الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة بين الجِينات والجِنِّيات !

سامي العامري

2007 / 5 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


استبشرنا خيراً بزوال الطاغية , وفي هذه الحالة , الحالة العراقية يكون استبشار العاقل والضحية في محلِّه فهو يدرك بعمقٍ الطبيعةَ الإجرامية المهولة للنظام السابق ويفرزها ببصيرتهِ وقبل هذا بجروحه التي ما زالت تصاحبهُ في حَلِّهِ وترحالهِ فما يحصل الآن مهما تمادى في الغَيِّ والعُتوِّ واللا مسؤولية بل واللا إيمان ما هو إلاّ دليلٌ آخر على مدى الخراب الذي أحدثهُ الزمن العفلقيّ في الكثير من النفوس وهو صنيعة بعثية بامتياز ولا يُهمُّ ما يرتدي من مسوح , انفصالية , طائفية , قومية , تكفيرية وهذا التبعيث اللا شعوريّ يجسِّدهُ – أوّل ما يجسِّدهُ - عدمُ المبالاة إزاء تناثر أجساد الضحايا بأحلامها وأحزانها وتأريخها , ورغم الأسى والإحساس الشقيِّ بالظلم فانه دون شكٍّ كان مفترَضاً او على الأقل كان الشعور بالخوف من حصول ما هو قريب منه موجوداً وكان على العاقل أن يُعدَِّ نفسهُ لمواجهة بعض تداعياتهِ لأنَّ الماضي القريب لم يكن عادياً بكلِّ المقاييس ولا أظنُّ أنَّ إنساناً يمتلك أخلاقاً ووعياً يتمنّى عودة الحكم السابق او أيِّ حكمٍ على شاكلتهِ درءاً لخطر الحالة الراهنة وتمزّقاتها وحتى لو تمنّى بعضهم ذلك فعجلة الزمن لم تعدْ حديدية متباطئة في المعيار المعاصر وليس فقط لا يمكن إرجاعها الى الوراء بل لا يمكن إيقافُها او في الأقل التقليل من سرعتها , إنها رهيبة السرعة ونحن مرتبطون بها وإن كان ارتباطنا لا يزال هلاميّاً وغير مُحدَّد المعالم وهذا الخراب أيضاً والذي كنا نأمل أن يقف القدرُ الى جانبنا فيجعله أقلَّ وحشية , ليس غريباً على تربة تشرَّبتْ تأريخياً بالدماء وإنْ كان الأعنف والأفظع إلاّ أن المقاييس العالمية الآن اختلفتْ فما عادت الكثير من المفاهيم تحمل نفس المدلولات السابقة في الغالب والتي كانت تنتمي لحقبة الحرب الباردة كالوطن الواحد والحدود الواحدة بالمعنى السياسي والجغرافي او اللغة الواحدة او الثقافة الواحدة بمعنى الإنعزال داخل أُطُرٍ قومية مُحكمة الإغلاق فما يقع اليوم للعراقي مثلاً أصبح يُؤَثِّرُ على الأمريكيّ والصينيّ والقوقازيّ وبالعكس ,
إنه الإقتصاد , هذا هو الوطن الجديد الذي أصبح العالم ينضمُّ تحت لوائه وهو كاسحٌ لنا وكاسحةٌ لنا كذلك علومهُ السياسة بوعودها , بجيناتها , بجِنِّياتها !
ورغم أنَّ لدينا من الجِنيّات ما يكفي إلاّ أنّ واحدة منها لفتتْ نظري أكثر في مرحلتنا هذه وهي أننا برغم ترديدنا - ترديداً ميكانيكيَّاً طبعاً - القولَ المأثور للإمام علي : مغبونٌ مَن تساوى يوماه . فأيامنا ما تزال متساوية متشابهة تندبُ بعضها البعض , أيامنا توائمُ نَسَخَها الزمنُ نَسْخاً تحسدُنا عليه العلومُ الحديثة
والطبُّ الحديث !
وأعود فأقول ما صار بديهية : إنه الإقتصاد , السوق هو ما يرسم العلاقات الدولية ومهما كان رأيك بنمط الدولة هذه او تلك فلا بدَّ أنك واجدٌ نقاطَ تلاقٍ معها أمّا العقلية الآيدلوجية التكفيرية فلن توصلنا إلاّ الى مستنقع الإفلاس الأبدي حيث نبقى نعوم في نفس الترعة ومع نفس الضفادع !
إنَّ الحضارة الحديثة تحاول إعادة الإعتبار لمبدأ التعاون المشترك الذي استُهلِكَ
بفعل رطانة الساسة او ربَّما إنها , أَيْ الحضارة , في بعض أوجهِها تحاول إعادة الإنسان سواء بشكلٍ واعٍ او غير واعٍ الى جذوره الأولى حيث لا تَمايُز إلاّ بقدر ما يتعلَّق الأمر بنوع الإستجابة والتفاعل والإغناء , ومن الحَيف أن يكتفي المرء او الدولة بدور المتفَرِّج ,
إنك ترى سلبيات هذه الحضارة وإجحافاتها وهي كثيرة ولكنْ طبيعيٌّ أنَّ الحلَّ لا يكون في مقاومة هذه الحضارة فهذا عبث وألعابُ صبيان وإنما العقل السليم يقول : عليك أن توجِّه لها نقداً وتقترح وتبادر وحتى تلعن اذا كنتَ مؤمناً بأنَّ هذا العالم مارقٌ وينمو ويترعرع في حضانة إبليس !
الحلُّ أن نجعل أنفسنا ننتمي ولو نفسياً لهذا العصر ونعتبر أنفسنا مسؤولين ومَعنيين بما يحدث له إنْ سلباً او إيجاباً
إننا ابتُلينا بمشكلة أسمِّها اللف والدوران فلا أحدٌ يقف على رأي ثابت في القضايا المُلحَّة وأتذكَّر وانا فتىً في السابعة عشر من العمر أني سمعتُ جملة : لا يا مولاي , صحيحٌ أنّ ما ذكرتَهُ آيةٌ قرآنية ولكنَّها حمّالة أوجه .
وهذا التعبير العتيد ( حَمّالة أوجه ) هو الذي يجعلنا عموماً نُفسِّر جوانب حياتنا الحساسة وأحياناً المصيرية تفسيراً لا يخرج عن المزاجية فإنْ قلتَ له إن القرآن على سبيل المثال يقول : تعالوا الى كلمة سواء بيننا . فانه يجيبك : ومَن رضي غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منهُ . وهكذا .
إنَّ الحرص على الدين الحقيقيَّ لا يتمُّ من دون إستنطاق خطابهِ الإنساني وما فيه من قيَم سلمية عادلة متسامحة أمّا أنْ تأتي إلى الناس بمُفخَّخَتكَ ناسياً أنْ لا إكراه في الدين فهذا شأنُ الذين لا يسأمون من الإساءةَ للدين وشأنَ البعثيين حينما جعلوا مفردة العروبة أشبه بالسُبَّة لتفنُّنهم بالمزايدة عليها وفيها .
كما أنّ الحرص على نَيل الحقوق القومية هو الآخر لا يحصل إلاّ من خلال
النهوض ببلدٍ غنيٍّ حُرٍّ آمنٍ موحَّدٍ , لا عن طريق الإستعانة بالظَلَموت !
إنَّ معايير الحداثة اليوم تتخلَّلنا كالهواء فهل تريد أن تناصبَ الهواءَ العَداء ؟!
لا مَخرجَ لنا إلاّ بالمشاركة الواعية لعصرنا وأن نعيشه بتحوّلاته ونجاحاته وإخفاقاتهِ وفي سعيه لكسر الرتابة فما نراه اليوم من منجزاتٍ ستصبح في عرف العالم المعاصر خلال عقدٍ او عقدين من الزمن أشياءاً شديدة الكآبة لتكرارها ورتابتها , أمّا صلافة بعضنا القائلة بإمكانية العيش دون الحاجة الى التعايش مع الغرب الكافر فهذهِ تذكِّرني بمقولة أخرى قريبة منها كان يحلو لرفسنجاني أن يردِّدها حيث يقول : إنَّ ايران قادرة على العيش دون أمريكا .
هذه رؤية رجلٍ لا يستطيع قراءة الأحداث والتطورات الدولية بعناية وهو قولٌ فيه الكثير من الغرور وأمّا عن حالة العراق في عهد المخابرات والمعتقلات والقبور الجماعية فكان صدام يجيب عندما يُسأل عن إمكانية ممارسة الديمقراطية الحديثة في العراق بالقول : لا , إنَّ وضع العراق يختلف . وهو في الحقيقة تهرُّبٌ او تبرير لدكتاتوريتهِ او للـ ( ديمقراطية ) البعثية التي وضعتْ العراق على حافة هاوية سحيقة وأرجعتْ الحاكم مرّة أخرى الى فترة النضال السلبي ( نضال الحفرة ) !
لذا فحالنا اليوم بوجود التيارات التكفيرية ودعاة النفاق القومي والبكاء زوراً على ضياع هوية العراق أقول : إنّ كلا الطرفين يجهلان العراق الذي عاش العديد من الإحتلالات في تأريخه القديم والحديث وهما يردَّدان نفس النغمة الصدّامية بينما العراق يتقافز بينهما , بين هذين الفريقين الأحمقَين كرجلٍ يتقافز حافياً على صفيحٍ من جمر , وأظنهما قد باركا القرار الأخير والحصيف جدّاً والذي يقضي بمنع سفر المرأة العراقية دون موافقة ولي أمرها !! هذا القرار الذي يعامل المرأة في وطنها وكأنها أسيرة حرب ! أقول : نعم , إنّ البعثيين يُطوّبون مثل هكذا قرارات وكل قرارٍ من شأنه إشعال الفتنة أكثر والى جهنم بـ ( حرائر العراق ) ! وهما , السلفي والصدّامي بتنافسهما على حيازة ميداليات الفضائح ولشدّة غفلتهما يُذكِّراني بالحكاية التالية التي حصلت في فترة من فترات العهد العثماني إذْ يقال أنهُ زارَ مُفتي أنقرة مُفتي الشام في الشتاء وبينما هما يجلسان حول النار قال مفتي الشام : النار فاكهة الشتاء . فردَّ عليه مفتي أنقرة قائلاً : صدق الله العظيم .
فكتَمَ مفتي الشام هذا الخلط وفيما بعد زار مفتي اسطنبول مفتي الشام أيضاً فحكى له مفتي الشام تلك الحكاية فردَّ مفتي اسطنبول قائلاً : سامح الله صديقنا مفتي انقرة , لا يعرف التفريق بين الآية القرآنية والحديث الشريف !!
********************************************
كولونيا – مايس – 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة