الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موجبات الاختلاف في العمل السياسي

صاحب الربيعي

2007 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


السياسة، علم تخصصي قائم بذاته لإعداد رجال دولة قادرين على إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وتنشيط سُبل الحوار بين فئات المجتمع لإحلال السلم الاجتماعي بدلاً من التناحر. فالأختلاف بوجهات النظر حول إدارة شؤون الدولة والمجتمع، حالة صحية تسفر عن رؤى مختلفة يمكن استثمارها في إعداد الخطط والبرامج لرفع مستوى رفاهية المجتمع.
السياسة ليست ثرثرة كلامية، ولا ديماغوجية مبتذلة، ولا عنف لفرض التوجهات. إنها سبيل لإيجاد قواسم مشتركة بين الرؤى المختلفة، غايتها الأساس الإنسان. وبرامج إعداد رجال الدولة، لاتتأطر بالتعريف بسُبل الحوار والإدارة الفعالة لمؤسسات الدولة والمجتمع وحسب، بل هي جملة السلوكيات والممارسات اليومية لرجل الدولة...طريقة عرضه للأفكار والرؤى، قدرته على الإقناع، وقوفه أمام الكاميرا، وحركاته اللاإرادية أمام الجمهور والوفود المفاوضة التي تعكس صدق من عدم صدق آرائه، فكل حركة لها مدلولات في علم النفس، ولها انعكاسات لاشعوية عن صدق من عدم صدق الرؤى.
إن السياسي الجاهل لايجيد موجبات العمل السياسي، فهو صفحة مكشوفة يمكن قراءة تفاصيلها دون إعارة أهمية لما يتحدث به أو يعبر عنه. ورجل الدولة، هو الكادر المحترف للعمل السياسي الذي يجييد التعبير باللغة والحركة اللاشعورية عن أفكاره وآرائه السياسية دون اختلال يضعف من موقفه التفاوضي.
علم السياسة، هو القدرة على قراءة تفاصيل العمل السياسي من خلال الربط بين الكلمة والحركة للسياسي لاختراق حدود لاوعي الآخر لتعيين نقاط الضعف في خطابه واستغلالها في تفنيد اطروحاته السياسية.
إن الاختلاف في الرؤى السياسية حول إدارة شؤون الدولة والمجتمع، يُمكن رجل الدولة من التقاط الرؤى المختلفة لتصحيح مسار العمل السياسي والتقليل من فرض الفشل. وتماثل الرؤى في العمل السياسي، دلالة قصور لفهم طبيعة الاختلاف بالرؤى وتجييرها لصالح الجهد السياسي وفهم أعمق لمجمل آليات الصراع السلمي بين فئات المجتمع.
يرى ((الياس مرقص))"أنه بدون الاختلاف لاعلاقة، لاعلاقة بين متماثلين. العلاقة بين مختلفين..ولولا الاختلاف لما وجدت السياسة. ظهور السياسة يعني تراجع الحرب. الحرب باتت امتداداً لها، يُنفى هذا الامتداد، يُنفى تحت طائلة هلاك البشرية".
إن قصور رؤية السياسي الجاهل، ناتجة عن عدم فهم ماهية السياسة، ماهية الاختلاف، مفهوم المساومات لاجراء تسويات سياسية تتبنى كافة الرؤى الاجتماعية، دون الحاجة لقسرها بالعنف على الانحسار والانكفاء أو فرض على الآخر اعتماد أساليب عنفية للتعبير عن وجهات نظره.
الفئات الاجتماعية المختلفة بالرؤى ضمن مرجل الأمة ليست حالة انعدام الانسجام والتواصل بين المكونات، وإنما هي حالة تعارض بالمصالح لتحقيق المكاسب الاجتماعية.
والمكاسب الاجتماعية ليست حصرية، فئوية، وإنما مكاسباً عامة ذات قاسم مشترك، تنهل مبرراتها من مفهوم المواطنة. وبخلافه فإنها نزعة عنصرية، أثنية لقسر الفئات الاجتماعية على التنازل عن مصالحها لصالح فئة اجتماعية أخرى تعمل على تأجيج الفتن والنعرات بين مكونات المجتمع لإضعاف موقفها ومن ثم تحقيق المكاسب على حساب الجميع.
إن اعتماد سياسة تسعير الخلاف بين فئات المجتمع لتحقيق المكاسب الآنية، هو فهم قاصر للسياسي الجاهل الذي يعتقد أن من يطلق الرصاصة الأولى يكسب المعركة.
السياسة، ليست ساحة حرب، وإنما ساحة مفاوضات لتحقيق الأهداف، فالذي يطلق الرصاصة الأولى، عليه حساب مدة الحرب، وعدد الرصاصات الطائشة التي قد تخطأ أهدافها فتسقط الضحايا من خارج ساحة العمل السياسي.
إن الحسابات الخاطئة للسياسي الجاهل، لاتسفر عن سقوط الضحايا وحسب، بل عن خلق حروب جديدة في ساحات أخرى. لايمكن تحديد مساراتها، فإشعال الحروب أسهل بكثير من محاولة إطفاءها لأن الأهداف في ساحة المعارك ليست أهدافاً ثابتة وتحقيق هدف من الأهداف لايعني كسب كامل المعركة، وخسائر المعارك لاتقتصر على الجانب الخاسر لها، وإنما تطال المنتصر أيضاً.
تقول ((غادة السمان))"في الحرب ليس بوسع أحد أن يضمن وصول كل رصاصة إلى هدفها، وفي الثورة يسقط الضحايا، وحين تضل الثورة طريقها يصير الكل ضحايا".
إن الاختلاف بالرؤى في ساحة العمل السياسي، حالة صحية عند وجود سلم اجتماعي، ومؤسسات يقودها رجال دولة يجيدون العمل السياسي ويعون ماهية السياسة ذاتها.
وبالضد من ذلك فإن السياسي الجاهل، يفهم الاختلاف بالرؤى، حالة عداء تستوجب استخدام العنف لفرض التوجهات وتحقيق المكاسب الآنية. ولايدرك أن تحقيق المكاسب الآنية على حساب الآخرين، يولد شعوراً بالغبن يستوجب حشد الطاقات لتصحيحه مستقبلاً عن طريق اشعال حروب جديدة لاستعادة الحقوق المغتصبة.
يتطلب الاختلاف بالرؤى بين فئات المجتمع، ايجاد قاسم مشترك يحقق مصالح الجميع دون استثناء لضمان التعايش السلمي بين فئات المجتمع. وتحقيق هذا الهدف يقع على رجال الدولة من السياسيين وليس على جهلة وأميين خاضعوا غمار السياسة المبتذلة عبر الكيانات الحزبية التي تجييد صناعة الأصنام والطواطم لتحقيق مصالحها الذاتية مستمدةً دعمها ووجودها من خارج الحدود، ولاتعنيها الثوابت الوطنية.
إن السياسة الحقة، تعني إعداد رجال دولة يجيدون العمل السياسي لتحقيق الاهداف الاجتماعية، وإخفاق أو نجاح مؤسسات الدولة منوط بكادرها التخصصي وبالقرار السياسي فإن كان قراراً متخلفاً وصادر عن ذهنية سياسية ديناصورية-غبية تداعى شأن الدولة. وإن كان كان قراراً حصيفاً وصادر عن ذهنية سياسية متفتحة عظم شأن الدولة وزاد حضورها الأممي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات إيران الرئاسية: خامنئي يحث الناخبين على التصويت في


.. الحكومة الجديدة في مصر تؤدي اليمين الدستورية • فرانس 24




.. الانتخابات النيابية الفرنسية: نتائج الجولة الأولى في ميزان ا


.. مقتل قيادي بارز في حزب الله بغارة إسرائيلية استهدفت سيارته ب




.. #مصر.. إغلاق مبكر للمحال التجارية عند العاشرة مساء #سوشال_سك