الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العراق الحديث ممنوع حصول المرأة على جواز السفر، بينما يحصل المجرمون على إجازة رجمها بالحجارة

طه معروف

2007 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إن مهرجان القتل البربري، برجم الفتاة الشابة دعاء حتى الموت في أبشع مشهد للقتل المذهبي إطلاقا في قصبة بعشيقة الخاضعة لسيطرة حكومة بغداد ،قد هزّ مشاعر ووجدان الإنسانية، وأثار غضبها ، مذكرا البشرية المتمدنة بتلك الأفكار والمذاهب والديانات التي تجيز ممارسة تلك الأعمال الهمجية ضد المرأة ، بصورة علنية تحت يافطة ومسميات تافهة ،من قبيل غسل العار، أو العقاب لتجاهل وخرق المبادئ الدينية .لقد تركت هذه الجريمة أثرا عميقا ومؤلما نادرا في نفوس المرأة العراقية و لم تستطيع أي جرائم أخرى بحقهن أن تركت مثل هذا الأثر.
وما هو ملحوظ ،بل هو مؤكد ، أن حكومة العراق وسلطة إقليم كردستان،و الإدارات ذات الصلة ، قد أسهمت في ارتكاب هذه الجريمة بشكل مباشر .كان البنت البريئة، دعاء، محتجزة وفي ذمة نائب محافظ الموصل –خسرو كوران- حسب اعترافاته الأخيرة. وبعلمه تم تسليمها إلى قبضة حفنة من المجرمين. وهو أي السيد النائب، يعلم علم اليقين مصير هذه البنت المغدورة . وفي مشهد القتل المروع للرجم بالحجارة ،تمتع رجال الشرطة ((بزيهم الحكومي)) ،برفقة القتلة ،و في مشاهدة الجسد الطاهر للبنت دعاء وهي ترتعش وتصطك أسنانها تحت تأثير الرجم بالحجارة والكتل الكونكريتية، التي أدت إلى إنهاء حياتها في مشهد مؤلم يندى له الجبين أمام مرأى وأنظار أفراد الحكومة ،عقابا لتحديها الأفكار والحدود والمذاهب والقيم البالية للمجتمع الرجولي .
كان بإمكان حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان أن تحافظ على حياة البنت ،دعاء، لو أرادت . ولكن المصلحة السياسية العرقية والطائفية القذرة لدى هؤلاء ،هي دائما فوق جميع الاعتبارات الإنسانية و أغلى من أية قيم إنسانية، وأقدس من صرخات دعاء المغدورة. فهذه هي حقيقة مسيرتهم الديمقراطية ، ونموذجهم الناجح في الشرق الأوسط !! .
ومن جهة أخرى ،فإن قتل 23 عاملا من الطائفة الايزيدية من قبل زمرة أخرى سفاحة ،هي صفحة أخرى ووجه آخر لجريمة القتل الطائفي والعرقي تهدف إلى تعميق الصراع و القتل على الهوية . فهؤلاء المجرمين لا يختلفون بتاتا عن أولئك الذين رجموا دعاء بالحجارة .فهم جزء من المشكلة الأساسية في العراق. و يريدون بهذه الطريقة الوحشية توسيع دائرة القتال الطائفي لفتح الطريق أمامهم لتعميم الرجم بالحجارة وفرضها كسنة من سنن الطوائف الدينية على المجتمع.علما بأن هذه الزمرة الطائفية من الإسلام السياسي التابع للكتل السنية في مدينة موصل وضواحيها، ترتكب مثل تلك الجرائم بشكل يومي لمن يخالفه الرأي في عقيدتها الدينية الرجعية وتسفك دماء البنات والنساء اللواتي يرفضن خضوعهن لتعاليم وفتاوى الدين الإسلامي. ولها سجل دموي في قطع الرؤوس لعشرات من النساء والفتيات من أمثال دعاء.
لقد كشفت جريمة قتل دعاء بهذه الصورة الهمجية بوضوح الماهية الرجعية للأفكار المذهبية والطائفية الدينية، أي كانت. فرجم بالحجارة ،تسمحا في الإيزيدية كما كان في الإسلام .ولو لم تكن أولئك القتلة من الأكراد الإيزيديين ملتزمين بالمبادئ الطائفية الدينية الإيزيدية ،لما كانت هذه العلاقة الإنسانية النظيفة وهذا الزواج المقدس بين شاب عربي مسلم وفتات إيزيدي كردي، قد أثارت شهيتهم لتقوم بهذه الجريمة الوحشية . إن الجو والمناخ السياسي الطائفي والعرقي السائد في العراق يشكل عاملا ومحفزا أساسيا لارتكاب مثل تلك الجرائم و بهذه الصورة العلنية .
الموضوع الذي تستحق الوقوف عندها، هو موقف الإسلام السياسي من هذه القضية. حيث تحاول جاهدا أن تجعل منها مبررا لإدامة بقتالها الطائفي.ودأبت بإطلاق تهديدات بالانتقام من الأبرياء كي ترعبهم وتخويفهم ومن ثم إخضاعهم لسياسته في تلك المناطق .ومن ناحية أخرى فإن سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني وارتباطاته مع الطائفة الأيزيدية تسببت في تعريض أتباع الطائفة الأيزيدية إلى خطر حرب التصفية العرقية والطائفية. ومنذ انفجار هذا الصراع تحولت مناطقهم التي إلى ميدان قتال وهجمات والإعتداءات المستمرة من قبل حركات الإسلام السياسي والقوميين من العرب والكرد أيضا.
إن عملية قتل المرأة بصورة علنية في العراق وبأساليب البربرية، ليست وليدة فترة الاحتلال فقط.بل تمتد جذورها إلى فترة حكم النظام البعثي المقبور،عندما قامت بقطع رؤوس عشرات من النساء اللواتي أجبرتهن الحصار الاقتصادي لبيع أجسادهن، في إطار حملته الإيمانية الوحشية .
الحملة الإيمانية البعثية ،القتل العشوائي للمرأة وفقا مفهوم المجتمع الرجولي في كردستان ،صدور قرار 137 الجائر من قبل عبد العزيز الحكيم ،بند السابع في دستور إقليم كردستان التي تستمد على الشريعة الإسلامية ،صدور قرار يمنع حصول المرأة العراقية على جواز سفر إلا بموافقة ولي أمرها، وأخيرا وليس آخرا، جريمة رجم الفتاة الشابة ،دعاء، فكل هذه الانتهاكات هي من بركات الحركات القومية والطائفية والمذهبية التي تجرد المرأة من خصلتها الإنسانية لتجعل منهن عبدا للمجتمع الديني القومي الرجولي .
إن محاولات حكومة بغداد وأربيل ، بصمت والتكتم الإعلامي على هذه الجريمة في الداخل والخارج الذي دامت عشرين يوما،قد عجزت وباءت بالفشل أمام موجة الاستنكار واعتراضات الجبهة الإنسانية اليسارية والمتمدنة العراقية والكردستانية التي سخرت بحق جهودا ملموسا لفضح هذه الأعمال الوحشية. مرة أخرى أثبتت هذه الجبهة الإنسانية قدرتها ،كحركة فعالة و مدافعا جسورا عن الحقوق والقيم الإنسانية، وقوة لا يستهان بها فإذا توحدت ونظمت . إن العلاقة الدينامكية بين الخارج والداخل لهذه الجبهة الإنسانية في هذه القضية ،قضية دفن أحلام بنت دعاء ،قد هزت تقاليد ونهج القوميين والطائفيين الذي لم يجف دمائه الطاهرة ، حتى بدأ صرخات المتظاهرين للتنديد بهذه الجريمة كان قد يصم الأذان في كردستان العراق .
الأسباب الكامنة وراء هذه الجريمة التي تساهلت معها الحكومة العراقية في بغداد وأربيل ،هي نتاج المد الطائفي الديني والعرقي في العراق .تعددت الأسباب والمحصلة واحدة وهي أن السلطة في العراق وكردستان لا تريد أن تفصل نفسها عن هذه الأفكار والحركات. بل يعتمد عليهم ويساورهم كجزء منهم .ومن سمع تصريحات وزير أوقاف إقليم كردستان حول هذه الجريمة ،الذي أصبحت مثار تندر واستغراب الناس ،يستنتج بأن هؤلاء لا يريدون أن تضع حدودا لتلك الجرائم بتاتا بل تحاولون تقديم المبررات الدينية والطائفية لإضفاء الشرعية بهذه الجرائم.
4-5-2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية