الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظام تعددي طائفي أم تسامحي

يارا رفعت

2007 / 5 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من المتعارف عليه، النظر إلى الطوائف على أنها بنية مجتمعية تتباين فيما بينها على أساس تعدد الأديان والمذاهب.فالتصنيف المجتمعي الذي تناوله لوك في رسالته الداعية الى التسامح كان على أساس الطوائف الدينية تماشياً مع كوارث عصره. وما الطائفة في نظر بسّام الهاشم إلاّ (التجسيد المتحدي الواقعي للانتماء إلى دين أو مذهب ديني معين)، كذلك يأتي تعريف ناصيف نصّار للطائفة على أنها العنصر الأول البسيط الذي منه يتركب الكل المركب وهو المجتمع، ويميز بين الطوائف الدينية بحسب حجمها العددي، ومقامها يتزايد بتزايد الحجم!. في حين يرى مهدي عامل بأن (الطائفة ليست كياناً، وليس لها وجود أنطولوجي.إنها علاقة سياسية محددة بحركة معينة من الصراع الطبقي، في شكل منها محدد بشروط تاريخية خاصة ببنية اجتماعية معينة. فهي قائمة بالدولة لابذاتها..)(1)،أي أنه يحبذ كون المسألة الطائفية سياسية وليست دينية. ولتتماشى فكرته مع الوضع العراقي نقول أنها مسألة سياسية-اجتماعية تأخذ طابعاً دينياً. يقول المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر:(الطائفية ليست انتماءً دينياً عاديا كما عرفتها بعض المجتمعات، بل سياسية مبرمجة تعتمدها الطبقات المسيطرة لديمومة سيطرتها على حساب الدين والثقافة والحضارة والأنسان).إذ يُعتقد بأن المجتمع الرأسمالي يغذي الطائفية حفاظاً على مصالح الطبقات المسيطرة. بالتالي هنالك آراء تنظر الى الطوائف على صعيد البنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية،ويدور هنا جدال فلسفي بين الماركسيين والبورجوازيين. وعلى اعتبار أن العراق كان يعد بلداً اشتراكياً، فهل كان الإحتقان الطائفي فيه معدوماً، أم أن مختلف التشكيلات كانت في سبات قسرية؟ ورغم تعدد صورها إلاّ أنه وحسب قول مسعود ضاهر:يبقى الوجه الطائفي لقوى القمع إسلامياً. أما الليبرالية، تفتح باباً واسعاً للطوائف ليضم مختلف الآيديولوجيات والعقائد والاتجاهات، ولا تقسم المجتمعات لا على أساس عقائدي ولاطبقي ولاعرقي، بل تنادي بمحو التبعيضات التي تقوم على هذه الأسس وتقدم للبشر الحل في مواجهة واقعهم التعددي ألا وهو التسامح والتعايش وقبول الآخر كما هو. في المجتمع الديمقراطي الليبرالي لاتقوم للطائفية قائمة.
إذن، من المجحف اعتبار الدين وحده يقف وراء التعصب الطائفي وما يولده من عنف وحروب تقتل الآلاف. إن كان هو السبب، فهل تعايش البشر في عصور ماقبل الأديان بألفة وتراحم بلانزاع؟ ماذا يقول التأريخ؟ كل مافي الأمر أن تجارب الأديان السماوية بعد أن بلغ فورانها في مرجل الطائفية إلى حد أحرق سكينة الناس،أوعزت لهم بحقيقة أسمى ألا وهي التسامحية..تدرجت حتى برزت كمفهوم في القرن 17م كحلّ تأريخي ييسر العلاقة بين طوائف الناس ودور العبادة من كنائس وجوامع وغيرها، مثلما ينظم العلاقة بينهم وبين السلطات التي تحكمهم، بالتالي فهي،أي التسامحية، تمنح الحرية لكل فرد، وتوجب عليه الاعتراف بحق الآخرين في اختيار العقيدة وحرية التعبير والدفاع عنها، وهو شرط أساسي لخلق مجتمع يؤمن بأن الهوية مشروع مفتوح وليست نظاماً مكتملاً..لايمكن للطائفية أن تكون ثالثة التسامح والتعددية.التسامح ثقافة تأتي ثمارها كسلوك إنساني بعد مران طويل، تدعمها العدالة ومحصلتها الديمقراطية. وهو ليس مفهوماً دخيلاً على أصول الدين الإسلامي وعقيدة المسلمين، بل أن روح الإسلام تنبض به. ويرى أستاذ التاريخ الألماني دان دينر:بأنه لاتسامح دون خصخصة الدين، أي دون ربط الدين بالفرد وتحريره من السياسة. كما أن التسامح ليس تساهلا أوجبنا، لذا لاتسامح مع المجرمين والقتلة وفقاً للحقائق وحكم القانون. إذا لايخلو التسامح من استثناءات وإلا كان طوباوياً يهضم حقوق الناس. حتى جون لوك استثنى الكاثوليك والملحدين من نعمة التسامح في حينه. لكن يُخشى من أن يفهم دعمنا للتسامح كفضيلة، على أنه رضوخ لوجود وباء الطائفية كواقع حال يفرضه تعدد الطوائف في العراق، وكأن الدولة العراقية لاتقوم إلاّ على كيانات سياسية تشكلها الطوائف، وهي دولة لايسعها تعزيز المساواة وإقامة التوازن بين الطوائف، إن كانت هي نفسها مسرحاً للصراع بينها. ويُخشى من المضي في بناء دولة لاتتعامل مع المواطن أو تعترف به إلا من خلال طبيعة انتمائه. أهي بالفعل دولة المواطَنة التي تمناها دعاة الإصلاح للوطن!،إذ عادت الألقاب والانتماءات العشائرية والإثنية من جديد تحدد الأولويات، وبقيت الفرص ضئيلة بوجه كل من ينبذ التطرف والأنحياز إلى اتجاه معين. لقد خابت الآمال بفضل الكثير من قادة الأحزاب،ومعارضي النظام السابق من رجال دين ومثقفين،إذ بانت حقيقة أفكارهم المشوشة، وإذ انكشفوا وهم ولا زالوا يختزنون إرث التعصب والتطرف الذي لم تغسل آثاره لامظاهر الدول المتقدمة التي قصدوها أو الكتب والمراجع التي قرأوها ومؤتمرات ودورات شاركوا فيها حول جدوى الحرية ونبذ العنف واللاتسامح.
لا وجود للمجتمع المتجانس في عالمنا، فالمجتمعات متعددة، والتعددية والمجانسة لاتمثلان المعيار الحقيقي لنجاح التعايش السلمي والديمقراطية في أية منطقة، بل جملة من المعايير الأخرى والتجارب والأحداث التاريخية. من المؤلم أن نعترف بتعددية تؤسس لانعدام التفاهم بين الأطراف وتواصل النزاعات في صورة قريبة نوعاً ما من التجربة اللبنانية، والتي يبدو أن بعضاً من سياسيينا قد تعايشوا معها إما بإقامتهم في لبنان في سنوات مقارعة النظام الفاشي ولازالت لديهم علاقات طيبة ومصالح هناك، أو لمجرد تأثرهم بالنموذج التوافقي اللبناني لأنطوان مسرّة أو الفكر الشيحاوي كنظام سياسي، دون إدراكهم بأنه نظام يقوم على ديمومة الطوائف، حجب أبصارهم عن النظر إلى ديمقراطيات العالم الأكثر نجاحاً. غالبا ما يأتي الحل بعد صراع الطوائف على هيئة تعددية مشوهة. وإذ تلقي كافة الأطراف اللوم على سلطة الأئتلاف ومرحلة حكومة بريمر، من حيث تقسيم المناصب والمناطق، فلماذا تأبيد النظام الطائفي الانتقالي بعد تسلم زمام الأمور!، هكذا جرت الانتخابات وتجري أمور البلد، بحجة أن تعددية المجتمع العراقي تنطوي على مزايا خصوصية، وهل هناك مجتمع لايمتلك خصوصية؟. العلة ليست في الممارسات الطقسية لطائفة معينة (كالشيعة والسنة)، بل في محاولة كل منها فرض وجودها عبر السلطة السياسية، والحل ليس بتجميل صورة مشاركتها، بل بإلغاء نظام المحاصصة من أساسه واعتماد معايير كالكفاءة والأخلاص الوطني.
نتأمل دراسة الوضع بعقلانية، كي لاننجر إلى بناء دولة عراقية قوية لكن بأسلوب طائفي،لا تعددي ديمقراطي وهي دولة لن تختلف في جوهرها عن الدولة المركزية المتسلطة التي بذل العراقيون المخلصون الغالي والنفيس للخلاص منها. يبدو أن شيئاً من الصحوة قد دخل ضمن منهجية خطة فرض القانون الأخيرة، إلاّ أن الدولة لم ترتقِ بعد الى المستوى المطلوب في تحقيق المساواة والعدالة بين الجميع. وكمثال، لم تتخذ كلا من وزارتي الداخلية والصحة الاستعدادات نفسها خلال مختلف المناسبات الدينية والقومية لأبناء الوطن. لم يكن احتفال الكورد خارج أقليم كوردستان متاحاً في وضع أمني صعب. وفي الأعياد المسيحية لم نلحظ شرطياً يقف عند مدخل كنيسة في أغلب مناطق بغداد.كذلك الحال بالنسبة لعيد الخليقة عند الصابئة وغيرها من المناسبات التي لم تلقَ دعماً أمنياً مشدداً ولم تُبذل الأموال أو تُنصب لها الموائد العامرة، انصياعاً لمفهوم الأقلية والأكثرية الخاطئ الذي لاوجود له في المجتمعات المدنية المعاصرة.
لا أتفق مع ما طرحه بسّام الهاشم حين قال:(عندما نعلن تمسكنا بالوحدة،علينا أن نعلن أية وحدة نريد:أن نعلن اختيارنا بوضوح)(2)، ألا ينفع أننا نريد كل أنواع الوحدة مجتمعة! نريد اندماجا في قالب اتحادي وجداني من حيث أننا متعددون ومتنوعون، إنما الفهم الخاطئ للتعددية يقود المجتمع الى التفكك بدل التلاحم والوحدة، وهذا يتعارض مع مصلحة المواطن العراقي في ترسيخ نظام تعددي يقوم على التسامح، ولَئِن قام على الطائفية فلمصلحة من هو يقوم!.

الهوامش:
(1) مهدي عامل/في الدولة الطائفية/بيروت.
(2) 1983،نحو عصرنة مخضرمة بطوائفية مرحلية/مجلة الواقع، العدد 5-6.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء ومعاناة نفسية وذكريات جميلة.. تفاصيل مراحل مختلفة عاشته


.. فرنسا تدعم مسعى الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قاد




.. ما رمزية وتداعيات طلب مذكرة توقيف بحق نتنياهو؟


.. إيران تبدأ تشييع رئيسي.. ومجلس خبراء القيادة يعقد أول اجتماع




.. الحوثيون يعلنون إسقاط مسيرة أمريكية في محافظة البيضاء| #الظه