الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأكراد والعرب .. أية علاقة؟

محمود الباتع

2007 / 5 / 6
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


لم تكن اتفاقية سايكس بيكو مجرد توزيع لمناطق النفوذ أو حتى اقتساماً لتركة السلطنة العثمانية التي كانت قد لفظت أنفاسها للتو بعد معاناة طويلة من سلسلة من الأمراض وتبادلها بين قطبي التحالف الغربي العالمي آنذاك وهما تحديداً فرنسا وبريطانيا العظمى وقتها وإنما كانت عبارة عن عملية زراعة خبيثة لأشد حقول الألغام السياسية شدة وتفجراً عبر التاريخ القديم والحديث أصابت وما زالت تصيب بشظاياها الفتاكة مصائر ومقدرات شعوب هذه المنطقة التي زرعت فيها بعناية ولؤم شديدين.
أفرز التواطؤ الاستعماري الحديث من خلال سايكس بيكو واقعاً جديداً على تاريخ المنطقة الممتدة بين جبال طوروس وزاغروس وبين الساحل الشرقي للبحر المتوسط وبعمق يصل في امتداده إلى تخوم الجزيرة العربية مشهداً جيوسياسياً لم يكن مألوفاً في ما مضى، قامت على إثره دول وليدة لا تشبه في كثير من ملامحها أيا من تلك التي عرفتها الجغرافيا أو شهدها التاريخ، ولعل أبرزها ذلك التخليق الاصطناعي لدولة إسرائيل وإقحامه في ما يشبه الأمر الواقع على حاضرنا وماضينا ومستقبلنا وتحويل أبناء شعب فلسطين إلى مشردين ولاجئين في دول الجوار ومنها إلى شتات العالم. وفي عملية تحمل نفس البصمات تم إلى تمزيق أوصال الأمة الكردية في عملية قص ولصق مفتعلة ومصطنعة في الوقت نفسه شديدة الشبهة أدت إلى إلحاق أشتاتها المبعثرة بأربعة من تلك الدول التي نشأت على أنقاض الدولة العثمانية المنهارة وهي تركيا الحديثة والعراق وإيران وسوريا ما أدى بالأمة الكردية إلى أن تفقد هويتها بين تلك الهويات الوليدة وأن تتوزع انتماءاتها بين هذه الأوطان الجديدة.
لا يبدو مستغرباً ذلك الربط الاستعماري بين فلسطين وبلاد الكرد التي يربط في ما بينها في الذهنية الأوروبية ذلك الإخفاق التاريخي للفرنجة عل أرض فلسطين وانهيار أحلامهم فيها على يد السلطان الكردي صلاح الدين الأيوبي في حطين ولا يدهشنا أن أول ما قام به الجنرال الفرنسي غورو بعد دخول جيشه إلى دمشق بعيد معركة ميسلون الشهيرة هو أن قصد مرقد صلاح الدين الكائن خلف قلعته المنتصبة على أسوار الشام العتيقة ليضرب بكعب بندقيته جانب ذلك الضريح صائحاً بشماتة معيبة "ها قد عدنا يا صلاح الدين" في تصرف قد يلقي بعض الضوء على جذور ما جرى لاحقاً من انتقام وتشفي بحق كل من الأكراد والفلسطينيين والعمل على تشتيتهم ونفي هويتهم السياسية والتاريخية والثقافية.
بحسب المؤرخ الكردي محمد أمين زكي والمتوفى عام 1948 فإن الكرد هم ذلك الشعب الذي يعيش في مناطق متجاورة من تركيا والعراق وإيران وسوريا يعرفها المؤرخون باسم كردستان، ويتألف الشعب الكردي عموماً من فئتين الأولى هي التي كانت تقطن أراضي كردستان منذ فجر التاريخ ويسميها محمد أمين زكي بشعوب جبال زاغروس، أما الفئة الثانية فهي موجات مهاجرة من الشعوب الهندو أوروبية التي استوطنت أراضي كردستان منذ القرن العاشر قبل الميلاد واتحدت مع الشعب الأصلي لتلك البلاد ليشكلوا معا ما بات يعرف بالشعب أو الأمة الكردية التي نعرفها اليوم.
تعايش الأكراد والعرب في تآخي وجوار نموذجيين لدرجة أن كثيرين من الأغراب عن هذه المنطقة ما كانوا ليحسبون الكرد أمة غير عربية والحقيقة أن الأكراد شعب مستقل في هويته وثقافته وجذوره كان أن جمع الإسلام بين العرب والأكراد حيث اعتنقه معظم أبناء هاتين القوميتين وأصبحوا معا من أبناء القومية الإسلامية التي لا فرق فيها بين عربي وعجمي ولا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى ومن هنا كان السلطان صلاح الدين الأيوبي المسلم الكردي هو أحد أعظم القادة "العرب" في التاريخ.
ضمن فورة النزعة القومية التي اجتاحت العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر لم تكن الحركة القومية العربية استثناءً فقد طرحت نفسها بشدة كبديل عن القومية الإسلامية التي تراجعت بعد انهيار دولة الخلافة الإسلامية وكان أن اعتنقها وآمن بها كثير من أبناء العرب الأمر الذي لا يعيبهم في شيء، ولكن تقسيمات الحدود السياسية التي رسمتها وفرضتها القوى الاستعمارية على المنطقة خلقت واقعا وضع قسما من أراضي وأبناء الشعب الكردي تحت سلطة دول عربية ليشكلوا أقليات قومية ضمن تلك الدول وهي العراق أساساً وسوريا بشكل محدود، إضافة إلى أجزاء أخرى أكبر من هذا الشعب شكلت أقليات كردية في كل من تركيا وإيران حافظ الشعب الكردي ضمنها على كل سماته الثقافية الأساسية من عادات وممارسات ولغة وأطعمة وأزياء وتمسك بتراثه الفني التاريخي من غناء وشعر وموسيقى في إصرار على حضور ورسوخ تلك الشخصية الثقافية غير القابلة للذوبان.
لا ينفي حصول الأكراد على بعض الامتيازات المحدودة في الدول العربية التي وقعوا ضمن حدودها مقارنة بأوضاعهم في الدول الأخرى وخصوصاً تركيا، لا ينفي ذلك تعرضهم كأقلية في بلاد العرب إلى كثير من الاضطهاد وخصوصاً في العراق التي وعلى الرغم من كل ما كان متاحاً لهم من هوامش لحريات ثقافية واجتماعية وإن كانت محدودة إلا أن الاستبداد الذي طال بقبضته كافة فئات الشعب العراقي لم يستثن الأقلية الكردية من سطوته، وقد كان إخفاق النخبة القومية العربية الحاكمة في التعامل مع الأقليات القومية الأخرى الواقعة تحت حكمها سبباً ودافعاً إلى توجيه تلك الأقليات باتجاه التعصب القومي وكان من شأن التعصب الشوفيني العربي أن يفرز بالضرورة تعصباً مضاداً بين تلك الأقليات الغير عربية ومن بينها ولعل من أهمها "الأقليات" الكردية وقد غاب عن بال الكثيرين منا وفي خضم الحماس القومي أن نجهد أنفسنا ولو قليلاً في البحث عن أسباب تلك التوترات التي نشأت بين العرب والأكراد وما أدت إليه من اندفاع قومي باتجاه الانفصال ال1ي لا يزالون يصرون على نفيه وإن كانوا يجهدون سراً وعلناً في العمل باتجاهه.
بغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال فقد كانت لفتة ذات مغزي من الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني في أول مؤتمر صحفي عقده بعد تنصيبه رئيساً للجمهورية عندما توجه أحد الصحفيين الأجانب بسؤال باللغة الانجليزية حيث اعتذر الرئيس عن الإجابة وقال موجهاً كلامه للصحفي باللغة الانجليزية بأنه (أي الرئيس) رئيس لجمهورية العراق وأن اللغة الرسمية للعراق هي اللغة العربية وأن بإمكان الصحفي الحصول على مترجم إذا لم يكن بمقدوره الحديث بالعربية. وبالرغم من كل شيء وبالرغم من احتمال أن يكون هذا الموقف البسيط مناورة ذكية أو رسالة خفية إلا أنه يحمل بجلاء حقيقة الروابط التي تربط بين الأمتين ويترجم المشاعر الحقيقية التي ينبغي أن يحملها الشعبان كل منهما للآخر.
لا يخفى على القارئ العزيز أن كثيراً من الكتاب والأدباء والمفكرين بل وحتى الشعراء الأكراد قد صاغوا وأصدروا أعمالهم وإنتاجاتهم باللغة العربية وهم من يمتلكون لغة مستقلة لها مفرداتها وجمالياتها وقواعدها وقراءها وليس غريباً أن يكون من شعراء العربية المجيدين من هم من أبناء الأمة الكردية نطقوا بالضاد وأبدعوا أشعارهم بها ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الزهاوي وبلند الحيدري ولقمان الديركي وغيرهم كثيرون ممن يستحقون ويستحق معهم الشعب الكردي وأخوه العربي الإبقاء على أواصر القربى والجوار متينة راسخة لا يعتريها وهن أو تراخي. فمعنى أن تقول أمة ما أشعارها باللغة العربية هو أنها تعيش وتحلم وتعشق وتأسى وتتألم وتحب وتفارق بهذه اللغة ومعنى أن تختار النطق بالضاد للتعبير عن أحلامها ومشاعرها وهي من تمتلك لغتها وثقافتها القائمة بذاتها فهذا يجب أن يعني للعرب الكثير.
مستنكرة تلك الحملات الدعائية وذلك التحريض القومي الغير مبرر التي تصب جميعاً في اتجاه التحريض ضد الأكراد من قبل بعض العرب الأمر الذي يتنكر للتاريخ الخوي المشترك وكذلك للمستقبل الذي يريد الأعداء له أن يكون أسوداً، وإذا كنا ولا زلنا نطالب بالحرية للعراق ولفلسطين، فإننا وانسجاماً مع عدالة مطالبتنا وتماشياً مع الأخلاقيات التي من المفترض أن تكون فينا ينبغي أن نطالب بل ونعمل على الدفع في اتجاه تحقيق حلم الأكراد في الهوية والسيادة والحرية. ولكم مودتي !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة