الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزمي بشارة والملاحقات الإسرائيلية

صالح سليمان عبدالعظيم

2007 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تكشف الملاحقات الأمنية التي قامت بها إسرائيل تجاه الفلسطيني عزمي بشارة رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والنائب السابق في الكنيست الإسرائيلي، المستوى العنصري البالغ الذي وصلت إليه الدولة العبرية، واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط كما يزعم الغرب، وكما تزعم، للأسف الشديد، بعض الأقلام المُغرضة في العالم العربي. فلم يكن عزمي بشارة حمساويا أو فتحاويا ولم يكن ينتمي لكتائب القسام، كان جزءاً من عرب 1948. هؤلاء القابضون على الجمر كما وصفهم بشارة في إحدى المقابلات. هؤلاء الذي اتهمناهم نحن بالخيانة، وأوسعناهم نقداً وذماً وتوبيخاً. ولم تكن خطيئتهم سوى أنهم تمسكوا بالأرض، ورفضوا الرحيل، وتسلحوا بالهوية. فقد كان وجودهم واستمرارهم في قلب فلسطين الجغرافيا، بكل الثقل الإسرائيلي الجاسم على أنفاس الأرض والهواء والسماء والتاريخ والكبار والصغار والنساء والرجال والأطفال، كالقابض على الجمر في مواجهة هذا العسف والظلم والإذلال العبري.

ما هى التهم الموجهة ضد عزمي بشارة المثقف والمفكر والروائي، صاحب الكلمة والعمل المدني اليومي، حتى تلاحقه إسرائيل، وأجهزتها الأمنية المختلفة. ويرى فيه رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي خطراً استراتيجيا على مقومات الدولة العبرية. وما هى التهم الموجهة ضد بشارة إلى الحد الذي يجعل بعض النواب المتطرفين الإسرائيليين يرون أن الحل الوحيد هو رحيله حتى يريح الجميع.

كل ما قام به عزمي بشارة أنه رتب زيارات لفلسطينيين من عرب الداخل مع أقرباء لهم في سوريا. وكل ما قام به أنه ألقى خطابين عبّر من خلالهما عن تأييده لحق الشعبين الفلسطيني واللبناني في مقاومة الاحتلال الصهيوني. لم يسرق عزمي بشارة أحداً، ولم يحمل سلاحاً، ولم يدعو لقتل الإسرائيلين المغتصبين، أصحاب أكبر تاريخ دموي عنصري مناهض لكل الأعراف والقيم الإنسانية.

وهل تدعيم المقاومة اللبنانية وحزب الله تهمة، وهل زيارة سوريا تهمة، وهل توسيع دائرة العلاقات بين عرب الداخل وبين باقي أرجاء الأمة العربية تهمة. في تاريخ الدولة العبرية القصير، المختلق والشاذ عن جغرافية المنطقة، كل هذه تهم يجب ملاحقة بشارة من أجلها ومعاقبته وسجنه مثلما كان الحال مع الشيخ رائد صلاح وغيره من المقاومين والنشطاء الفلسطينيين. إنه التاريخ القمعي الجاهز بملفات الملاحقة لكل من تسول له نفسه مخالفة إسرائيل وأجهزتها الأمنية، سواء أكان من عرب 1948، أو من حماس، أو من فتح، أو من غيرها من الفصائل الأخرى.

لم تكن التهم الجاهزة والملفقة ضد بشارة تهماً حقيقية يمكن أن يُحاكم عليها مفكر ومثقف في قامة عزمي بشارة، لكن التهمة الحقيقية كانت أنه نادى بشعار "دولة لكل مواطنيها" وهذا ما لم يعجب الدولة العبرية التي ترى أنها فقط دولة لليهود، دولة يعتلي فيها شعب الله المختار على الآخرين، يسومونهم العذاب والذل والتدمير والشقاء. إنها العقدة اليهودية التي لا ترى إمكانية في التعامل مع الآخرين والإختلاط بهم والتعايش السلمي معهم.

لم يكن عزمي بشارة هو الهدف، لكنه كان التكأة من أجل مواجهة الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، بوصفها تمثل تهديداً استراتيجا لإسرائيل، على حد تصور الأجهزة الأمنية للدولة العبرية. لا يكتفي الإسرائيليون فقط باستعداء الفلسطينيين في الضفة وفي غزة لكنهم يمدون خطوط العداء والعنصرية إلى عرب 1948. وكأن إسرائيل لا يكفيها كل هذا العدوان والقتل والتشريد، فلم تجد أمامها سوى الأقلية العربية في داخلها.

وعلى ما يبدو أنه كلما أوغلت إسرائيل في عدوانها ازداد خوفها وقلقها، وهو خوف حقيقي غير مفتعل، يرتكز على هذا الصمود الفلسطيني الرائع منذ عام 1948 وحتى الآن. فقد جربت إسرائيل كل صنوف التمزيق والإبادة والقتل والتدمير والاقتلاع ضد الشعب الفلسطيني، وهاهو بعد مرور خمسين عاماً على الاحتلال يواجه الإسرائيليين رغم انقساماته المختلفة، ورغم تواصل العنف والقهر الإسرائيلي. لم ينتهي الفلسطينيون ولم ينقرضوا، على العكس، سواء في الداخل أو في الخارج، مازالوا يقاومون بكل السبل والوسائل المختلفة، وهذا ما يخيف ويزلزل الدولة العبرية ويحيلها إلى ثور هائج أعمى يبحث عن كل أشكال الملاحقات والبطش والتدمير.

لقد استطاع عزمي بشارة أن يؤسس منهجاً علميا يعتمد عليه في مواجهة تحديات الدولة العبرية المختلفة، فكان الهدف الرئيس بالنسبة له وبالنسبة لحزبه يتمثل في الحفاظ على الهوية الفلسطينية من الذوبان ضمن إسرائيل، وضمن التوجهات الصهيونية العنصرية. ولعل هذا ما أخاف إسرائيل منه ومن حزبه ومن الأقلية العربية، وأدى بالأمن الإسرائيلي إلى تلفيق تلك القضايا المهينة لمفكر في مثل قامة عزمي بشارة. وتنبع أهمية هذا المنهج من اعتماده على جمهوره الفلسطيني العربي المحلي، مع توسيع إطار هذه الجمهور من خلال التأكيد على الهوية العربية الخاصة بالفلسطينيين، ورفض أية محاولة لنفى وإبادة هوياتهم الخاصة بهم. إضافة إلى تأكيد هذه المنهجية على رفض الإذلال الإسرائيلي للفلسطينيين، والمقاومة الداخلية لهذا الإحتلال الغاصب.

إن من أهم الجوانب التي يجب ألا ينساها المرء في قضية النائب المستقيل عزمي بشارة هو قلب المعادلة وقدرة المحتل على قلب الحقائق. فمن ناحية يتحول عزمي بشارة صاحب الجغرافيا والتاريخ إلى مُطارد في وطنه، ومن ناحية أخرى يتحول الجلاد المستبد المغتصب إلى قاضي يوجه عريضة الاتهام لصاحب الأرض. وهو لا يوجهها على أسس مقبولة ومبررة وشرعية، لكنه يوجهها لصاحب الأرض بوصفه مرفوضاً من قبل الغازي المستبد الصهيوني. بقدرة قادر يتم المجادلة حول هوية صاحب الأرض، وبقدرة قادر يتم دفعه لمغادرة أرضه ووطنه، وبقدرة قادر يتحول المغتصب المفروض أن يتم طرده مما اغتصب إلى الجلاد والقاضي وصانع الملفات الأمنية الكاذبة والمدعية.

علينا هنا من جديد أن نؤكد على أن اسرائيل لن تقبل الفلسطينيين، سواء أكانوا عرب 1948، أو كانوا من فتح أو من حماس أو غيرها من التنظيمات الفلسطينية الأخرى. لن تقبلهم فقط إلا في ضوء مخططاتها التي تستبيح الهويات والتواريخ والجغرافيا. كما أنها لن تقبل بالعرب أنفسهم، ولن تقبل بدولهم، اللهم إلا إذا تحولوا إلى مجرد هوامش تسير في كنف المركز الإسرائيلي، وتوابع تسير في فلكه، وحسب حركته ودورانه. على العرب أن يفهموا ذلك جيداً، وأن يعوه قبل فوات الأوان، إذا كان هذا الأوان لم يفت بعد. تحية تقدير ومؤازرة للمناضل المفكر الفلسطيني العربي عزمي بشارة، تحية تأكيد على أنه ليس وحده في مواجهة الطغيان الصهيوني العنصري. فنحن جميعاً، أردنا أم لم نرد، في خندق واحد، فإما أن تكون لنا هوياتنا الخاصة بنا، وإما مصيرنا إلى الإنقراض والعرض في متاحف التاريخ الكئيبة والمقبضة في الوقت نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| قوات الاحتلال تقصف تجمعا لمواطنين في شارع الجلاء بمدين


.. شاهد| تصاعد أعمدة دخان بعد قصف إسرائيلي على جباليا وسط قطاع




.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يطالبون بوقف الاستثمارات مع


.. الجيش الأميركي يعزز دفاعاته ضد الطائرات المسيرة




.. بايدن و ترمب يتفقان على إجراء مناظرتين رئاسيتين واحدة في 27