الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منطلقات و أهداف الخط البروليتاري

و. السرغيني

2007 / 5 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



سبق و أن تقدمنا بالعديد من مقالاتنا و ردودنا التوضيحية و النقدية في ما يخص كافة الأطروحات و وجهات النظر المدعية الانطلاق من المرجعية الماركسية اللينينية و الدفاع عن مشروع الطبقة العاملة التحرري الاشتراكي.
و بعد إعلان مبادئ، الذي قدمنا خلاله تصورنا و فهمنا للماركسية اللينينية كهوية و مرجعية، و الاشتراكية كهدف ثوري عملي، عملنا على بسط تقييمنا النقدي لمجموع المرجعيات و الخطوط السياسية التي انبنت عليها تجربة الحملم و بشكل خاص تجربة "منظمة أ".. تبين أن مشروع التواصل و التجميع بين مختلف مكونات الحملم في شكلها الجديد، ما زال بعيد المدى، و ما زال يكتسيه الغموض و تقف في وجهه العديد من العقبات و العراقيل التي يجب التغلب عليها.
و من هذا المنطلق وددنا الرجوع مرة أخرى للشرح و للمزيد من الشرح لوجهة نظرنا حتى لا نساهم في بث أي نوع من التضبيب أو التغييم.. خاصة و أن الظرفية التي نعيشها كفصائل و كمجموعات و حساسيات ثورية، عاملة و منشطة للحملم تقتضي درجة عالية من النضج و من التفاعل الايجابي مع مختلف المبادرات الجدية.. مع الفضح الدائم و المستمر لكل عوامل العرقلة و التفجير، المعيقة لمسار التجميع لكل المناضلين الماركسيين الثوريين، خدمة للمهام الكبرى، مهام المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، الشرط الذي لا بد منه للقضاء على نظام الاستغلال و الاستبداد القائم في المغرب، و الاستيلاء على السلطة السياسية في شكل سلطة المجالس الشعبية في المدن و الأرياف تحت السلطة المركزية للطبقة العاملة المنظمة في مجالسها الديمقراطية و ميليشياتها المسلحة و تحت القيادة السياسية لحزبها الشيوعي الماركسي اللينيني.

اشتراكيون، شيوعيون و ماركسيون لينينيون
ـ أنصار الخط البروليتاري ـ
فدرءا للخلط و تفاديا لأي لبس يمكنه أن يحصل إذا لم نأخذ المسافة اللازمة عن جميع التيارات المنتسبة لهاته العائلة أو تلك.. اعتمدنا و نعتمد منهجية ماركس و إنجلز ـ المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية ـ الذين و بجرأة تاريخية متميزة أسقطا، في التعريف بتيارهما، عنهما الصفات التي جلبت و تجلب الخلط و الارتباك حين يحتد الصراع داخل و بين الجماعات الإيديولوجية و السياسية التي ادعت و تستمر في الادعاء في دفاعها عن الطبقة العاملة و مشروعها الاشتراكي الثوري.
فلماذا التيار الماركسي اللينيني و ليس الاشتراكي أو الشيوعي فقط؟ لماذا التأكيد على الخط البروليتاري؟ و ما هي مميزات، إضافات و تصورات التيار؟
ذلك ما سنحاول الإجابة عنه، و بتركيز، من خلال هذه الأرضية.
فالاشتراكيون كما يعلم جميع المناضلين، شكلوا حركة فكرية و سياسية سابقة على عهد ماركس و إنجلز كمؤسسين للاشتراكية العلمية، و هي الحركة التي تبنت ما سمي في عهدها "بالاشتراكية الطوباوية"، أي الحالمة، التي و إن اعترفت بوحشية الاستغلال الذي مارسته و تمارسه البرجوازية و نظامها الرأسمالي في حق الطبقة العاملة، و بالبؤس الذي تنشره في أرجاء المجتمع و في وسط الكادحين.. فلم تتوصل للحلول الجذرية اللازمة للقضاء على أسبابه، لأنها لم تفهم ميكانيزم تركم الثروات و الرساميل في قبضة الأقلية البرجوازية، و لا صراع الطبقات الدائرة رحاه داخل المجتمع، و لا للدور التاريخي للطبقة العاملة في تحرير المضطهدين و المجتمع ككل.. و بالتالي لم تتوصل للحل الثوري الذي يمكنه أن يهدد الطبقة البرجوازية و حلفائها من المستحوذين و المستفردين بالثروات، فاكتفت بوصف البؤس داخل المجتمعات و بتقديم النصائح للبرجوازية، رأفة لحال البؤساء و المضطهدين.. ليس إلاٌ!
كذلك فالشيوعيون تيارات اختلفت مع و عن التيار الشيوعي الذي صادق على "البيان الشيوعي" بزعامة ماركس و إنجلز، بحيث، لم يكن الفوضويون الشيوعيون يتصورون المجتمع الشيوعي بدون مِلكية فردية، رغم اعتبارهم المِلكية على أنها سرقة و لصوصية.. و لم يكونوا في حاجة لدولة انتقالية ـ دكتاتورية البروليتاريا ـ و لا لأي نوع من السلطة لتأمين الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية و لحماية الثورة من أعدائها.
أما التيار الشيوعي الآخر، و البارز كذلك، فهو التيار المغامر أو المعروف "بالبلانكي" نسبة للثوري الفرنسي الأسطورة، أوغست بلانكي، الذي لم يُعر أي اهتمام للحزب و النقابة و صراع الطبقات بجميع مستوياته الفكرية، السياسية و الاقتصادية.. و لم يكلف نفسه عناء التساؤل عن من هي الطبقة الثورية من داخل الطبقات المضطهدة، التي يؤهلها وضعها لقيادة جيش الكادحين نحو التغيير التحرري و الاشتراكية.. بل كانت اهتمامات مناضلي التيار منصبة نحو الهندسة العسكرية للتخطيط بشكل منعزل عن البؤساء المعنيين بالثورة، للعمليات الباسلة قصد الاستيلاء و بشكل انقلابي على السلطة، خدمة للثورة و للمشروع الاشتراكي.
يعلم كذلك عموم المناضلين الشيوعيين، الصراعات التي عرفتها الحركة الشيوعية بعد موت لينين.. بداية بظهور التيار التروتسكي و الانشقاق الفاشل الذي نادى به لتأسيس "أمميته" المعزولة.. ثم ثانيا بعد موت ستالين و "اكتشاف" العديد من مكونات الحركة الشيوعية لانحراف القيادة السوفياتية و تواطئها مع برجوازية العديد من البلدان، التي ذبحت الشيوعيين ـ الآلاف و مئات الآلاف في بعض البلدان ـ ذبح النعاج.. بل و مع الإمبريالية صراحة في إطار اتفاقيات مناطق النفوذ ـ يالطا و بوطسدام.. ـ
من هنا تجدد الكلام عن الماركسيين اللينينيين رغم أن اللقب سبق التفوه به منذ أن تقدم لينين بأطروحته التنظيمية، التي هاجمتها جميع أطراف الحركة الماركسية آنذاك بمن فيها الأسماء القريبة من لينين ـ بليخانوف، كاوتسكي، تروتسكي و روزا ـ الذين اعتبروا خطة لينين ـ ما العمل؟ بسابقاتها و ملحقاتها: رسالة إلى رفيق، خطوتان، بم نبدأ؟.. ـ نوعا من البلانكية، و التعويض عن الطبقة بالحزب، و عن الحزب الجماهيري بالتنظيم التآمري..الخ و عرٌفوا بالتالي أنصار الخطة باللينينيين.
فالتجديد و التحيين لهذا الاسم سنوات الستينات و السبعينات فرضته شروط و ظروف معروفة لدى جميع الشيوعيين الذين تنازعتهم القيادتين السوفياتية و الصينية ـ انفجار المؤتمر العشرين سنة 56 ـ و التي أفرزت أحزابا و منظمات جديدة غيرت ولائها و تخلت عن لقبها ـ "الشيوعي" لغالبية الأحزاب العمالية ـ لتتميز عن المنظمة أو الحزب الأم.
فقفزت على السطح تيارات جديدة، بعضها تروتسكي أعياه اليأس من "أممية تروتسكي الرابعة" و من تنبؤاتها التي لم تحصل، و من انشقاقاتها التي لا تتوقف.. ليستنجد ثانية باليافطة الماركسية اللينينية.. و البعض الآخر يتوزع ما بين الماوية و الغيفارية و الماركسية اللينينية كأبرز التيارات.
فالتيار الماوي اجتهد و طور الأطروحة الستالينية المبنية على الانخراط في الجبهات الطبقية، و على مهمة تأسيسها قبل تأسيس الحزب ـ حرب التحرير، حزب العمال و الفلاحين، حزب الجماهير الكادحة.. ـ منظرا و مخططا لعملية الارتباط بالقوى الفلاحية المقاتلة، و التأسيس للجيش الأحمر الفلاحي في إطار و على درب القواعد الحمراء المتحركة و حرب الشعب الطويلة الأمد.. كقنطرة للتأسيس لحزب شيوعي، عمالي بأفكاره و فلاحي كقاعدة و انتماء و طموحات..! لتكتمل خطة أو إستراتيجية حصار المدن بالأرياف و إعلان الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية و سلطتها الطبقية المتنوعة ـ سلطة الطبقات الأربع فما فوق ـ كمرحلة سابقة عن المرحلة الاشتراكية.. مسقطين بهذا من جدول أعمالهم مهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل و كل الآليات القريبة منه، يعني منظمات الارتكاز.. و بالتالي كل التقنيات العمالية ـ الإضرابات، احتلال المعامل، لجان الإضراب المسلحة، الانتفاضة الشعبية المسلحة.. الخ ـ المسهلة لمهمة الاستيلاء على السلطة و بناء سلطة الطبقة العاملة ـ دكتاتورية البروليتاريا ـ
أما التيار الغيفاري، فهو وسطي يجمع ما بين الماوية و البلانكية، من حيث البعض من أفكارها و خططها العسكرية و التقنية.. يتبنى الاشتراكية و ثورتها بالاعتماد على جيش من المقاتلين المدربين و المشكلين في مجموعات غوارية تمارس حرب العصابات و تستقطب الكادحين في الأرياف لتُمني الجيوش النظامية و حلفائها الإمبرياليين بالهزائم العسكرية هنا و هناك.. إلى أن يتم الزحف النهائي و بتخطيط من القيادة العسكرية الثورية في الجبال، على المدن لاستلام السلطة و لإعلان الاشتراكية التي لن تحتاج من العمال و جماهير الكادحين بالمدن سوى التصفيق و المباركة.
بهذا نكون قد اقتربنا من توضيح الإضافة المنسوبة لتيارنا كماركسيين لينينيين ـ الخط البروليتاري ـ كأطروحة منتسبة و معتمدة على الطبقة العاملة، يعني كمرجعية فكرية و كتربة تنظيمية و كفضاء طبقي للتغيير ـ النقابات، التجمعات السكنية في المدن و الأرياف، المراكز المنجمية و الساحلية الخاصة بالصيد، الشبيبة التعليمية و المعطلة، المنحدرة من هذه الطبقة.. ـ الأطروحة المتشبثة بشكل أساسي و رئيسي بالآليات العمالية لحسم السلطة أي الإضرابات القطاعية و الإضراب العام.. ثم احتلال المعامل و الشوارع لإعلان العصيان الشعبي المسلح تحت قيادة العمال كطبقة و كطليعة منظمة في إطار الحزب الماركسي اللينيني المستقل عن جميع الطبقات المعارضة و الثورية الأخرى.

الخط البروليتاري و الاستمرارية الثورية لتجربة الحملم
لقد تشكلت الأنوية الماركسية اللينينية المغربية الأولى خلال النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، ليتشكل بعدها التيار الطلابي و التلاميذي، الماركسي اللينيني، و لتتأسس فيما بعد، أي خلال سنة 1970 المنظمتين "أ" و "ب" قبل أن تتحول لمنظمة "إلى الأمام" و منظمة "23 مارس"، هذه الأخيرة التي انشقت عن نفسها نهاية 1972 و أفرزت بالتالي منظمة ثالثة "لنخدم الشعب".
ثلاث منظمات ذات مرجعية قريبة من الماوية، أسست لحركة ثورية مناضلة، ساهمت بشكل كبير في نشر الفكر الاشتراكي و الماركسي داخل الثانويات و الجامعات.. و غرست ثقافة تنظيمية مبنية على المزاوجة بين العلنية و السرية، مربية بالتالي، أجيالا من الشيوعيين على التضحية و الانضباط و العطاء.. الشيء الذي ما زال تأثيره مستمرا لحد الآن، رغم اندحار و تلاشي جميع المنظمات و تصفيتها التي تمت إما عبر القمع و إما بشكل ذاتي أو بهما مجتمعين..!
لكن و كيفما كان الحال، فلا يمكن نكران آثار و تأثير التجربة، التي خلفت بصماتها البادية و المحفورة في الذاكرة و الأجساد.. و التي لن تنمحي، لا مع التقادم و لا مع تراجع مؤسسيها و المساهمين في استمراريتها بجميع الأشكال المتداولة في الساحة، الصادقة منها أو المدعية ـ سواء من خلال ادعاءات الحرس القديم أو نوستالجيا الأجيال الثورية الشابة ـ
فما يجمعنا مع التيارات الشيوعية المناضلة، في الساحة المغربية هو تعاطفنا النقدي و الكبير، مع تضحيات و عطاءات التجربة السبعينية و مع كفاحية تنظيماتها و تفاني مناضليها من خلال التجارب التنظيمية المختلفة الأشكال، كتجارب السرية ـ بناء التنظيمات السياسية بخلاياها و مجموعاتها الناشطة، بناء التنظيمات و الاتحادات القطاعية السرية، ذات التأثير الجماهيري من خلال تجربتي النقابة الوطنية للتلاميذ و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب داخل الحركتين التلاميذية و الطلابية ـ و تجارب النضال الجماهيري العلني من خلال الاتحادات و النقابات و الجمعيات و بشكل خاص تجربة المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
هاته التيارات التي نعتبرها، إضافة للحلقات و المجموعات و الفعاليات المتناثرة هنا و هناك في جميع ميادين الصراع الطبقي، استمرارا و تجديدا لدينامية الحركة الماركسية تحت تصورات و إضافات نوعية و متنوعة.. تذهب من شبه القطيعة إلى التقديس الطهراني، مرورا بخط التقييم النقدي التقويمي، و هو ما نتبناه كاستمرار للخط الثوري البروليتاري الذي عايش التجربة منذ بناءاتها الأولى و الذي لم تتضح ملامحه و سمات نضجه إلا بعد سنوات من الصراع الفكري و السياسي محليا و أمميا.

نقط الخلاف و الصراع ضد التيارات الأخرى

- الاستقلال التنظيمي للطبقة العاملة في حزب سياسي ماركسي لينيني
فليست بالجديدة تلك الصيحات المراجعاتية التي تطالب الآن بتطوير الماركسية، فعلى عهد لينين بل و قبلها، أي خلال الأيام الأخيرة من حياة إنجلز، طالب العديد من الاشتراكيين الأمميين بالتعديل في مفاهيم و تعاليم الماركسية تحت دعاوي أنها شاخت في العديد من جوانبها!
و مع ذلك ظل لينين وفيا لضرورة قيام حزب اشتراكي ثوري و صلب، و دافع باستماتة عن وحدة النظرية الاشتراكية التي يجب أن تكون سندا و مرجعية لجميع مناضلي الحركة العمالية الثوريين.. و دون أن يحجرها، طالب رفاقه بتطبيقها في جميع مناحي حياتهم السياسية و التنظيمية مع تسطيره على أن الصلابة و الوحدة النظرية "لا تعني البتة أننا أعداء لكل نقد"
ذلك المبدأ الثابت الذي لم يتنازل عنه قط، ألا و هو مبدأ الاستقلالية الطبقية للبروليتاريا في حزب سياسي ينظمها و يدافع عن مشروعها و تصورها، حيث قال "ينبغي على الاشتراكي ـ الديمقراطي ألا ينسى أبدا، في أي حال من الأحوال، حتمية النضال الطبقي الذي تخوضه البروليتاريا في سبيل الاشتراكية و ضد البرجوازية و البرجوازية الصغيرة، مهما كانت عليه من نزعة ديمقراطية و جمهورية. ذلك أمر لا يقبل الجدل. و لذا كان من الضروري حتما وجود حزب اشتراكي ـ ديمقراطي متميز و مستقل مشبع بالروح الطبقية الصرف" خطتان.
و لعل أن المثير في الأمر هو أن تصدر هذه المواقف عن لينين، في الوقت نفسه الذي بلور فيه تصوره الذي دافع خلاله عن برنامج الحد الأدنى. و إننا لنعتبره درسا في الديالكتيك و التاكتيك، و بشكل خاص للذين أحيووا التاكتيك و حنطوه بعد أن أعدموا التاكتيكات الأخرى التي لا تناسب مقاسات أدمغتهم الكسلانة و لا تشبع تطلعاتهم الطبقية المتنوعة، الهلامية، الشعبية.. نصيرة "عموم الكادحين"!
فبدون توضيح من الماركسيين لمختلف التناقضات الموجودة في قبل "الشعب" نكون بعيدين عن التحليل الماركسي الطبقي الذي ناهض و لعشرات السنين إخفاء التناحرات الطبقية في قلب الشعب و الادعاء الأخرق عن "وحدة الشعب" الذي لا يمكنه أن ينقسم إلى طبقات!
فالماركسية و منذ التنظيمات الشيوعية الأولى، نادت بالاستقلال الطبقي و التام للبروليتاريا في حزب سياسي، لكن هذا الاستقلال أوضحته بما فيه الكفاية و شرحته بكل تدقيق، على ألاٌ يعني الانعزال و الانطواء و الانصراف عن دعم النضالات الطبقية الأخرى.. بل هو استقلال و شرط ضروري لاكتساب الطليعية و القيادة لمختلف الطبقات الكادحة و المقهورة.. فبدونه لن تكسب الطبقة العاملة هذه القيادة و هذه الطليعية لمجرى الكفاح في سبيل جميع قضايا "الشعب" و من أجل هذا "الشعب" بكل محروميه و مضطهديه.
فثورتنا ثورة الشعب الكادح عن بكرة أبيه، و مع ذلك فارتباطنا يجب أن يكون أشد الارتباط بالطبقة الأكثر تقدما و ثورية، الطبقة الثورية إلى النهاية. مهمتنا، بالتالي، إنارة الطريق للعمال لكي يضطلعوا بدورهم التاريخي و القيادي خلال كافة مراحل الثورة.

- حزب عمالي أم جبهة طبقية أم كومندوهات الثوار؟
لقد سخر لينين لمرات عديدة من حفظة الصيغ عن ظهر قبل، منبها من آفة تحويل الماركسية إلى قوالب جامدة و بالتالي إلى كاريكاتور و مستشهدا في نفس الوقت بسخرية ماركس و إنجلز من رفاق الطريق، مذكرا بتوجيهات إنجلز التاريخية التي أعادت للماركسية اعتبارها على أنها ليست سوى مرشد عمل و منهج للتحليل و ليست بالتالي عقيدة جامدة.
فما بالنا الآن و نحن نصارع التيارات الشعبوية و العفوية بمختلف مدارسها و تلاوينها.. و التي تعاند و تشاكس ليس من خلال التشبث الدغمائي بتصورات ماركس / إنجلز و لينين.. بل بالرجوع للخطابات الشعبوية الفلاحية، المنمقة بشيء من الفوضوية و اليسراوية الطفولية.. التي سبق و أن عارضها لينين بقوة على طول و عرض تجربته القيمة.
و من بين الخطابات البارزة، التنظيرات الستالينية لما بعد وفاة لينين، التنظيرات الداعية للذوبان الطبقي داخل الجبهات و المؤدية إلى فقدان استقلالية الطبقة العاملة و إلى تأجيل الدعاية لمشروعها مع تعطيل العمل على نشر أفكارها.. في آخر المطاف.
فلا ننكر ما علمتنا إياه الماركسية في ما يخص، الأخذ بعين الاعتبار، وعي الطبقات الكادحة بضرورة التغيير، النسبة بين الطبقات داخل المجتمع ككل و بين الطبقات الكادحة نفسها، و الخصائص الملموسة لكل تجربة مجتمعية بما فيها تجربة الطبقة العاملة داخل كل مجالات الصراع الطبقي، و بمميزات كل طور من أطوار التاريخ مما عاشه الكادحون و من واقعهم المعيش و من تطلعاتهم المستقبلية.. فعلى هذا انبنى و ينبني أساس التحليل و كذلك التاكتيك، التاكتيك الغير منفصل، و تحت أية حجة أو ذريعة، عن المنطلقات و الثوابت المبدئية النظرية و عن الأهداف الثورية الاشتراكية كأهداف إستراتيجية طبقية خاصة بالبروليتاريا و في مصلحة الجماهير الشعبية الكادحة عامة.
من هنا تشكك غالبية التيارات الشعبوية و المغامرة في أهلية الطبقة العاملة لقيادة الثورة بل للاشتراك فيها حتى!.. تحت دعاوي كثيرة، منها من يعتمد على النسبة العددية للعمال داخل جمهور الكادحين مقدما أرقاما مغالية لعدد الفلاحين 70 إلى 90%!! و منها من يعتمد هشاشة الطبقة العاملة المغربية، كذريعة، و هامشية نمط الإنتاج الرأسمالي مدعيا سيادة و هيمنة الإقطاع أو بقاياه أو ما شابهه! و بالتالي وجب الرجوع لشعارات 1905 اللينينية: "الجمهورية الديمقراطية" و "الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين" أي ما اصطلح عليه "بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" كشعار أو كبرنامج.. برنامج الحد الأدنى الطبقي الذي صاغه التيار البروليتاري اللينيني البلشفي، ضدا على الشعار الطبقوي التروتسكي "حكومة عمالية خالصة" و على الشعارات الانهزامية المنشفية" ثورة ديمقراطية برجوازية" لن تكون سوى من صنع و من صلب مهام الطبقة البرجوازية.. أما مهام البروليتاريا فهي اشتراكية مؤجلة إلى حين!
هناك كذلك، و إن كان الخطاب الذي سنذكر به خطابا ليس له تأثير يذكر، إلا أنه يبقى موجودا مع ذلك، خطاب المغامرة الفاقد للثقة بشكل نهائي في مبادرات و قوة الجماهير الكادحة، و في الآليات التنظيمية الماركسية اللينينية و العمالية ـ الحزب، النقابة، الاتحادات الجماهيرية.. ـ و المعتمد على الكفاح المسلح و البندقية المحمولة على أكتاف الطلائع الثورية المحترفة و ليس على أكتاف الطبقات ذات المصلحة المباشرة في التغيير في إطار التصور اللينيني عبر الإضرابات العمالية و المظاهرات الشعبية ثم العصيان الجماهيري المسلح.. كانتفاضة شعبية للقضاء على النظام و بناء السلطة الديمقراطية البديلة، سلطة المجالس الشعبية في المدن و الأرياف بقيادة المجالس العمالية و لجان و ميلشيات المعامل و تحت القيادة و التوجيه من طرف الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني حزب الطبقة العاملة.
و جدير بالقول أن نذكر أن كلا التيارين الشعبوي و المغامراتي، إضافة للتيار الاقتصادوي العفوي التروتسكي.. سبق و أن تم انتقادها بقوة من طرف لينين أواخر القرن 19 من خلال العديد من مقالاته و كتاباته.. و حين ننتقد نحن الماركسيون اللينينيون المغاربة هاته الأطروحات، فليس للتشكيك في نضالية دعاتها و متعاطفيها، بل دفاعا عن مرجعيتنا و تراثنا الماركسي اللينيني من جهة، و من جهة أخرى لكي لا تتسع مجالات الضبابية الفكرية.. و من أجل التحصين للقواعد العمالية و أبناء الجماهير الشعبية الكادحة من المتعلمين و المثقفين الثوريين.. حتى لا تتم محاصرة الفكر الماركسي اللينيني داخل المعنيين حقيقة و مباشرة بهذا الفكر و بمشروعه المجتمعي الاشتراكي.
فمن خلال نقط، تحديد شروط الثورة، و قواها، و شكل مشاركتها خلال الثورة، و موقع الطبقة العاملة و حزبها السياسي المستقل، داخل هذه القوى، و تقنيات و أشكال الحسم النهائي للسلطة.. تتسع المسافة أو تضيق بيننا كتيار بروليتاري ماركسي لينيني و بين مختلف التيارات الثورية و الشيوعية الأخرى.
فعملا بتوجيه إنجلز الذي شدد في تقديمه لكتاب ماركس "الصراع الطبقي في فرنسا" على دور الجماهير الحاسم كجماهير عمالية واعية و مدركة لما تقوم به من أعمال ثورية بطولية و منظمة "فقد ولى زمن الهجمات المفاجئة، و زمن الثورات التي تقوم بها أقلية واعية ضئيلة لتترأس الجماهير الغير الواعية. و حيث يكون المقصود تحويل النظام الاجتماعي تحويلا تاما، ينبغي على الجماهير بالذات أن تشترك في هذا، ينبغي عليها بالذات أن تدرك الهدف الذي يدور النضال من أجله، الهدف الذي تهرق دمائها و تضحي بحياتها من أجله"
سنجتهد كما اجتهد سابقونا الماركسيين في تطوير الوعي الاشتراكي داخل الجماهير العمالية و حلفائها من الكادحين و أبناء الكادحين.. و على نشر ثقافة التنظيم وسطها و الاستعداد كل الاستعداد للحظة الثورية.

- دفاعا عن خط الانتفاضة البروليتاري، دفاعا عن دكتاتورية البروليتاريا
و بنفس التوجيه و الاجتهادات اللينينية المبنية على الخبرة الثورية الروسية و على ما راكمته الحركة العمالية في سائر البلدان الرأسمالية.. سنبقى مخلصين لما تقدم به الرفيق لينين كشروط ضرورية لنجاح الانتفاضة، دحضا للأطروحة البلانكية ـ بالرغم من كونه الأكثر المنعوتين بالبلانكية ـ
1. ألا تعتمد الانتفاضة على مؤامرة أو على حزب، بل على الطبقة الطليعية.
2. أن تعتمد الانتفاضة على النهوض الثوري عند الشعب.
3. أن تعتمد على انعطاف حاسم في تاريخ الثورة الصاعدة، حين يبلغ نشاط الصفوف المتقدمة من الشعب ذروته، حين تبلغ الترددات في صفوف الأعداء و في صفوف أصدقاء الثورة الضعفاء الحائرين، غير الحازمين أشدها.
ففي قناعتنا و تصورنا، الاشتراكية مستحيلة بدون استيلاء و سيطرة الطبقة العاملة على السلطة، كما أن الاشتراكية في التعريف العلمي الماركسي اللينيني هي مرحلة انتقالية، من الناحية الاقتصادية، ما بين الرأسمالية و الشيوعية، أي أنها ستضم أجزاءا من الرأسمالية و أخرى من الشيوعية.. و داخل الاشتراكية سيعيش المجتمع أطوارا متعاقبة، و مرتبطة بتطورات الحركة العمالية الثورية، محليا جهويا و أمميا.
إننا نناضل من أجل الاشتراكية و ننشر أفكارها وفق مذهب ماركس الذي نادى بدكتاتورية البروليتاريا كمدخل و كأساس لبناء الاشتراكية.
فالاشتراكية مستحيلة بدون سيطرة البروليتاريا على الدولة، و الدولة في قناعتنا مفهوما طبقيا مناقضا لجميع المفاهيم البرجوازية اللبرالية من قبيل "دولة الحق و القانون" و "الدولة اللاطبقية أو ما فوق الطبقات" المرهونة بشعارات "استقلال القضاء" و "التربية على حقوق الإنسان" في صفوف أجهزة القمع..الخ فهي الجهاز أو الآلة التي تمارس بواسطتها طبقة معينة العنف ضد طبقة أو طبقات أخرى.
و "طالما أن الدولة آلة تمارس البرجوازية بواسطتها العنف ضد البروليتاريا، فلا يمكن أن يكون شعار البروليتاريا إلا تحطيم هذه الدولة"
إذن، ففي تصورنا يجب تحطيم آلة الدولة البرجوازية لبناء دولة جديدة تسمى دكتاتورية البروليتاريا، و بالرغم من هذه الكلمة ـ الدكتاتورية ـ المرعبة و المنافية "للديمقراطية" و "اللبرالية" المبنية على قانون "الأغلبية".. حسب ادعاءات التيارات الرجعية و اللبرالية.. فمن جهتنا نعترف بأنه لكي تصبح الدولة بروليتارية، لا بد لها من أن تمارس مهامها كآلة لممارسة العنف ضد البرجوازية و ضد كل أنصار و جماعات الثورة المضادة، الداخلية و الإمبريالية.. و لا بد و أن تتشكل كدولة من طراز جديد، ديمقراطية مع حلفائها و دكتاتورية ضد أعدائها، دولة مبنية على المركزية و على السلطة الحازمة.
و بديهي جدا، خاصة بعد الخبرة و بعد التراكم العظيم الذي حققته الطبقة العاملة من خلال نضالاتها و ثوراتها الفاشلة و الناجحة، أن الثورة لا تنتهي باستيلاء البروليتاريا على السلطة.. بديهي جدا أن النضال سيستمر و أن البروليتاريا ستواصل نضالاتها حتى محو الطبقات. و من أجل محو الطبقات "لا يكفي إسقاط المستغلين الملاكين العقاريين و الرأسماليين، لا يكفي إلغاء مِلكيتهم، إنما ينبغي إلغاء كل مِلكية خاصة لوسائل الإنتاج، ينبغي إزالة الفرق بين المدينة و الريف كما ينبغي إزالة الفرق بين العمل اليدوي و العمل الفكري"

عن الثورة و النظام الاقتصادي و السياسي
القائم بالمغرب
بالرغم من صدق بعض المفاهيم الرائجة داخل ثقافة الحملم القديمة و الجديدة، فنعتقد، كتيار و كمناضلين ماركسيين لينينيين بأن الوقت قد حان لفتح النقاش و بشكل نقدي حولها، لمحدوديتها من جهة و للبلبلة الفكرية التي مازالت تنتجها.. من جهة أخرى.
فمن حيث المنهجية الماركسية، لا يمكن الكلام عن طبيعة الثورة، و عن برنامج و شعارات الثورة، و عن الطبقة أو الطبقات المعنية بالثورة، و عن الطبقة القائدة و الطليعية في مسلسل الثورة، و عن شكل مشاركة الطبقة القائدة من حيث الاستقلالية التنظيمية و الفكرية و السياسية..الخ قبل و دون الكلام عن طبيعة الاقتصاد و عن نمط الإنتاج السائد و عن طبيعة النظام السياسية و الاقتصادية..
موضوعات أساسية للنقاش لأنها مثار اختلافات و تمايزات في التقدير.. مع كل ما يتناسل بسبب هذا التمايز من مواقف متعددة وجب طرحها و توضيحها بدل الدفاع عنها بدون نقاش.. فإذا كنا نفتخر لكوننا التيار الوحيد الذي تعامل مع التجربة بروح نقدية دون أن يعلن القطيعة معها.. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال نكران تواجد العديد من الفعاليات التي ما زالت لم تجد مساحة أو فضاءا للتعبير عن نظرتها و مواقفها، الشيء الذي يتطلب إشراك جميع الماركسيين في هذا النقاش حتى تعم الاستفادة و تنجح بالتالي عملية التقويم..
كما لا يمكن كذلك إغفال محدودية الإمكانيات النظرية و الميدانية لدى مناضلي الحملم الجديدة، فغالبية المناضلين بمن فيهم القياديين تربوا في الساحة الطلابية وفق ثقافة تقسيم مناطق النفوذ! بما لها من ضرر خطير على القواعد و الزعماء، سواء بسواء.. فالزعيم يتربى على الإدمان على مخاطبة نفسه من خلال حلقات النقاش وفق قانون "لا تجادل و لا تناقش"، أما القواعد فمرغمة على الاستهلاك بدون نقاش تحت توجيه "أنصتوا رحمكم الله" و من لم ينصت فلن يرحمه لا الله و لا الساطور المنتصب فوق رأسه.. هذا و إذا أضفنا مستلزمات و تضحيات العمل الثوري الميداني و ما تتطلبه من جهد و وقت.. ستتبين محدودية الرفاق و إمكانياتهم من الناحيتين الكمية و النوعية.. بجلاء.
فعبر اجتهاداتنا و إمكانياتنا المتواضعة و المحدودة، و عبر مسار النقاش السياسي و البحث النظري و التجربة الميدانية لسنوات.. توصلنا و من خلال إعمال المنهجية الماركسية النقدية التي نتبناها إلى خلاصات جلبت لنا القطيعة و التحفظ من لدن العديد من مناضلي التيارات الثورية القائمة.. توصلنا إلى حقيقة مفادها سيادة و هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي ببلادنا، وفق المحددات الماركسية المعروفة ـ نظام سلعي مرتبط بالسوق، احتكار لوسائل الإنتاج، عمل مأجور ـ.
و بحكم الإجماع الحاصل حول التبعية البنيوية بين النظام الطبقي القائم و الرأسمال الإمبريالي، اقتنعنا بالتالي بأن المعركة، معركة واحدة متعددة الاتجاهات و المهام، معركة ضد شكل الحكم المَلكي من أجل الجمهورية، معركة ضد الرأسمال و البرجوازية و حلفائها من كبار المُلاك من أجل الاشتراكية، معركة ضد الإمبريالية و الصهيونية و كل أشكال العنصرية العِرقية و الظلامية الدينية.. من موقع أممي بروليتاري لأجل توسيع رقعة الاشتراكية.
فهل يستقيم التحليل، أمام هذه المعطيات، عند دعاة هيمنة نمط الإنتاج الإقطاعي أو شبهه أو بقاياه؟ هل يصمد الخطاب المجرد أمام عناد الواقع؟ فالكثير من الماركسيين و خاصة المتأثرين بكتابات ماو أو المطلعين على بعض كتابات لينين حول القيصرية.. يربطون و بشكل أوتوماتيكي و ميكانيكي بين المَلكية كشكل للحكم و بوجود الإقطاع كطبقة و كنظام اقتصادي و كعلاقات منظمة للمجتمع.. و كأن شيوعيي إسبانيا و بلجيكا و السويد و بريطانيا.. لم يجدوا من ينبههم لهذه المفارقة حتى يقبلوا باستنتاجات مناقضة لما فطن به و له بعض من الشيوعيين المغاربة.
في هذا الباب لن نضيف شيئا عما قاله و نبه به ماركس في تحليله و تعريفه لأنماط الإنتاج السابقة عن الرأسمالية التي ليست دائما و بالضرورة إقطاعية.. و لن نضيف شيئا سوى التشبث بمنهجية التحليل الملموس للواقع الملموس التي هدت ماركس لهذا الاستنتاج و لاستنتاجات مماثلة تكلمت عن التمايز الحاصل ما بين الرأسماليات المهيمنة في أوربا و اليابان.. إذ و على نفس الدرب و بنفس الخطى اتبع لينين خلاصات ماركس مكتفيا بالحلقة الضعيفة الروسية دون التنازل عن الخط الثوري الأممي كضمانة لنجاح جميع الثورات في روسيا أو في غيرها.. ليتكلم عن مسارات نضال الشعوب لإنجاز ثوراتها الديمقراطية البرجوازية مستنتجا تاكتيكه "الثورة الديمقراطية البرجوازية" بتوجيه من هذا الفهم و من هذه المنهجية التي ساعدته على القيادة السديدة لتيارات و أحزاب الأممية في معركتها ضد الإمبريالية و الاستعمار.. دون تعميم لتاكتيكه، و دون مطالبة المجتمعات "باحترام المراحل" وفق التصور الكلاسيكي المرتبط بتحليل واقع و مسار المجتمعات الأوربية.
من هذه المنطلقات و بفعل معطيات الواقع المغربي و الصراعات الطبقية الدائرة في قلب و رحم المجتمع.. اقتنعنا كوجهة نظر ماركسية و كتيار ماركسي لينيني بلشفي على أن مجمل قضايا "الثورة الوطنية الديمقراطية" العالقة لن تحلها سوى الطبقة العاملة و ثورتها الاشتراكية و سلطتها الديمقراطية الجديدة، دكتاتورية البروليتاريا.
اقتنعنا كل الاقتناع بأن أساس "الثورة الوطنية الديمقراطية" من تأسيس للجمهورية و من مصادرة لأملاك البرجوازية الكبيرة الكمبرادورية و الملاكين العقاريين الكبار، و من تأميم و من ثورة زراعية.. لن يهدف في بلادنا، إلى تقوية الرأسمالية و توسيع نشاطاتها، بل سيهدم أسسها في اتجاه بناء الأساسات الاشتراكية للمجتمع الاشتراكي.
فثورة الكادحين المغاربة لا تستهدف بأي شكل من الأشكال تحرير العبيد أو الأقنان و لا تحرير الأرض من الاستعمار.. بل تحرير العمل المأجور، في المدن و الأرياف، من الاستغلال.
فطبقات نظام الاستعباد و الاستبداد القائم بالمغرب طبقات برجوازية رأسمالية بكل المقاييس، تشتغل في الصناعة و التجارة و الفلاحة و الملاحة و المناجم و العقار و الأبناك و الخدمات..الخ أم الامتيازات التي تدرها عليها بعض الخصوصيات الدينية و القبلية و المَلكية كشكل للحكم.. فلا تمس من جوهرها الرأسمالي المبني على استغلال فائض القيمة و على تعميم نظام العمل المأجور، في شيء..
حقائق لن يكذبها إلا جاهل أو جاحد و لن يلوي عنقها سوى دغمائي مستنسخ.. حقائق لا تجد وسط الشباب و العمال و سائر الكادحين من يعارضها.. لأنها تمثل المعطيات الملموسة التي يعيشها الكادحون من خلال حياتهم اليومية.. حقائق في حاجة لمن يحولها إلى محفزات و وعي سياسي ثوري داخل الجماهير.. في حاجة لمن يحولها لقوة مادية عبر الفضح و التشهير و الرفض و العصيان و تنظيم الاحتجاج و نشر ثقافته على أوسع نطاق.. عبر الانخراط في الجمعيات و الاتحادات و النقابات المناضلة.
دون هذا لن نقترب من الثورة المنشودة و لن تتوفر لبنات الأداة الثورية الحاسمة، حزب الطبقة العاملة المستقل.. بل لن تعي الجماهير الكادحة و المحرومة حتى ضرورته التاريخية.. خاصة و أن الساحة الجماهيرية لا تحتمل الفراغ، فدعاة الشعوذة و الدجل، المسربلة بشتى الألوان و اللبوس اللبرالية و الظلامية.. لن ينتظروا انبعاث الحزب المنشود بل سيعملوا ما في وسعهم لخنق و إقبار أجنٌته، و لتكسير همم الكادحين و لإطفاء حمم الثورات و التٌمرد، عبر أساليبهم المعروفة و المعهودة.. للدفع بهم للاختيار بين جنة عدن و جنة "العالم الحر".

الاشتراكية أو الثورة التي نريد
شعار أو مبدأ لا يمكن لأي شيوعي أن يتنكر له، فقط هناك من الشيوعيين من يرجئه إلى أمد بعيد، بعد اقتناعهم بحتمية المراحل و بسياساتها.. و منهم من بقي مخلصا للتحليل و للموقف اللينيني الناتج عنه، الذي اعتبر عصر الإمبريالية بمثابة عشية الثورة الاشتراكية التي وجب على الحركة العمالية التحضير لها.
فالثوريون و الإصلاحيون المغاربة على السواء يؤمنون أعمق الإيمان بضرورة المرحلة الديمقراطية البرجوازية التي لا بد للمجتمع المغربي من اجتيازها.. من خلال سيمفونية "العزلة الطبقية" و "موازين القوى" و "نضج الشروط"..الخ
فإذا كان من السهل فهم الخطاب الإصلاحي الانتهازي الذي يلتجأ في غالب خطاباته إلى التبريرية الفاضحة.. فمن الصعوبة إقناع العديد من الشباب الثوري الذي تربى في الميدان النضالي على التضحية و التفاني من أجل ثورة تستهدف النظام الاستبدادي القائم تعمل على الإطاحة به.. بأن خط الثورة الذي ينادون به لن يحرر المجتمع بالشكل الجذري المطلوب و لن يخرج الطبقة العاملة و حلفائها من البؤساء و المضطهدين.. من دائرة الاستغلال الرأسمالي.. بل لن ينجح خط الثورة، و إن استولى على السلطة، سوى في إنتاج و إعادة إنتاج العلاقات الاستغلالية الضامنة لاستمرار نمط الإنتاج الرأسمالي.. رغم كل النوايا الاشتراكية الصادقة!!
فهدفنا ليس الإطاحة بالمَلكية و نظامها الاستبدادي و فقط، ليس إعلان الجمهورية و فقط.. هدفنا إنجاز برنامج متكامل و متداخل المهام، عنوانه الإطاحة بالمِلكية و إعلان الجمهورية و مصادرة الأملاك البرجوازية و العقارية الكبرى و التأميم و الثورة الزراعية.. وسيلتنا تنظيم الطبقة العاملة في حزب سياسي مستقل فكريا، سياسيا و تنظيميا عن جميع الطبقات الثورية المعارضة للنظام.. و بالعمل على تقوية و هيمنة هذا الحزب داخل مجمل الأنشطة الثورية و في جميع مجالات الصراع الطبقي من خلال النقابات و الاتحادات و الجمعيات و لجن الأحياء الشعبية.. و بتبويئه مكانته الطليعية و القيادية لمجمل المبادرات الثورية في الميدان.. في اتجاه حسم السلطة و الشروع و السهر على بناء التمثيلية الديمقراطية المباشرة، ديمقراطية المجالس العمالية في البوادي و المدن و المجالس الشعبية داخل القلع الشعبية الكادحة مع تركيز و مركزة للسلط في يد الطبقة العاملة المنظمة في حزبها الشيوعي الماركسي اللينيني.
خطوات الحزب في هذا الاتجاه لن تجد أكثر و أوفر من التراث العمالي و الأممي و من تجربة الخط البروليتاري اللينيني باعتمادها خط الإضرابات العمالية و خط التمرد و العصيان الشعبي المسلح لهزم العنف الرجعي البرجوازي و لدك سلطته القمعية و الاستبدادية في المدن و الأرياف.
بهذا نكون قدٌمنا الأساس لتصورنا الغني عن أي تشبث غبي بالوصفات، و الذي لن يكون عقبة أمام إبداعات و مبادرات الجماهير التي لا يمكنها سوى خدمة الثورة و بالتالي إغناء التجربة الثورية في العالم.
بهذا التوضيح نكون ضمنيا قدمنا الموقف من برنامج "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" الذي يتبناه العديد من الثوريين الشيوعيين في بلادنا و في العديد من البلدان العربية و غيرها، و إن كانت تختلف الصياغات من هذه التجربة إلى تلك.. و بشكل خاص في عملية تحديد قوى الثورة و علاقتها بما يسمى في بعض التجارب "بالبرجوازية الوطنية".
فلا نرفضها كثورة وطنية ديمقراطية شعبية إلا بقدر تعارضها و معارضتها للمشروع الاشتراكي و لمهمة القضاء على الرأسمالية و على سلطة البرجوازية، لا نرفضها إلا بقدر مساسها باستقلالية الطبقة العاملة و بأهليتها لقيادة جيش الكادحين في خضم الثورة على الرأسمال.. و لا نرفضها كذلك إلا فيما تدعيه كسلطة بديلة عن السلطة الاستبدادية، سلطة "جبهة الطبقات الشعبية" أو "تحالف الطبقات الكادحة"..الخ
من جهتنا و استفادة من جميع التجارب الثورية العالمية و المحلية و بشكل خاص تجارب التيار العمالي الأممي.. توصلنا لقناعة مفادها عدم وجود طبقة مضطهدة و متضررة من هيمنة وسيادة نظام التبعية الرأسمالية، نظام الاستبداد و الاستعباد القروسطي، نظام العمالة للإمبريالية.. قادرة على قيادة جميع المضطهدين و الكادحين في النضال إلى حين تحقيق هذا المشروع، مشروع "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" غير الطبقة العاملة البروليتارية.
كذلك و لأجل إنجاز هذا المشروع وجب على هذه الطبقة من أجل القيادة الطليعية لعموم الكادحين، بأن تبني حزبها المستقل عن باقي الكادحين المتضررين من وجود و هيمنة هذا النظام.. و بأن تشيد منظماتها النقابية و اتحاداتها الكفاحية داخل الشباب و الطلبة و المعطلين و النساء البائسات و المهمشين..الخ
دون هذا لن تكون قائدة لنفسها و لا لأي طبقة أو جبهة من الطبقات كيفما كانت درجة كفاحيتها و أينما كانت مواقع نضالها.. و لن تجد سندا و لا داعما لها في أوساط جمهور الكادحين في المدن و الأرياف.
لذا نقول أن أكبر حماية و سند لسلطة "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" ـ إن كتب لها التحقيق ـ هي الديمقراطية البروليتارية الجديدة، ديمقراطية المجالس الشعبية في المعامل و الحقول و الضيعات المؤممة.. داخل التعاونيات الفلاحية بالبوادي و الحرفية بالمدن.. داخل الجامعات و الثانويات.. وسط جمهور المستخدمين و الموظفين و التجار الصغار.. و كذا في الأوساط السكنية الشعبية..الخ مع مركزة و تركيز السلط في يد الطبقة العاملة و حزبها الشيوعي الماركسي اللينيني، كسبيل وحيد وأوحد لقمع و هزم كل محاولات الثورة المضادة البرجوازية و الإمبريالية.
فخلافا لمنهجية الاستنساخ و استيراد المنتوجات النظرية الجاهزة، لكل ما أنتجته الحركة الشيوعية و الأممية خلال النصف الثاني من القرن 19.. بما فيها إمكانية الوصول إلى الاشتراكية عبر المؤسسات و الانتخابات و الطرق السلمية.. انتصبت المنهجية الماركسية الثورية، على يد التصور البروليتاري البلشفي بقيادة الرفيق لينين مبدع تاكتيك "الحد الأدنى" برنامج "الثورة الوطنية الديمقراطية" و "الحكومة الثورية المؤقتة" بمشاركة قيادية للطبقة العاملة من خلال حزبها السياسي المستقل.. ثورة لهزم النظام القيصري البائد عبر انتفاضة جماهيرية مسلحة تؤسس لجمهورية و برلمان برجوازي ديمقراطي ـ الجمعية التأسيسية ـ الذي سيؤسس بدوره لدستور ديمقراطي.
فبرنامج الثورة وفق التصور اللينيني كان يستهدف "الحيتان الثلاثة" كما كانت تسميها الدعاية البروليتارية العلنية، و التي كانت تعني:
1- الجمهورية الديمقراطية.
2- مصادرة ثروات القيصرية و البرجوازية الكبيرة و كبار الملاكين.
3- تحديد يوم العمل في ثماني ساعات.
و حول نقطة المصادرة و كيفية تدبير الأملاك و الثروات المنتزعة شتان بين الطرح البروليتاري و الطروحات الشيوعية الأخرى التي أطرت مفاهيم و تصورات الحملم بما فيها منظمة "إلى الأمام" حيث الكلام عن "التوزيع العادل للثروات" و عن "توزيع الأراضي المصادرة على الفلاحين"..الخ
و نعتقد أن الصراع بين التصور الماركسي الشيوعي لتدبير عملية المصادرة و القضاء على المِلكية الفردية و الخاصة.. لهو قديم قِدم الماركسية نفسها.. و يمكن الرجوع في هذا الباب لكتابات ماركس في هذا الشأن و صراعه ضد التيارين الفوضويين، البرودوني و الباكونيني خاصة في رده على "ما المِلكية؟" و "فلسفة البؤس" لصاحبها برودون الثوري و القائد العمالي الفذ.. في نفس السياق يمكن الرجوع للبرامج البلشفية التي صاغها لينين مباشرة بعد ثورة فبراير 1917 دفاعا عن مبدأ تأميم الأرض و تأميم المنشآت و المجمعات الرأسمالية ـ السانديكات ـ في مواجهته للأطروحات الشعبوية البرجوازية الصغيرة المدافعة عما أسمته بالتوزيع العادل عن طريق "معدلات الاستهلاك" المبنية على عدد الأفواه لدى كل أسرة فلاحية، و "معدلات العمل" المبنية على عدد السواعد القادرة على الاشتغال.
فهل تتم المصادرة و التأميم، أم تنتزع الأراضي و يعاد توزيعها على الفلاحين؟
فمن خلال أدبيات الحملم القديمة و الجديدة يتضح بجلاء طغيان السطحية و الاستنساخ لدى المؤسسين و المنظرين لتياراتها و منظماتها السبعينية، التي بالرغم من ثوريتها و عنادها المكافح، لم تتوفق في صياغة البرامج الملائمة و طرحها بالدقة المطلوبة.. يعني بالقدر الذي تتضح خلاله ملامح هذا التوزيع..
و بالرجوع للأدبيات يصعب كذلك تحديد الأملاك المعنية بالمصادرة، فباستثناء مُمتلكات العائلة المَلكية و أقربائها و المحيطين بها من ضباط و مستشارين.. يصعب الكلام عن اجتهادات في هذا الباب، يعني بالشكل الذي نجده من خلال البرامج البلشفية اللينينية التي قدمت البرامج الزراعية و التوضيحات الكافية لشرحها مع مراجعة مستمرة لفقراتها و لصياغاتها حسب وثيرة الصراع الطبقي و حسب التحولات السياسية التي عرفها المجتمع الروسي و ما تفرضه على الطبقة العاملة من تقدم أو تراجع أو توافق.. في المطالب.
قد يفهم مرد هذا النقص بإرجاعه إلى جنينية التجربة خلال مرحلة النصف الأول من السبعينات.. لكن أن تستمر نفس النظريات و الأطروحات و الشعارات و البرامج.. بعد عمر يناهز الأربعين سنة فذلك ما لا نجد له تفسير.. سوى أن نرده للضعف الميداني الذي واكب التجربة و التعثر الناتج عنه، في إنجاز العديد من المهام الأولية الخاصة بالشيوعيين المغاربة بما شكله و ما يشكله من عجز في التقدم في مهمة الارتباط بالطبقة العاملة و بتنظيمها ـ الحزب، النقابات، الاتحادات، الجمعيات..الخ ـ و بنشر الفكر الاشتراكي على أوسع نطاق داخل شباب المدارس و المعطلين من أبناء الكادحين و المهمشين..الخ
و في إطار التسطيح و التبسيط الساذج، و فقط لأننا ندافع بشراسة عن الخيار الاشتراكي الأممي، تصنفنا بعض الجهات الشيوعية بأننا تيارا تروتسكيا رغم أننا شكلنا التيار الشيوعي الوحيد الذي انتقد التروتسكية من منظور ماركسي لينيني نظريا و ميدانيا، دون أن نتجنى أو ننتقص من ثورية تروتسكي و لا من شيوعية أتباعه و حركتهم كجزء لا يتجزأ من الحركة الشيوعية العالمية..
و على خلفية الخلط الفظيع بين الاشتراكية و الشيوعية.. توحد الجميع ضدنا و علت الأصوات المفترية في حقنا، بالترويج عنا ما لم نعبر عنه و لا نتبناه.. من قبيل الإدعاء بأننا نريد الاشتراكية فورا! و كأن الثورة أو الاشتراكية محتاجة فقط للإرادة و للدقة في التوقيت.
فمن باب التشويهات و انعدام الموضوعية في النقد أن يتم القفز و بشكل متعمد على جميع ما نطرحه من شروط لنجاح الثورة كما نتبناها في إطار التصور اللينيني.. الشروط الثلاثة بما فيها الشرط الذاتي، شرط الوعي، شرط وجود الحزب و قوته في الميدان و قدرته على قيادة و إدارة الصراع خلال عملية الحسم النهائية للسلطة.
حقا نتطلع للاشتراكية و نناضل من أجلها و سنساهم في بناءها فور الاستيلاء على السلطة السياسية، يعني بعد التهديم و إعادة البناء وفق المنظور البروليتاري الديمقراطي الجديد.. لكن أن ندعو باسم "انعدام الشروط" و باسم ضرورة "احترام المراحل".. إلى تأجيل الاشتراكية و تأجيل الدعاية لها خوفا من انسحاب الطبقات الحليفة في و من مسلسل الثورة! فذلك ما لا نتفق عنه، خصوصا إذا تم تحت يافطة الماركسية اللينينية.
فلا ماركس و لا إنجلز و لا لينين غابت عنهم "انعدام الشروط" و مع ذلك أعلنوا عن هويتهم الشيوعية و دافعوا عن مشروع الطبقة العاملة الاشتراكي و راكموا الخبرة التنظيمية ـ الرابطة، الأممية، الحزب ـ و السياسية الميدانية "خارج الشروط".. كان ذلك قبل قرنين، حيث ما زالت البرجوازية ثورية في العديد من البلدان، دون أن يدعي أحدا من الأعداء و الخصوم بأنهم يريدون قيام الاشتراكية فورا!!
فحسب ما تعلمناه من خلال النظرية و التجارب الملموسة، فليس للاشتراكية ملامح محددة، فالاشتراكية أطوار يصارع خلالها نمط الإنتاج الشيوعي من أجل الهيمنة و القضاء على أنماط الإنتاج السابقة عنه و بشكل رئيسي و أساسي نمط الإنتاج الرأسمالي.
الاشتراكية تبدأ من خلال حسم السلطة لمصلحة الطبقة العاملة المنظمة في حزبها الماركسي اللينيني كمدخل أساسي، و تنتهي بالشيوعية بعد القضاء التام على المِلكية الفردية.. الشيء الذي لن يتم في جزيرة و لا حتى في أرخبيل وسط محيط رأسمالي مترامي الأطراف.
مراحل الاشتراكية يحددها نظام التخطيط الاقتصادي الاشتراكي و قوة و تجربة الطبقة العاملة في إدارة الصراع ضد بقايا الأنماط الماقبل الرأسمالية.. مراحل اختلفت و ستختلف من تجربة لأخرى، و من حزب لآخر و قدرته على إدارة الصراع خلالها و على استقطاب الدعم و المساندة الشعبية المحلية و الأممية الثورية العالمية.. تجارب ظلت و ستظل مفتوحة على جميع الاحتمالات بما فيها التقهقر و الانهزام كما وقع بالاتحاد السوفياتي و الصين و أوربا الشرقية و فيتنام..الخ
فلا يمكن، بالتالي، اعتبار شعار "الاشتراكية فورا" سوى تهمة قدحية.. فالنضال من أجل الدعاية للاشتراكية و من أجل المساهمة في الثورة الاشتراكية و البناء الاشتراكي.. لهو من صميم قناعاتنا المبدئية و المرجعية، و من صميم و من جوهر "البيان الشيوعي".. فقط يمكن اعتبار مصدر الاتهام بأنه غير ماركسي، لكي لا نقول مناهض للماركسية، و سطحي في تعامله مع التاكتيكات اللينينية التي درست أو تكلمت عن بعض التجارب المحدودة، تجاوزها التاريخ بقرن من الزمن، دون أن تدعي أو تطالب بالتعميم لشعارات تقوية البنية الرأسمالية و عدم المساس بنمط إنتاجها و مؤسساتها.. و يمكن الرجوع للعديد من مقالات و خطب لينين خلال مؤتمرات حركة شعوب الشرق و مؤتمرات الأممية الثالثة.. حيث لم ينف بالبات و المطلق إمكانية التجاوز للمرحلة الرأسمالية بالنسبة للعديد من الشعوب المنتفضة ضد الإمبريالية و الاستعمار الكولونيالي.
بطبيعة الحال، لسنا في المغرب خارج الرأسمالية كنمط إنتاج مهيمن، رأسمالية تبعية للإمبريالية، و من تحصيل الحاصل أنها لا يمكن إلا أن تكون تبعية في ظل مرحلة الإمبريالية، لكنها تبقى رأسمالية عبر علاقاتها الاستغلالية المعتمدة على السوق و العمل المأجور و الاحتكار البرجوازي لوسائل الإنتاج.. إلى جانب الرأسمالية هناك مظاهر إنتاج عديدة و متنوعة منها ما هو سابق عن الرأسمالية، شبيه بالإقطاع لكنه ليس بإقطاع، إذ لا تكفي استبداديته و قورسطويته و دعمه من طرف السلطة المَلكية لكي نصفه بالإقطاع..
هناك أيضا بقايا لأنماط إنتاج قديمة، قريبة من المشاعية التعاونية و التضامنية التي نجدها في بعض المناطق الفلاحية البورية ذات الإمكانيات المحدودة من حيث الماء و من حيث مساحة الأرض و من حيث كثافة السكان.. دون أن نغفل تواجد بعض التعاونيات الحرفية و الفلاحية انبنى غالبها بشكل فوقي من طرف سياسات "الحركة الوطنية" لسنوات 56 – 63.. و بتوجيه إمبريالي صريح و سافر.
من خلال هذه المعطيات الأولية التي تتطلب المزيد من الدراسة و البحث و التدقيق في إطار مهام الماركسيين اللينينيين.. لا يمكن الحديث عن نمط إنتاج سائد و مهيمن غير نمط الإنتاج الرأسمالي، و لا يمكن الكلام عن الثورة و الإطاحة بالسلطة و النظام المَلكي دون المساس بمصالح الرأسمالية و الرأسماليين.. فسلطة المَلك و المَلكية هي الممثل الحقيقي لسلطة الرأسمال بكل مكوناته أي بما فيها الرأسمال المالي، و هي الضامن لِلُحمته و الحريص على تبعيته للرأسمال الإمبريالي.. و لانتصاراته ضد مشروع الطبقة العاملة التحرري.
و عبر التاريخ السياسي للمغرب خصوصا خلال مدة القرن الأخير، لم يكن النظام المَلكي عائقا في طريق تطوير الرأسمالية و تغلغلها ببلادنا، في المدينة و البادية، بل و منذ بداية عصور الاستقلال الشكلي، خلال مشاركة تيارات "الحركة الوطنية" في تسيير الاقتصاد.. بدا القصر و غالبية التيارات البرجوازية في وحدة و انسجام تام حول الخطوط العامة لما عرف آنذاك ببناء "الدولة الوطنية" و "الاقتصاد الوطني".. فانفجارات 59 و 63 لم تكن تهم الاختيار بين الإقطاع و الرأسمالية.. و لا بين الرأسمالية و الاشتراكية كما يدعي البعض.. بل كان الإجماع و من لدن جميع الأطراف المتصارعة، على تطوير و تقوية النظام الرأسمالي، و إن كان البعد الاجتماعي حاضرا بقوة لدى الأطروحة اليسارية الاتحادية.. ف"اشتراكية" "اليسار الاتحادي" بشقيه و تياريه المَلكي و الجمهوري لا تخرج عن تدعيم و تقوية الرأسمالية بالكلام و الترويج و الدفاع عن أطروحة "الرأسمالية الوطنية" ذات البعد الاجتماعي التي ما زال الترويج لها داخل الأوساط اليسارية، عن طريق بعض "المجددين الماركسيين" الذين تربوا و ترعرعوا داخل تيارات الحملم و "اليسار الاتحادي".
فبعد هذا التحديد ينتصب السؤال، من هم المعنيون "بالثورة الزراعية في الأرياف"؟ نقطة ما زالت تثير الجدل و الارتباك في صفوف مناضلي الحملم و داخل مجموع التيارات الشيوعية.. سنعيد طرحها و سنكرر ذلك إلى أن تتم الإجابة من طرف الجميع.
فلحد الآن ما زال الاجتهاد في هذه النقطة منحصرا في ما أنتجته الثقافة السبعينية و ما قبلها حول "الإصلاح الزراعي الحقيقي" أو "الجذري" أو "الثورة الزراعية" في بعض الأدبيات.. شعارات لم تواكب تطور البادية المغربية و تطور الطبقات بها.. بموازاة بما عرفه نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي من تطور في مجالاته الاقتصادية المتنوعة، بما فيها الاقتصاد الفلاحي.
إذ، و على ضوء الشعارات و البرامج السبعينية.. يصعب بقوة معرفة من هم الفلاحون المعنيون بالثورة، و من هم الفقراء و المعدمون منهم..؟
أسئلة لن تتم الإجابة عنها دون إشارة و تدقيق في معطيات و طبيعة المِلكية بالبادية.. فما هو حجم و قيمة المِلكية المهددة بالانتزاع؟ ما هو سقف تحديد المِلكية بعد الثورة؟ كيف ستتم عملية التوزيع بالنسبة لمن ينادون بالتوزيع؟ و ما هو وضع الطبقة العاملة ـ العمال الزراعيون عبر مجالسها و سلطتها، في عملية الإنتاج و توزيع المنتوجات.. و في الردع لمحاولات التخريب من طرف المترددين و الثورة المضادة البرجوازية و الإمبريالية.. التي لا يمكن أن تنبعث إلا من خلال الفلاحين؟
أسئلة معلقة و محاولات للأجوبة مبهمة و مرتبكة، وجب الرجوع بها للمرجعية الماركسية اللينينية و للخبرة الشيوعية و العمالية اعتمادا على منهجية التحليل الملموس للواقع الملموس، بالدراسة و البحث الميدانيين، بعيدا عن الخلاصات الجاهزة و الاجتهادات المسروقة و المستنسخة.. دراسة و بحث للبادية المغربية، في أوضاع الفلاح المغربي، لتحديد من المعني بالثورة و من هو المعادي للثورة، و من هو المتفرج المحتمل؟
دراسة و بحث ستفضي لوعود ملموسة للجماهير الكادحة بالأرياف من حلفاء الطبقة العاملة، دراسة و بحث ستوضح ملامح ما سيتبقى من مِلكية في البادية، بعد حملة المصادرة و التأميم للضيعات البرجوازية الكبرى و لأملاك البلاط و حلفاءه من الملاك الكبار.
هذه بعض الأمور و القضايا اعتبرناها مثار خلاف بيننا و بين العديد من الشيوعيين المغاربة.. قضايا لا ندعي حل إشكالاتها لوحدنا أو بمعزل عن الصراعات الميدانية و الفكرية، بل نعتبر أن أسلوب الشرح لمواقفنا و مقارباتنا جزء لا يتجزء من هذه المهمة.

خلاصة و توجيه أولي
كلمة أخيرة، نقولها من خلال هذه المساهمة.. و حتى لا نبسط الأمور و نطلق العنان لخطابات الأزمة.. و دون أن نزرع الإحباط في صفوف المناضلين و المناضلات، المتشبثين بخط الثورة و بالانتماء للطبقة العاملة و بالاستناد للمرجعية الماركسية اللينينية.. نقول بأن زرع الأمل، عوض زرع الإحباط، لا يتم بفعل الإرادة و بفعل النية الصادقة التي لا نشك في تمتع جميع المناضلين الثوريين بها.. بل يتم بتغيير وجهة الخطاب و الحديث إلى الجماهير المنتفضة و المحتجة باستمرار، إلى العمال و العاملات المضربين و المعتصمين، إلى الشباب المعطل الذي يقدم يوميا دروسا و عبرا في الصمود و الاستماتة في الدفاع عن حقه في الشغل، إلى بؤساء الفلاحين المنزوعة أراضيهم، إلى مهمشي البوادي و الأحياء الشعبية في المدن و المناهضين للغلاء و لخوصصة المرافق العمومية، إلى الطلبة و التلاميذ و حركتهم التقدمية المناضلة و المدافعة عن حق أبناء الكادحين في تعليم مجاني و معمم.. إلى المثقفين الثوريين من نشطاء الفكر و الممارسة الميدانية..الخ
فكفانا حلقية و كفانا خطابات مطاطية، الخطابات ذات الصدى الترددي الذي لا يسمعه سوانا.. فمن السهل جدا تدبيج البرامج و البرامج المضادة للدفاع عنها بقتالية.. لكن من الصعب أن تتحول البرامج أو البعض من شعاراتها إلى قوة مادية تلهب حماس الجماهير أصحاب القضية.
فمنذ 56 و الجماهير الكادحة في واجهة الصراع.. فالجماهير المعنية بالتغيير و الثورة لا تعرف "زمن الرصاص"، و لا "زمن الورد و الياسمين".. الكادحون المغاربة دافعوا و احتجوا و انتفضوا و لم يطووا الصفحات.. ناضلوا في جميع الأزمان و العهود.. و لم يعترفوا، بل و لا علاقة لهم "بالتوافق" و لا "المصالحة" و لا "بالعهد الجديد".. هم من انتفض في 58 ـ 59 ـ 63 ـ 65 ـ 70 ـ 71 ـ 72 ـ 73 ـ 79 ـ 81 ـ 82 ـ 84 ـ 90.. 2000.. 2007 و بين هذه التواريخ محطات محلية هنا و هناك، بعضها سنوي و بعضها يومي لم و لا يتوقف.. و قد تتحول نضالاتنا و مجابهتنا الطبقية لنظام القمع و الاستبداد و الاستغلال، إلى يومية، إذا كانت للمناضلين القدرة و الكفاءة على المتابعة و التدوين لما تعرفه صراعات الطبقات يوميا في مختلف أرجاء البلد.
و حين نقتنع بضرورة تغيير وجهتنا و بالتنازل عن حلقيتنا، سنكون آنذاك مجبرين على توحيد الرؤى و الجهود، مجبرين على تطوير آليات الارتباط مع الجماهير، مجبرين على صياغة الشعارات و البرامج، مجبرين على الإنصات لجميع الآراء المناضلة..الخ
فالحاجة إذن، لإعلان المبادئ و المنطلقات ضرورية من طرف الجميع.. الحاجة لإعلان أهداف التيارات و المجموعات الثورية لازمة كذلك.. أما ما يخص التكتيكات الميدانية فيسهل تدبير الخلاف حولها بالنظر لعدم قدسيتها، و خضوعها للتحولات و لموازين القوى الطبقية و للتدخل الموضوعي لأطراف أخرى حليفة، في تحديدها.. دون أن نغفل التدخل الجماهيري الحاسم عبر الطلائع الثورية الميدانية، في التحديد و التعديل..الخ
من هذه المنطلقات، و بدون أن نسترجع و نعيد ما قلناه بخصوص البرنامج الذي نتبناه، القابل للنقاش و التعديل طبعا، نقول بأنه لا بد من الاجتهاد، و التقدم، و الانتقال من صياغة البرنامج الإستراتيجي العام إلى التدقيق و صياغة البرامج القطاعية و الميدانية.. و لا بد من تقوية عمل التيارات الشيوعية عبر الارتباط بالميدان و عبر الإنتاج النظري و النقاش الناضج و المسؤول و عبر التنسيق في مواقع النضال و المجابهة الطبقية و عبر الانفتاح و الإنصات للرأي الآخر دون تجني و لا تشويه.

و. السرغيني
مارس 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقترح الهدنة.. إسرائيل تمهل حماس حتى مساء الأربعاء للرد


.. إسرائيل تهدد بمحاربة حزب الله في كل لبنان




.. جون كيربي: ننتظر رد حماس على مقترح الاتفاق وينبغي أن يكون نع


.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار




.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ