الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الفرهود مرةً اُخرى

خليل الجنابي

2007 / 5 / 3
كتابات ساخرة


كان يقولها بألم وحسرة , من أن حظه العاثرالذي جاء به الى ( الدنيّه ) أيام

الفرهود الذي حصل في العراق عام 1948 , فما كان من اُمه التي لم تُنجب

لسنوات طويلة بعد زواجها من ابيه , إلا أن تُسميه ( فرهود ) , وذلك خوفاً

عليه من ( الحَسَد والعين ) ... اما اباه الذي كان معروفاً بالتقوى ومخافة الله ,

سُميَّ رغماً عنه ب ( أبو فرهود ) , وهو الآخر يخاف على ابنه الوحيد من

كل حاسدِِ حسود , وأطلق الناس على ( الدكان ) الذي يملكه ويعتاش عليه

هو وعائلته ب ( دكان أبو فرهود !! ) , لكنه لم يخطر على باله قط , بأن

يوصف في يوم من الأيام ب ( الفرهده ) , لذا كان مع نفسه يخطط للتخلص

من هذه الكُنيّه .

وبعد ثورة 14 تموز 1958 , نصحه بعض الأقرباء والأصدقاء بأن الوقت

مناسب لأن يغير اسم ابنه , فحمل حاله وذهب الى دائرة النفوس في المدينة

مستصحباً معه ابنه وشهادة الميلاد ( والزنامة ) - عقد الزواج - وبمساعدة

العرضحالجي - كاتب العرائض - قدم طلباً لتغيير إسم ابنه , فأحالوا أوراقه

الى المحكمة الخاصة التي تنظر في مثل هذه الامور , وواصل المتابعة متلهفاً

بأن يعود إسمه خالياً من كل ( لوله ) , وحين موعد المحاكمة سألوه عن الأسم

الجديد الذي يختاره لابنه , وهنا إحتار الرجُل , فمن ناحية يريد أن يغيره الى

اسم مناسب يتوافق مع مكانته الاجتماعية بين افراد عائلته وعشيرته واصدقائه ,

ومن ناحية اخرى لابد من أن يحافظ على إبنه من العين .

وبينما هو في حيرته , تبرع احد موظفي دائرة النفوس لمساعدته , وقال له عمي

القضية سهلة ( شنو تحب ان يكون ابنك من يكبر !؟ ) , قال له بصراحه اريد أن

يكون ( ضابط بالجيش ) , فقال له الموظف : بهذا الأسم راح ينحسد وتصير مشكلة

لأبنك , فوافق على هذه الافكار , وقال ( باصروني شنو أسميه !؟ ) , فإقترحوا عليه

تسميته ( عسكر ) , فوافق على هذا الأسم , حيث أنه سيُسمى بأبو عسكر ,

ودكانه سيطلق عليها ( دكان ابو عسكر ) , وهو ايضاً تيمناً ( بالعسكر ) الذين

اطاحوا بالنظام الملكي وحليفه الاقطاع الذي ظل جاثماً على صدور الفلاحين الذين

هربوا معه من الريف الى المدينة . وعند النطق من قبل المحكمة بالاسم الجديد ,

قالوا له , روح فرهود الْعَبْ ويّه جماعتك - عسكر وحراميّه .

وحين عودته الى داره وهو فرح , إستعان بمن يعرف القراءة والكتابة من جيرانه

لأنه كان اُمياً , وقرأوا له ماكُتب في شهادة الميلاد الجديدة ( الاسم : عسكر - فرهود

سابقاً ) . وعندما سمع كلمة ( فرهود سابقاً ) , اُصيب بالدوار والغثيان وأخذ يُرعد

ويزبد , وذهب في اليوم التالي الى المحكمة للشكوى والاحتجاج , فقالوا له هذا هو

القانون ولازم ينذكر الأسم القديم الى جانب الأسم الجديد . وعاد من حيث أتى

بخُفي حُنين , واسمه ( أبو فرهود سابقاً ) , ظل يلازمه الى أن مات رحمه الله .

أما ( فرهود ) الأبن , فبعد وفاة والده لم يستطع الحفاظ على ( الدكان ) الذي ورثه ,

فحاول بيعه الى شخص لكنه اشترط عليه ان يكون عقد البيع خالياً من كلمة ( فرهود

سابقاً ) , ورغم مراجعاته هنا وهناك , إلا أنه لم يفلح بمساعيه مما إضطره الى غلقه

وأن يتحمل الخسارة بنفسه , نادباً حظه التعيس وتاريخ ميلاده الذي تصادف مع ايام

( الفرهود ) .

دخل ( عسكر ) الجيش تلبية لرغبة أبيه الذي طالما تمنى له ذلك , وتدرج الى رُتبة

عريف , وتزوج ورزق بولد سماه ( زعلان ) , وذلك لأن والده رحمه الله كان

زعلاناً على حظه , وقبل أن يموت اوصاه بهذا الأسم . وكما يقول عسكر

حلّت عليّه ( طركاعه ) ثانية , وإسمه أصبح ذات تندُر ( عسكر - فرهود سابقاً

وأبو زعلان ) , لكنه كان قنوعاً بقسمة الأسماء , وإستمر في عمله بالجيش ,

وحدثت الحرب العراقية الايرانية المشؤومة , والتي إمتدت الى ثمان سنوات عِجاف ,

وقصف الجيش العراقي في بداية الأمر القرى والمدن الايرانية الحدودية , وغزاها

وإحتلها , وكأي جيش مُحتل عاث في الأرض الفساد , ونهب ممتلكات سكانها , وكان

قسم كبير من أفراد الجيش حين يعودون الى أهاليهم في الإجازات , يأتون محملين

بما سرقوه , وحتى القتلى من الجانبين لم يسلموا من النهب , فأخذوا منهم حتى

احذيتهم ونقودهم وساعاتهم وحلقات الزواج أو الخطوبة .

أما ( عسكر ) فكان يأتي خالي اليدَين , وحين يقول له الأصدقاء ( ها ولك عسكر

أشو إيدك فارغه ) , فكان يرد عليهم ( آني إسمي عسكر وليس فرهود لا سابقاً

ولا لاحقاً ) , رغم أن الضابط المسؤول عنه كان يقول له ( هذا يومك فرهود , روح

فرهد , وآني وياك ففتي ففتي ) , لكن عسكر لم يفهم قصد سيده , فقال له ( بروح

أبوك سيدي شلون يعني !؟ ) , فقال له الضابط ( يعني قسمة حق , نص إلك ونص

اليّه ) , فأجابه ( عسكر ) مُداعباً ( سيدي آني أخاف الله وما أبوك , لكن إذا بُكت

خروف شلون أجسمه وياك بالطول لو بالعرض !؟

وأثناء الحرب المريرة حاول ( عسكر ) مرات عديدة الأنتقال الى الوحدات العسكرية

داخل العراق , لكنه لم يفلح لأسباب عديدة , منها عدم امكانيته دفع ( الرشوة ) التي

تكسر الظهر !! , وانه لم يكن ( بعثياً ) , لذا كان شاهداً أميناً على فضاعة الحرب

ومآسيها المروعة .

وهكذا كُتبت له النجاة لأن يُشاهد باُم عينيه ( الفرهود الكبير ) الذي حدث أثناء إحتلال

الكويت الشقيق , شئ لا يوصف , مئات الشاحنات كانت تعبر يومياً الحدود الكويتية

العراقية , مُحملة بالمسروقات من البيوت والمحلات التجارية والمؤسسات والبنوك

والمستشفيات , ونهبوا مُعدات لا يعرفون طريقة إستخدامها , سرقوا آلاف السيارات

الجديدة والمستعملة , سرقوا العوائل وما تملك من خزينها من الذهب , أحرقوا آبار

النفط , ولوثوا مياه البحر , وقتلوا الثروة السمكية , وإعتدوا على الأعراض !! .

كل هذا وأكثر حدث في هذا البلد الصغير الآمن المسكين ... ومع شديد الأسف فإن

الذي حدث قام به ( الجيش العراقي ) , ذو التأريخ الناصع الشريف , الذي فجر ثورة 14

تموز , ووقف مع الشعب في كل انتفاضاته , ورغم هذا فهناك الألاف من أبناء الجيش

الغيارى من ضباط وضباط صف وجنود , وعلى غِرار ( عسكر النظيف ) , لم تمتد

أياديهم الى ( المال الحرام !! ) , وستبقى هذه نياشين شرف يحملونها على أكتافهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?