الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
امسح واربح
كامل عباس
2007 / 5 / 5الادب والفن
قصة قصيرة
هذه القصة مهداة إلى المعتقلين السياسيين – السابقين منهم واللاحقين - من أبناء المرحوم وجيه البني ( يوسف , ابراهيم , سحر , أكرم , أنور ) مع كل الحب والتقدير .
كامل عباس – اللاذقية
كل يوم لهما رحلة يُجران بها عربتهما المشتركة من أمام دارهما الواقعة في حي العمارة القديم بدمشق , مرورا بسوق القزازين , وصولا الى ساحة جامع الفاروق في الشارع الرئيسي , هناك يبيعان الأقلام والدفاتر في الخريف , و الألبسة الداخلية في الشتاء ’ والخضار والفواكه في الربيع والصيف , لم يكن المشوار هينا عليهما بداية الأمر ’ ولكنهما الآن محسودان ودخلهما أصبح كافيا لتصريف أعباء الحياة اليومية من طعام وشراب وسكن ويزيد أيضا .
نبت على طريقهما في الأشهر الأخيرة كثيرا من بياعي اليانصيب الجديد – امسح واربح- كل بياع أمامه سحارة خشب مقلوبة غُلٍفت بغلاف أنيق من الحرير ووضع عليها رزمة من دفاتر اليانصيب , وما على الزبون سوى اختيار إحداها , وحك الورقة ليتعرف على حظه في الحال , نعم إنها طريقة قديمة جديدة - كما يقول هادي - تستعملها دولة التقدم والاشتراكية , من أجل دعم الخيار الاشتراكي في سوريا , وجديدها هو مسايرتها لروح العصر وسرعته الصاروخية , وتجاوزا للروتين السابق حينما كان ينتظر الزبون إلى يوم الثلاثاء ليعرف النتيجة ’ والمؤسسة الجديدة هي كالسابقة ستخفف من البطالة وتؤازر أطروحة السلطة الجديدة حول اقتصاد السوق الاجتماعي , لأن ريع المؤسسة سيذهب لدعمه !!!
هادي عبد الرحمن وعادل عد اللطيف , صديقان حميمان تعّرفا على بعضهما في رحاب العالم السفلي حيث مكثا عشر سنين مشتركة فيه , ومع آن القاعدة هي أن يخرج السجناء الذين أمضوا سنين طويلة مع بعضهم وقد مل كل منهم الآخر , الا أن لكل قاعدة استثناء , ومع أن تلك السنون كانت حبلى بالمتغيرات , بحيث تكسرت أحلام كل الرفاق تقريبا , إلا أن هادي وعادل بقيا كما كانا أمينين لمبادئهما , وفلسفتهما كانت وما زالت أن الإنسان سيموت بالنهاية وتأكل عيناه الدود مثله مثل الآخرين سواء كان صاحب ثروة وجاه ونفوذ في الحياة ,أم كان فقيرا معترا لايملك شيئا , وان ما يعطي الحياة معنى وقيمة هي عمل الانسان من اجل غد أفضل لأخيه الانسان .
في ثرثراتهما الدائمة كان عادل وهادي متفقان دوما على إدانة سلوك العديد من الرفاق الذين انقلبوا على ماضيهم , ولم تعد القيم تعني لهم شيئا , وهما يتذكران بحنان حقيقي تلك الحياة المشتركة داخل السجن , وكيف كان يوزع كل ما يرد لهم من نقود وطعام ولباس على أرضية احتياجات كل رفيق منهم بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى ’ وكانا يظنان ان تلك الروح ستبقى سارية في زمن الحرية , وعندما خرجا وشهدا الانهيارات الكبرى على الصعيد العالمي والمحلي ’لم يستغربا سلوك العديد من الرفاق الذين نا لوا تعويضات ليست قليلة بسبب كونهم موظفين عند الدولة , فقط حادثة واحدة أثارت اشمئزازهما ’ كان صديق مقرب جدا منهما يعمل في شركة رفضت إعادته الى عمله , فرفع دعوى ضدها , بنفس الفترة كان عادل وهادي يبحثان عمن يقرضهما مالا من اجل شراء عربة ولوازمها كنقطة انطلاق في الحياة الجديدة ’ وقد أقسم الصديق بأنه سيتبرع لهما بما يلزم إذا ربح الدعوى ونال تعويضاته ’ ولكن عندما تم له ذلك تنّكر لوعوده .
في طريق عودتهم هذا اليوم صارح هادي عادل بأنه ينوي شراء بطاقة يانصيب , ورجاه أن يوافق على ذلك كون الغلة كانت أكثر مما كان متوقعا , دهش عادل من طلب هادي , وحاول إقناعه بأن عملا كهذا هو ضرب من ضروب القمار , ولكنه رضخ لطلبه بعد أن أخذ منه وعدا بأنه لن يكررها مرة أخرى .
حك هادي بطاقة اليانصيب وكانت المفاجأة بحملها رقما يربح ثلائة ملايين ليرة سورية دفعة واحدة .
ذهب هادي الى المركز المخصص لاستلام المبلغ , في حين تابع عادل طريقه إلى البيت , أفكار عديدة عبرت في مخيلته وهو يدفع العربة أمامه , كلها تدور حول الجائزة , ومع أن جوائز أيام زمان المشابهة كانت تحمل الصحف لتعنون عن ولادة مليونير جديد في البلد , لكن الجائزة الآن بالكاد تشتري بيتا متواضعا في أطراف دمشق .
استقر رأي عادل أخيرا على العمل لكي تكون الجائزة نقطة انطلاق لافتتاح دكان مشترك لبيع الألبسة الجاهزة, ففي ذلك ضمان لمستقبل عادل وهادي وأولادهما , وهذا المشروع يوافق ميول وتطلعات هادي أكثر من أي مشروع آخر .
انتظر عادل طوال الليل عودة هادي ولكنه لم يعد حتى الآن !!!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر
.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24
.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع
.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث
.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح