الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إتجاه الإنفجار المرتقب

علي جرادات

2007 / 5 / 4
القضية الفلسطينية



شهدت التحولات الفلسطينية ما قبل إنتفاضة أيلول 2000، وما بعدها تعاظما في تفكك اللحمة السياسية والمجتمعية الداخلية جنبا إلى جنب مع تفشي الفساد والفلتان الأمني والفوضى وتنامي العائلية والجهوية والبطالة والفقر وصولا إلى الإحتراب الداخلي الذي حصد مئات الضحايا والجرحى والمخطوفين، ضاعف هذا المنحى تداخله مع السياسة الاحتلالية التي تستبيح كل ما هو فلسطيني، وتنفلت مِن عقالها بدءاً مِن وضع اليد على الأغوار، وصولاً إلى استكمال الجدار النهبي التوسعي وتهويد القدس وسلخها بما يصادر أكثر مِن نصف الضفة وتمزيقها إلى معازل جائعة مفصولة عن غزة المطوقة بغية ضرب السوق الفلسطينية ووحدة الكيانية السياسية في الأراضي المحتلة عام 1967، ناهيكم عن مسلسل الإجتياحات والتوغلات العسكرية التي تؤدي إلى ما لا ينتهي مِن القتل والإغتيال والجرح والإعتقال والتدمير. هذا دون الحديث عن النتائج الكارثية التي أفضى إليها فرض الحصار الاقتصادي الأمريكي الإسرائيلي الظالم بغية الضغط على الشريان الفلسطيني المتعب وإبتزازه ومحاولة تطويعه للإشتراطات الإسرائيلية.
وعليه، فإن النضال الوطني الفلسطيني يعيش مأزقاً متعدد الأبعاد يكاد يهدم منجزاته ويحوله لنضال معاق راهن لحظته أسوأ مِن لحظة الأمس، وينذر بتوسع الفجوة بين أولويات تجمعات الشعب الفلسطيني وألوان طيفه السياسي.
إن إتجاه الضربة للمخطط الأمريكي الإسرائيلي في قادم الأعوام هو فضلا عن إسقاط راية المقاومة ينصب على محاولة شطب حق العودة للاجئين. فمرونة "اتفاق مكة" التي هدفت إلى إختراق جدران العزلة السياسية والحصار الاقتصادي الظالم، لم تفضِ إلى نجاحات جدية حتى الآن، حيث رأت فيها واشنطن وتل أبيب فرصة لتشديد الضغوط ومحاولات التطويع في طريق الإستجابة لمخططاتها التي لا يقوى فلسطيني مهما كانت درجة واقعيته على القبول بها. ويشجع السياسة الأمريكية الإسرائيلية على التمادي في ضغوطها وإبتزازاتها عجز الحاضن الرسمي العربي عن تفعيل طاقته في إسناد العامل الوطني الفلسطيني، ويزيد الطين بلة تردد الدور الأوروبي في شق سياسة مستقلة خارج الإرادة الأمريكية التي تلحظ همهمات عربية وأوروبية لكنها سرعان ما تتلاشى، ولا تتجاوز نقد الوسائل والأساليب، ولا ترتقي لمخاصمة جوهر السياسة الأمريكية ومواقفها المنحازة بسفور للسياسة الإسرائيلية ومواقفها.
لكن تخطيء القيادتان الإسرائيلية والأمريكية في الظن أن ضغط الشعب الفلسطيني إلى هذه الدرجة سيقود إلى المسار الذي ترغبان به، وأنه لا ينطوي على المسار النقيض، وأن المناخات التيئيسية التي تُضخ في الوعي الفلسطيني، هي عاجزة عن المساس بجوهر الهوية الوطنية التحررية وأهدافها العادلة، يغذي هذا الجوهر تراكمات المسيرة النضالية وجمرات التضحية التي لا تنطفيء. والأهم، فإن هذه المناخات يمكن أن تؤدي إلى إشتعال التيارات الشعبية العريضة التي يتم وضعها فيما يشبه "طنجرة الضغط"، يذكِّر بما عاشه الشعب الفلسطيني مِن ضغط عشية إنفجار إنتفاضة أيلول 2000، بل هو أقسى وأوسع وأشد شراسة.
إن ست سنوات ويزيد مِن الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري، بما تخللها مِن معانيات وتضحيات وخسائر باهظة، لم تفضِ في التحليل الأخير إلى رفع الرايات البيضاء، بل يتراءى لي أنها زادت الوعي الوطني عمقا، وأكدت زيف (رؤية) بوش ووعوده حول (دولة فلسطينية قابلة للحياة)، هذه الرؤية التي يجري تسويقها بدأب ومثابرة على نطاق واسع، لكن شعبنا يلمس يوميا وعلى جلده أن هذه الوعود لا تعدو كونها خدعة كبيرة، فعلى مدار سنوات يسمع الشعب الفلسطيني قعقعة ولا يرى طحينا.
ومع زيادة القسوة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هذه الأيام عما كان عليه الحال قبل إنتفاضة أيلول 2000، تكون الحالة الفلسطينية حبلى بكل عوامل التفجير بعد أن صلبها المخطط الإسرائيلي فضلا عن الوضع الداخلي المأزوم في وضعية تكاد تكون أشبه بمرجل يغلي وينطوي على كل الإحتمالات، وإن كان (مع شديد الأسف) يجري تنفيسه (كإتجاه عام) حتى الآن في حالة عنف وفلتان داخلي، الأمر الذي يحتاج إلى مبادرات طلائعية، مبادرات مِن كل طراز، ومِن كل الأطراف، وعلى كافة المستويات، لتدعيم صمود شعبنا، مبادرات تأتي رداً على ما يجري مِن مظاهر إنحطاط ونكوص تجلت مؤخرا برغم تشكيل حكومة الإئتلاف الوطني في مظاهر التعدي على المؤسسات الثقافية والتراثية ومقاهي الإنترنت فضلا عن استمرار عمليات القتل والخطف والنصب والإحتيال والسرقة.
ما أسلفنا وسواه في توصيف الحالة الفلسطينية بقدر ما ينطوى على تأجيج التناقضات الداخلية وتوسيعها إلى مدايات أبعد وأخطر، ينطوي أيضا على إنفجار هذه التناقضات في وجه الاحتلال سبب الداء وسره الأول. ولعل هذا أحد العوامل بجانب عوامل أخرى تجعل القيادة الإسرائيلية تتريث في شن حملة عسكرية واسعة على قطاع غزة، والإكتفاء بعمليات محدودة تترافق مع ما يجري مِن إجتياحات في الضفة عموماً، وفي شمالها تحديداً، فالقيادة الإسرائيلية ما زالت تراهن على إحتمالات إستنزاف الحالة الفلسطينية وضربها مِن داخلها.
السياسة جبر وليس حساباً، وتنطوي على المجهول دوماً، وهذا ما يسمح بالقول أن الحالة الفلسطينية، وتناقضاتها الموضوعية مفتوحة على كل الإحتمالات، لكن الأدق هو القول إن السياسة فن وعلم أيضا، وبالتالي فإن وجهة مستقبل راهن الحالة الفلسطينية على المديين القريب والبعيد يتوقف بصورة أساسية على كيفية تفاعل مجمل القوى الفلسطينية السياسية والمجتمعية المُنظَّمة، ومناهج معالجتها للتناقضات والأوجاع الداخلية. وهذا ما يفرض ضرورة عدم التوقف عند نقطة تشكيل الحكومة الإئتلافية التي ما زالت تتخللها وتحيط بها جملة مِن التناقضات تعيق تقدمها صوب الهدف الذي جاءت مِن أجله، ويفرض ضرورة الإسراع في التوصل إلى ما هو أوسع في رقعة الاتفاق الوطني، وهذا لن يكون ممكنا دون أن تتوفر مرجعية سياسية جماعية للسلطة الفلسطينية بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة وممثل شرعي وحيد لشعبنا في الوطن والشتات، فضلا عن ضرورة إزالة كل العوائق مِن طريق إحتكام السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لمرجعية قانونية واضحة، وإعادة هيكلة الموازنة بما يعطي أولوية لمعضلة الفقر والبطالة. بهذا فقط يمكن إنتشال عربة شعبنا مِن وهدة ما يعانيه مِن ضغوطات وأوجاع قابلة للإنفجار في كل إتجاه بهذا القدر أو ذاك، ودون ذلك ليس ثمة ضمانات أن لا تتسع رقعة الفلتان والفوضى والتخريب الداخلي. فبقاء الحال على ما هو عليه، ومِن دون تدخل عامل الوعي الوطني الذاتي المثابر والمسؤول والحريص، ينذر بمخاطر ربما نستطيع تلمس القائم منها، ولكن لا يستطيع أحد تقدير عواقب مستقبلها. إذ صحيح أن الثقة بقدرة شعبنا على تجاوز مصاعبه راسخة، ولن تتزعزع، غير أن تنامي مظاهر العبث والتخريب الداخلي، بل وولادة أشكال غير مسبوقة منها، تجعل المرء يضع يده على قلبه، ويبدو فعلاً أن النار تأكل بعضها بعضا إن هي لم تجد ما تأكله، هذا ناهيكم عن ما تقوم به أجهزة الاحتلال بكل مسمياتها، وعلى كل المستويات مِن تغذية مخطَّطة مباشرة وغير مباشرة لتأجيج هذه النار، ودفعها صوب الحطب الداخلي الفلسطيني كي تأكله، هذا هو هدف استمرار حجز الأموال الفلسطينية، ومواصلة وضع العراقيل في وجه النجاح الفلسطيني في فك الحصار الظالم، وتصعيد الجرائم العسكرية، والعمل على محاولات إفساد العلاقة الفلسطينية مع الأطراف العربية عبر مطالبتها بشطب حق العودة و"التطبيع أولا" والتنازل عن شرط الإنسحاب إلى حدود الرابع مِن حزيران.
شعبنا مضغوط ويغلي، وتعتريه أزمة طاحنة، وعلى كيفية تعامل الكل الوطني مع الأزمة ومعالجتها يتوقف الكثير في تحديد إتجاه إنفجارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه