الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن التمويل الدولي والتنمية في فلسطين

محسن أبو رمضان

2007 / 5 / 7
القضية الفلسطينية


أحد الأهداف الرئيسية وراء تشكيل الحكومة الجديدة كان كسر الحصار الظالم الذي فرض على شعبنا جراء نتائج الانتخابات الديمقراطية التي تمت في بداية عام 2006 .
ولعله من المعروف مدى مكانة وقيمة المساعدات المقدمة من المجتمع الدولي لصالح الموازنة العامة للسلطة إضافة للمشاريع الاغاثية والتنموية التي تقوم ، ولقد ازدادت قيمة وأهمية تلك المساعدات على ضوء تشكيل السلطة الوطنية والفلسطينية ومحاولة المجتمع الدولي تشجيع " عملية السلام " وفرض حالة الاستقرار بالمنطقة ، وبالتالي فيمكن الاستنتاج اشتراطية العلاقة ما بين التمويل الدولي والأوضاع السياسية، أي أن التمويل لا يقدم لشعبنا إلا لأهداف مرتبطة بالعملية السلمية وبضرورة تحقيق حالة الاستقرار وتجاوز التوتر والاضطراب بالمنطقة .
من هنا كان مفهوماً تراجع المجتمع الدولي عن تقديم تلك المساعدات على ضوء الحصار المفروض وكذلك قيام إسرائيل بحجز الضريبة التي تقتطعها لصالح السلطة الفلسطينية والتي تعرف باسم " المقاصة " والتي وصلت منذ بداية 2006 حتى الآن إلى 600 مليون دولار أمريكي وهي حق من حقوق شعبنا ، الأمر الذي يؤكد مدى القناعة باستخدام التمويل كأداة سياسية ابتزازية وليس بهدف تقديم الإحسان والمساعدة الانسانية لشعبنا ، رغم ان هذه المساعدات ( الدولية) تندرج في إطار الحق الفلسطيني إذا تم استخدام الخطاب القانوني ومبادئ ومعايير الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تؤكد في أحد تشريعاتها على واجب المجتمعات بتقديم المساعدات للشعوب التي تتعرض للكوارث سواءً الطبيعية أم الإنسانية أي الناتجة عن إجراءات وممارسات الاحتلال العسكري والتي تحرم الشعب الواقع تحتها من تقرير مصيره ومن استخدام الموارد المحلية لصالح عملية التنمية وهذا ينطبق على حالة شعبنا بما أنه محروم من حقه بالسيادة الوطنية وباستخدام الموارد الطبيعية في تحقيق التنمية وذلك عبر سياسة الاحتلال والاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض وحرمان مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية والأهلية والنقابية من التواصل والترابط ، ولقد أشار وزير المالية السيد / سلام فياض أن موازنة السلطة بحاجة إلى 1.3 مليار دولار فقط من أجل تغطية العجز وعودة الحالة المالية كما كانت عليه قبل يناير 2006، وليس من الغريب أنه جوبه بشروط معينة من قبل الأوساط الدولية رغم محاولاته لفتح ثغرات عبر اقتراح فتح حساب خارجي يشرف عليه شخصياً ورغم التجاوب الخجول من بعض الأوساط العالمية مع هذا المقترح ، إلا أن التردد وعدم الاستجابة السريعة يشير ويؤكد مدى ترابطية العلاقة ما بين كسر الحصار المالي وكسر الحصار السياسي ، فالمسألة ليست لها علاقة بالأبعاد التقنية ومهارات التفاوض بقدر ما لها علاقة بإدارة لخطاب سياسي ينسجم مع طبيعية الحالة الفلسطينية القائمة على أرضية التحرر الوطني ، بما يترتب على ذلك من عدم تجاوب بعض أوساط من المجتمع الدولي مع هذا الخطاب .
فخطاب التحرر الوطني يعنى علاقات وسياسات ، وتوجهات وتحالفات وبالتالي تنمية مختلفة من طراز جديد .
ومن هنا فإن الحديث عن التنمية والاقتصادية بالمعنى الشامل لا يستقيم مع خصوصية وحالة شعبنا الذي مازال يعيش مرحلة التحرر الوطني ويمارس عليه السيطرة الاستلاب من قبل الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي يحاول تعميق التبعية وتعزيز الحالة الاستهلاكية وضرب أية مقومات للعملية الإنتاجية ، الأمر الذي أدى إلى تحقيق حالة الإفقار الشاملة لشعبنا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً.
فالتنمية الاقتصادية الشاملة بحاجة إلى شروط وفي مقدمتها تطبيق الإعلان عن الحق بالتنمية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4/12/1986 والذي يربط الحق بالتنمية بحق الشعوب في تقرير المصير وممارسة السيادة الوطنية ، كما أنه حق فردي وجماعي بمعنى الوصول إلى الموارد والفرص واختيار مسار التطور المناسب للأفراد والشعوب بدون قيود أو ضغوط .
وعليه فنحن بحاجة إلى تأصيل مفهوم التنمية بالحالة الفلسطينية وإتباع منهجية قائمة على إدراك حقوقه وتحقيقها بالمفهوم التقليدي الذي ينسجم مع حالات الدول المستقلة والقادرة على السيطرة على مواردها وإمكانياتها ، فالمنهجية المقترحة بالضرورة تعتمد آليات الصمود والمقاومة والتي تعنى العودة إلى الأرض واستصلاحها والقيام بتنفيذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة ، وآليات التكافل والتضامن الاجتماعي ، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية خاصة الصادرة من المستوطنات ، وتشجيع المنتج الوطني والمحلي الفلسطيني ، واستخدام آليات من الإدارة الرشيدة عبر إعادة هيكلة الموازنة بما يزيد من حجم ووزن القطاعات الاجتماعية ( التعليم ، الصحة ، الخدمات ) والقطاعات الإنتاجية خاصة (الزراعة ) من قيمتها الإجمالية على حساب المنتجات الاستهلاكية القائمة والتي تشجع النزعة الاتكالية والاعتمادية على موارد السلطة على حساب أبعاد وآفاق المحاور الاجتماعية والانتاجية .



إن تحقيق التنمية من الطراز الجديد بحاجة إلى إرادة مدركة لأهمية استخدام التمويل الدولي كأداة سياسية وبالتالي العمل على التحرر من هذا التمويل ، إي تخفيف الاعتماد عليه بصورة رئيسية وهذا يتطلب البحث عن مصادر تمويل بديلة مثل التمويل العربي أو الفلسطيني أو التمويل التضامني الدولي الساند لقضية شعبنا العادلة ، كما يستلزم هذا الطراز من التنمية إعادة صياغة وبناء الأدوات المؤثرة بعملية التنمية المحلية وخاصة السلطة والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية ، فكل من تلك المكونات بحاجة إلى مراجعة وإعادة تقييم لبنيتها ودورها ومهماتها وبالتالي تركيبها من جديد على عجلة مسار الطراز التنموي المقترح الذي من الضروري أن يقلل مستوى الارتباط بأدوات لرأسمال العالمي كأحد أدوات العولمة الرأسمالية التي تستخدم تلك المساعدات لإخضاع شعوب العالم الثالث لسيطرتها ولتعميق بنيتها الاستهلاكية وتقلص دور الدولة كراعي اجتماعي لصالح الفقراء والمهمشين وتشجيع القطاع الخاص واعتماد آليات السوق، وفي حالتنا الفلسطينية إضافة للأدوار السالفة التي تستهدفها تلك المساعدات الدولية فإنها تهدف إلى الابتزاز السياسي للقيادة والحكومة الفلسطينية بهدف تطويعها لتستجيب للاشتراطات الدولية دون تقديم أية حقوق سياسية مقابلة لشعبنا مقابل تلك الاشتراطات.
وعليه فنحن بحاجة إلى مراجعة شاملة للحالة التنموية الفلسطينية وللأدوات المحلية المؤثرة بعملية التنمية لتصبح تلك الأدوات معززة لمقومات الصمود وليست مستجيبة للاشتراطات الخارجية ، إنها مسألة تعتمد على الإرادة والتوجه الجاد والابتعاد عن استسهال الحلول السريعة، وهي تعنى التخلي عن بعض الامتيازات والمكاسب لصالح التنمية والمعتمدة على الإنسان وباتجاه تمكينه وتصليبه والتي ترتكز إلى فلسفة التنمية من أجل الصمود ، فهل نستطيع القيام بذلك لنصبح مالكين لقرارنا وإرادتنا وتحركاتنا السياسية بعيداً عن أية ضغوطات خارجية ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل