الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية و استبداد الأغلبية

فهد راشد المطيري

2007 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرا ما نسمع جملة "هذه هي الديمقراطية"، و عادة ما تأتي هذه الجملة على شكل دعوة لاحترام رأي الأغلبية، أي بعد انتصار طرف على طرف آخر و حصوله على أكبر عدد من الأصوات من خلال عملية اقتراع، لكن هل فعلا "هذه هي الديمقراطية" ؟ يبدو أن الجميع متفق على أن حجم العدد هو الذي يحدد نوعية القرار، لذا فإن المقصود باحترام رأي الأغلبية هو في حقيقة الأمر مجرد دعوة لاحترام العلاقة بين "حجم العدد" و "نوعية القرار". إذا كان هذا صحيحا، فإني أطرح السؤال التالي: هل احترام رأي الأغلبية مطلق و غير مشروط، أم أنه احترام نسبي و مشروط؟ هذا المقال هو محاولة للإجابة عن هذا السؤال.

أؤلئك الذين لا يملون من ترديد عبارة "هذه هي الديمقراطية" يميلون إلى الاعتقاد بالرأي الأول، أي أن احترام رأي الأغلبية بالنسبة لهم مطلق و غير مشروط، و هذا الاعتقاد يقود إلى انتهاكين على الأقل لمفهوم الديمقراطية. الانتهاك الأول يتعلق بالتغاضي عن مدى مشروعية الطريقة التي تم من خلالها تشكيل رأي الأغلبية، فنحن نعلم أن رأي الأغلبية لا يعبر بالضرورة عن حاصل جمع إرادة كل فرد على حدة، فمن الأفراد من يغريهم بريق المال، و منهم من تخيفهم فتوى دينية، و منهم من تسعبدهم رابطة دم! و إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية أوسع، فإن تشكيل رأي الأغلبية غالبا ما يعبر عن رأي مؤسسات إعلامية ضخمة تنحصر وظيفتها في إبراز آراء معينة و إهمال بقية الآراء، و هذا ما يحدث للأسف الشديد في أغلب الدول التي لها تاريخ طويل من الممارسة الديمقراطية! أما في الدول القمعية، فإن تزوير إرادة الأغلبية تتم بطريقة مباشرة و سافرة!

الانتهاك الثاني يتعلق بنوعية رأي الأغلبية و أثر هذا الرأي على الحقوق الأولية للفرد. إذا نظرنا إلى احترام رأي الأغلبية على أنه احترام مطلق و غير مشروط، فهذا يعني أننا لا نكترث بالحقوق الأولية للفرد و بمدى تأثر هذه الحقوق سلبا برأي الأغلبية. ألست توافقني الرأي، عزيزي القاريء، في أن من يدعو إلى احترام غير مشروط لرأي الأغلبية سيكون منسجما مع نفسه لو دعا أيضا إلى احترام رأي أغلبية تريد سحق أقلية و حرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية! نعم، إلى مثل هذا النوع من الحماقة تقودنا الدعوة العمياء إلى احترام مطلق و غير مشروط لرأي الأغلبية! الديمقراطية الحقيقية لا تحمينا فقط من ديكتاتورية الفرد، بل من دكتاتورية الجماعة أيضا، و دكتاتورية الجماعة لها أشكال مختلفة، فمرة تأتي في صورة العادات و التقاليد الإجتماعية، و مرة في صورة الإعتقاد الديني السائد، و مرة في صورة الانتماء إلى وطن أو إلى تاريخ مشترك!

ديكتاتورية الأغلبية نجدها حاضرة بقوة في مجتمع نمطي تسوده نظرة أحادية، نظرة غير متسامحة مع أية نظرة مغايرة، و عندما يتم تعميم هذه النظرة الأحادية على التعليم، فإن النتيجة الطبيعية ستكون كارثة بكل المقاييس! في أيدينا أن نخلق جيلا كاملا بواسطة القالب نفسه، جيل لم يستمع إلا لوجهة النظر الرسمية، جيل أسير لسلسلة طويلة من سلطة الموروث الاجتماعي و الديني و السياسي. لكن في أيدينا أيضا أن نعمل على خلق جيل يؤمن بالتعدد و الانسجام في الوقت نفسه، تماما كألوان قوس قزح، جيل بإمكانه الاطلاع على كافة الآراء المتضاربة و القدرة على تقييم هذه الآراء استنادا إلى الطريقة العلمية في التفكير، جيل منفتح يثمن مبدأ الاختلاف و التعايش معه أيضا!

أخيرا، إن الاختبار الحقيقي لأية ديمقراطية لا يكمن في الاحترام الأعمى لرأي الأغلبية، بل في التسامح النبيل مع رأي الأقلية و حقها في الوجود!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا