الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زوايا مهرجان الصمت

ازهار علي حسين

2007 / 5 / 6
الادب والفن



الساعة الثالثة صباحاً ، عيناها مزمومتان بخوفٍ ، مشدودتان بظلامهما للهلاك ، لم تكن لتسمع غير نبضات قلبها ، تتراوح متلاشيه في عصف الطائرات ، المنسحبه في عمليات إستطلاع أو تنفيذ ، ثم لتنتظم لحظة وقع الزمن المخذول .
في الغرفة الظلماء ، تحركت ببطيء نسمات رعبٍ شتويه ، وخمدت أيّ حركةٍ أُخرى . كان شخصها القابع في دفيء الدثار ودفيء الجسد المأخوذ بإنفعالاتها ، يشكل بحذر ، كتلةٍ ما الى جنب قطع الأثاث المتناثر في المكان، رأسها يكاد وبشكلٍ ما يدخل صدره ، الحيطان تهتز ، الأرض تتزلزل ، وجسد المرأه يرتعش ، كسعفةٍ في مهب الريح ، المنظر غير مباح ، الأضويه محرجه دون الكهرباء ، أو بها ، وعادت ضربات الزلزال قويه قريبه ، وعادت الجدران تختضُّ نافرةً عن الأرض، وإنفجر فاها ، بصرخةٍ لم يدرك مداها ، إنها تتزلزل ، تنهار مثل الجدران ، تحاول الفرار من نفسها ، فهي تدرك إن بالقرب من دارها ، هناك ما يمكن أن يكون هدفاً لقصف الطائرات .
فجأة تتشنج بحركه هستيريه ، لحظة إنهيار قاتمه ، رشّ جهها بالماء ، حاول تهدءة جسدها المتخشب بالتحريك والتدليك ، بلل خرقة تحسس بها على أجزاء جسدها ، ليتحسس أخيراً في أناملها الحياة ، ويتركها لترتاح بإغمائتها عما حولها ، و مقرراً معرفة ما يدور حوله ، ذلك الذي لا يدرك ماهيته ، أو سبب رعبها منه، فتح النافذه المسكونه بالهلع ، مناظرالوحشه تستبيحها ،في عتمة ليل لاتنيره سوى الكشافات العسكريه، جثث مقطعه، أشلاءٌ متناثره ، دورٌ مهدومه على ساكنيها ، دماءٌ آلت أن تصرخ على إسفلت الشارع مترنحه ، يميناً وشمالاً ،معلنةً عن خللٍ ما يكدر الإنسانية ، إنه الموت إذن ، البشاعةُ العتيقه ، ورآها....تسرب إليه أخيراً ..............
الرعب ، كائنٌ مستحكم ، قاسٍ ، دفين ، يكسّـركل متاريس الصمت ، التي إرتفعت عالياً ، متحدية عملقة جسده ، قوته وشدته ، ورآه طاغ ، ٍ ذلك الكائن المتأصل في القلب ، يلحس أجزاء جسدها المتخشب ، ويترك جسده منفلتاً ،يرتجف كقصبه ، وكمــن يصحى على نفير بوق ، إنتبه لشفتاها تتحرك ، أحسه فزعها ورعبه ، باهتا مثل كل الأصوات من حوله ، إلا صوت رغبته فيها ، جليا ً، واضحاً، متحدياً ، يدها باردةٌ كالثلج ، رخوة ترتعش ، تناولها بين يديه ، بدت كأرنب ٍأبيض ناعم ، بين يدي دب ، فجأة ....إرتطام ، إرتجاج ، النوافذ تتقيء زجاجـها ،

,الأرض تترنح ، عادت المرأة تدفن رأسها في صدره فاغرةً فاهابصرخةٍأخرستها ، حمى الإنفجار ، الأفواه ..تصدر أصواتاً ، لاتدركها أذناه ، الأفواه مفغورة ٌعلى الدوام ، ضاحكة ، صارخه، ممطوطه ، مكشره ، لغط.. لغط .. لغط..
لايدرك منه إلاحركة الشـفاه ، عالم الإرتجاجات ، تميد به الأرض ، تنفلق عنه النار ، يتوقف له الزمن، أفواهٌ.. أفواه ، وقانون غريب هو الزمن ، عجلةٌ تدور على هواهـا ، مع عقارب الساعه ، عكس عقارب الساعه ، ترسم أفاع ، تحلّ نواتها.. لامقياس ..
إنه قانون غريب ، يرتب الإرتجاجات ، والأمزجه ، والأشكال ، ويحكم بانه مسخ ، هجين ، تتقزز لرؤياه العيون ، بفزع ينبثق عن الأفواه في إرتجاج ما ، تحكمه ذكرى أسى ..
أبوه جثةٌممدوده ، جاحظة العينان ، ترنوان ببهوت ، بيأس ، بألم ، بعملقه ....
وجه ناءٍ ، شاهق، تيبس عليه الدم ، دون إرتجاج شفاه ، جسدٌ ممزق الأشلاء ، ما زال دمه ينزُّ دما ً، كثيفاً ، دبقاً ......
وهو وقف ، يترقب ، يتفحص العيون ، جاحظةٌ من حوله ، والشفاه ... لا إرتجاج ، عيناه إرتعاشة عود بوصلة ، وجسده يتقبل ، إرتعاشة ، إنفلاقه ، رحلةُما لاتتلقاه أُذنيه .... ولاإرتجاج.... الأعين متحجره ، يستـحكمها كائن الصمت ، هلامي ، قاسٍ في الزوايا ، ثم يتيبس على أطراف الأنامل ، مشحون بآلاف الأسئله ، نأمه صغيره قد توقظ الممدود ، سقوط كلمه، إرتعاشة جفن خجله ، رقصة ذؤابة الفانوس الشاحبه ، كتله تحجرت بالصمت ، وبردت ، لتنغرز ، في الأفخاذ المخدره ، وأفواه لاتنطق ، نطقت ..... بلا صوت ، صرخه ، جفل لها الجميع :. آه..... بـــــــه ................
وإنحدرصوته مسطحا ً، متأرجحاً، نابضا ًكجناح فراشه بين يدي طفلٍ عابث .........................
لقد تسرب إليه أخيراً ,ثم إنفجر في عينيه كنفسٍ مبتور....
الأرجل تدب على الأرض متحاشيه إصدار صوت ، وقعها يتلاشى كمن يخطو على لحاف قطن ، والشمس قنبلة إنبثقت ، ملتهبه ،وكقبلةٍ أخيره ، شرد الضياء ... أباح التراب ظلماته لها ، وسحبته عن النظر يدان معروقتان ، أحسّ ويداه الطفوليتان تعاني مقاومتهما ، نبضهما دافئاً ، وينزف التراب دماً ، واليدان تسحبانه ، إستيقظ التراب ، الأرض تحنو تفغر فاها ًيبتلع الأسرار كعينيه ، وتنبت الأسراراً ، الأفواه مفغوره ، ثم تزّم ، تقفل ، وتسبل العيون تائهه في جحيم ظلامها ، تعقد بقوه كعباءة ريفيه ، على كارة شوك(1) مرصوصه ...
نبوءة الرؤيا ، تتوسط المدى ، مابين رؤاه ، والعيون المسبله بخذلان ، في ظلام الغرفه الداكنه ، وشبح رقيق في طريقه إليها ، يتوضح معالمها ، وسط زعيق سيارات الإسعاف ، وسيارات الحريق ، ولطم المنهارين ، وقوة المنقذين ....
إنه صباح جديد ، يتوسد جرح بغداد ، دون قدرة على إيقاف نزفه ....
إنها اللحظه بالذات ـ زمنٌ مبتور ـ شعورٌبظمأٍ لايروى ، لساعتين وهو يدور ، يمشي في الشوارع مستعجلاً اللحظه ، تمسكت به قبل أن يغادر ، يداها الخائرتان ، تعلقتا بقدميه في توسل يائس ، كانت تبكي وتصرخ ، أحسّه رعباً مؤلماً ذاك الذي تملكها ، سوى أن رعباً هائلاً كان قد تمكن منه ، مجنوناً ,، ينادي ، تلاشى عجز أذنيه ، ودار في زوايا ذاكرته ، ذكرى العم ( حسان ) ، (آنا ) ، كل ما تمتلك حنجرته من قدرة ، للفظ إسمه ، العم حسان يخرج رزمة نقود ، يلوّح له بها ، وأحد تماثيـل المتـحف ، بيده الأُخرى ، ومع الوقت .. أدرك أن كل ما هناك ، ثمين ، ثمين ..
خرج ضارباً وراء ظهره ، كل خوفه ، ورعب المراة التي توسلت به ليبقى الى جنبها ، وشعرة من حنين تجذبه ، تجره أليه ، وكلماتٌ تتلاشى كالسراب ، من فمٍ مايزال ساكناً...... يتحركُ تائهاً ، حركاته تمتد ، تمطُّ بلا عياء ، تخاطبهم ، تحاور اجزاء المكان المسكون بعبق الماضي ورائحه، متفاعلةً بهاجس الخلود ، كانت تولد في نفسهِ ، شيء ما يتنفس ، ويترك له شعوراً بالأتصاق والتجذر ......
كان يدور بين الانقاض ، وزلزال الدبابات ، تتحرك بثقه في الشوارع ، تعلوها وجوهٌ قرمزيه ليس يظهر سواها.....
قطع الطريق أمام منظر الطائرات القاصفه ، والارض المقلوبه ، رأساًعلى عقب ، الناس مذهولين بالمصائب ، والدم يتدفق من الاجساد مثل نافوره ، تذكر مناظر القرابين المنقوشه على حجر المعابد ، المشهد يرتجف فزعاً ، ولشدّ ما تبدو الطريق طويله ، مغبره بالبارود ، وفي السماء لم ير غير إتقاداتٍ تملأ الوجود بالنار ، لحظةٌ تمثل لغزاً ، داكناً، كضمير الأنسان ، الزمن يتحول امامه ، واليدان تسحبانه ، العم( حسان ) يتركه على الكنبه الوحيده في الغرفه ، مرتعب ، صغير ، مسخٌ ، يكتشف


القبح المتأصل في وجه وجسده ، يتعلق نظره باليدين المعروقتين ، ، يمنحهما النبض الدافئ ، قوةً صخريه ....
وعُرف العم ( آنا) العائل الوحيد للمسخ الصغير ، يمنعه عن الناس نهاراً ، يمنعه عن الناس نهاراً ، ويطلق له حرية تؤطرها جدران المتحف ليلاً ، قاتل وتمرد البدايه ، لكنه إستسلم لحبسه في الغرفه الصغيره نهاية الأمر ، كما إستسلم للمكنسه وخرقة القماش في الليل , يتحس بها الأجساد الحجريه ، نساء السواد ، أثداء بارده ، عيون تحدق في وهم ، شفاه لا تنتفض ...
هرب الى الشارع مرات ، لكنه وفي النهايه عاد الى غرفة العم (آنا )
مخذولاًً ، لايحتمل سنخ دمامته أي ُّ مأوىً سواها ، ودّ لو إمتلك دكنة الليل ، ليحيلها الى نهار، يرى الناس به ومن خلاله ، وأترع صدره عذابا ً ملون ، ألف إحتمالٍ أبحر في راسه ، تلك اللحظه ، ولشدّ ما غبط حريته ، حرية ذلك اللغط المتسرب على الشفاه ، ينحدر وراء مأساته الموشومه على جدران تلك الغرفه ، لحارسٍ إنتهت حياته ، العم ( آنا ) مات ، بي دفنه بيديه تحت ستار الأرض ، إذن اللحظه زمنه ، لن يمنع حريته مخلوق ، لن يهتم ولو فزعت لرؤياه الدنيا ، الزمن لايعرف الإستقرار ، والتيه كان هوايةٌ ممتعه ، تاه في الأزقه ، إختار الكون المتوهج داراً ، والحريه لحظه ، لحظة تيه ، تمنحه شربة ماء ، تروي ظمأه ، رآى المدينه ، تعلم من جوعه وعطشه كيف يعيش ، عمل صبياً في قهوه ، نام على البلاط البارد ، وإستمتع بدفئ شتاء فرن عمل فيه ، سنة كامله ، وهناك عرفها ، إمرأةُ تروي ظمأً أطبق على زوره سنوات ، إمرأه إعتادت إبتياع الأرغفه ، وأيضاً إعتادت لغة الإشارات المبتوره التي يتعامل بها ، ودعته أخيراً ، دعت الدمامه ، إقتادت المسخ بعطشه المطمور ، مشى معها ، وقد أوشك بأن يكشف للجميع ، انه سيرتكب خطيئة الحب .....
ـ قالت :.كن زمني ... كن حولي ...كن الأمان وحسب ...
وأحسه كلامها ، عرف معانيه ، دون سماعه ، ورآها ( شبعاد ) مزدانةٌ له ، ( حليمه ) بزينتها المهرجانيه ، تجره إليها بحنو اللحظه ، ثم تنهار هشيماً وتبرق ( شبعاد ) مونقه ، جميله ، وحلم تلك الليله أن (أباركي ) يقف أمامه محارباً ، مدججاً بالسلاح ، ثم ينفجر بغيضه ويتلاشى ... خيل إليه والوهم منتصبٌ أمامه ، أن الريح البارده تمرغ وجهها على الأرض ، وتغرقها بفيضانٍ أزرق رقيق ....
لو يدري أيُّ زمنٍ يحمله الآن الى العالم الذي طالما تخيله وتمناه ,أمنية سنوات الحرمان ، في خضم ِالقصف والسلب ، يلتمس اللحظات ، عطشى تثير في الجو سحراً ملغوماً بجنون العالم .....
ورآه أمامه جاثم ، موحش ، فتحت ابوابه وشبابيكه ، والأيدي تنهش , تحمل لظاها ، ودّ لو يبكي عند عتبته ، كبكاءه ذات يوم أمام ( أُوركاجينا ) رآى حينها حركة الأنهار والأشجار ، وعيون الشمس تلمع في عينيه ، حزن ، وكان عليه أن يحدد موقفاً ، من خلال فوران الدماء في راسه ، في لحظاته المدمره ، كان يستطيع قصم ظهر أضخم رجل ، وهاهي ذي ، تتراكم أمامه ، كل لحظات الدمار ، في لحظه ، يراها جواثم سوداء ، أو رماديه ، ومن إطلالة سؤالها ، تنهش ماضيه ، وجوابها سنوات الحلم المنهار ، وأعوام الرؤى العطشى ، إنهم يستغيثون ، حبيبته ( شبعاد ) تتناولها أيادي المغتصبين ، و( شاسا) حازمة العينان ، ( كوديا ) لا يستطيع الهرب من ساحة المعركه !؟
السؤال يرتعش كاللحظة المتوّجه بالقلق في رأسه ، ( كوديا ) لن يهرب ، لن يتراجع .....
ركض ، دار الظلام في رأسه ، لالون له ، إلتقط ما إستطاع من القطع المتناثره ، مرّ أمامه ملثم طويل القامه ، يحمل قطعتين ، يحاول الفرار بهما ، تلاشت صورته ، ضاعت بصيرته ما بين الرأس الداميه ، والقطعتين ، تفصلهما الماء المنسحبه على البلاط ، وأحسّ هدوءاً قارصاً يفرض على هواجسه رضىً عميق ، ترنح مابين الجثة أمامه وقطع الآثار، ومعدن ُ غريب ينثر موتاً ويدوي مالا يسمعه ، ويستقرّ في رأسه الدميم ، حبيسة مدمره ، ويداه تحتضن أفراد عائلته مخبةٌ بالأحمر القان ..........

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(شبعاد ): ملكة من بداية السلاله الثالثه ، زوجها الملك ( أباركي ) ،
كانت مهتمة بالذوق العالي والزينه النسائيه ، وكانت هي من
أوعز للنحاتين والفنانين ، بصنع التاج المعروفه ، وأيضاً
الأواني الذهبيه المنقوشه .
(كوديا ): ملك لكش ، عاش في السلاله الثالثه ، رجل سلام ، حارب
حارب حرباً واحده أجبر عليها .
(أوركاجينا ): أول مصلح إجتماعي في مدينة (نين جرسوتلو ) وأول من
نادى بالحريه .
(ساشا ):زوجة (أوركاجينا )وهي إداريه حاسمه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كارة شوك : الشوك نبات طبيعي يستعمله أهل الباديه والريف كوقود
والكاره , شوك مرصوص بقوة في قطعة قماش ، أو
أوعباءه نسائيه ، تعقد عليه بقوه ، وهي كلمه عاميه ,
يستعملها أهل الجنوب ,في العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس أخطر مشهد لـ #عمرو_يوسف في فيلم #شقو ????


.. فيلم زهايمر يعود لدور العرض بعد 14 سنة.. ما القصة؟




.. سكرين شوت | خلاف على استخدام الكمبيوتر في صناعة الموسيقى.. ت


.. سكرين شوت | نزاع الأغاني التراثية والـAI.. من المصنفات الفني




.. تعمير - هل يمكن تحويل المنزل العادي إلى منزل ذكي؟ .. المعمار