد 11 ايلول- رمى العرب كل بيضهم في السلة الأمريكية، بمعنى آخر أعطوا سلفا جميع المنافع المفترضة لقيام الدولة الفلسطينية وقبل أي طرح جدي لهذه الدولة، مما يعني انتفاءها كموضوع ولم تعد تساو شيئا للأمريكيين. الالتحاق العربي حول الادارة الأمريكية وبشكل هوسي بعد أحداث أيلول جعل من الدولة موضوع غير ذي معنى وهو ذات الشيء الذي فعله الرئيس الراحل ياسر عرفات طيلة مسيرة أوسلو. فقد قدم كل شيء للاسرائيليين (المرجعية الثنائية للمفاوضات مضحيا بمرجعية الأمم المتحدة للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، ايقاف الانتفاضة، فلسطنة الصراع وابعاد العرب، تأجيل كل المسائل الهامة لمفاوضات الوضع النهائي) سلفا، فهو لم يعد يملك ما يقدمه للاسرائيليين فيما بعد وهؤلاء لم يعودوا مضطرين لإعطائه شيئا مجانا فيما بعد.
العرب لايمارسون في سياستهم حساب جدوى كعملية دائمة تعززها القوة، انما سياسة شيخ القبيلة حيث تحل كلمة الشرف مكان أي شيء آخر ولكن الأسوأ انها كلمة من رجال لا يملكون الكثير من القوة. وهذه النقطة مهمة فلا يعني مانقوله أن الانظمة العربية ضعيفة، بل إنها تملك هامشا من القوة ضمن النظام العام. فإثارة موضوع الرسوم الكاريكاتورية وتداعياتها التالية، أو صفقة اليمامة والتهديد السعودي لبريطانيا التي اضطرت الى إيقاف تحقيقاتها، والعودات الأمريكية المتكررة للنظام العربي في مسائل متنوعة تستعصي عليها بهذا الشكل أو ذاك (محور الاعتدال العربي والاجتماعات الأمنية) تدل على مجال للقوة يملكه العرب في إطار النظام العام.
كذلك فإن النظام العربي فرط بفرصة زيادة هذه القوة وتأثيرها خلال عهد التوافق العربي ذي المنسوب العالي في فترة الثمانينيات وهذا ما يتحمل مسؤوليته دول المثلث العربي (السعودية،مصر، سوريا) والذين استعاضوا بانفسهم عن العرب جميعا، ولم يسعوا بالمقابل الى تطوير آليات عمل اقليمي تمأسس التوافق الديبلوماسي بينهم.
ما نود قوله هو ان الأنظمة العربية (وتاليا النظام العربي) هي أجزاء وظيفية من نظام أعم هو نظام الشرق الأوسط، وهي الأجزاء الأسهل استبدالا فيه. هذا النظام ذاته الذي يتضمن اسرائيل وتركيا وباكستان كدول اقليمية كبرى بوظيفة حمائية. ولنلحظ انقلاب الدور الحمائي بين 48 وأيلول الاسود 70 بين النظام العربي واسرائيل.
النظام العربي الحالي هو جزء غير متناقض بنيويا مع واقع الشرق الأوسط ولايمكن التعويل عليه في اختراقه. أما لاعقلانيته فتتأتى من عدم قدرته على زيادة مجال قوته تجاه الأجزاء الأخرى، بل على العكس فهو يعمل على تكريس ضعفه المتزايد، كما يحصل حاليا بتذريره للعرب في انقسامات طائفية ومذهبية له الدور الرئيسي فيها، كما في اقصاء الشيعة في الخليج واعتبارهم مواطنين درجة ثانية كسياسة رسمية أو تحفظه ورفضه لدور شيعي في العراق وتكريس اعلامي للانقسام اللبناني عبر صورة وحيدة (شيعة|سنة) وهي ليست الصورة الوحيدة ولا الغالبة.
هذا السلوك اللاعقلاني لا يجد تفسيرا الا في غياب حد أدنى من الشرعية للنظام العربي -على العكس من رغباتنا التي تنطلق مع كل قمة عربية والناتجة عن افتراضا حد أدنى من التوافق بين النظام العربي والشعوب العربية- يسمح له بانتهاج سياسة تسعى الى تراكم القوة أمام الآخرين، لأنها تتطلب بقدر ما مشروعية دنيا من الشعب العربي. يدرك هو نفسه غيابها ويخشى أيضا محاولة تأمينها لاحتمال انقلابها عليه فيما بعد. بالمقابل ينجح في تأمين استمراريته بتذرير مجتمعه وإضعافه لكن كلفته تأكل في منسوب القوة على مستوى النظام الشرق أوسطي ككل وزيادة التباعد بينه وبين الشارع العربي تاليا .سياسة لاعقلانية من طرفه ووظيفية من طرف النظام ككل ونتيجتها دولة ضعيفة وسلطة باطشة ومهِددة(صيغة المفعول)
فالمبادرة العربية بشكلها الحالي لا تستند الى توازن قوى يدعمها ضمن النظام الحالي، وهي تتحرك ضمنه ولكنها تتضمن بذور الخروج عليه. بالمقابل تعديل ميزان القوى بما يسمح للمبادرة بان تكون موضوعا جديا يتطلب سياسة مغايرة تسعى الى تأسيس للشرعية لايجرؤ النظام العربي على انتهاجها خوفا من تداعياتها المستقبلية.
إن لسان حال النظام العربي بمبادرته هو: رجاء أعطونا كسرة من الخبز لنخدمكم بشكل أفضل.
لكن المشكلة انهم يخدمونهم بشكل جيد دونما الحاجة الى أية كسرة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه