الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ببساطة

سعد الله مزرعاني

2007 / 5 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ليس نادراً، لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، أن يصبح الإسم على غير مسمى. وليست قليلة الحالات التي تبتعد فيها النهايات عن البدايات، ليس في سياق تطور طبيعي، بل في عملية تشوه وتشويه وإنقطاع، فيتحول معها الفرع نقيضاً بالكامل، للأصل.
يحصل ذلك أحياناً لأسباب ذاتية مرجحّة، أو لأسباب موضوعية قاهرة (مفاجئة أو إنعطافية)، أو للإثنين معاً. ويلخص هذه الحالات لدى البعض المثل المعروف: "عند تغيير العهود (أو الدول الحاكمة) إحفظ رأسك". لم يقل المثل إحفظ مبادئك، قال إحفظ رأسك، أي مصالحك. وبموجب هذه المعادلة البراغماتية الرمزية، نجد في الحياة، الكثيرين ممن "وصلوا" بالبراغماتية عبر وسائل أو أساليب غير سليمة، وحتى غير نظيفة.
وبموجب مثل هذه المعادلة، تنكر كثيرون لتاريخهم. نقلوا البندقية من كتف الى كتف. فهموا "المراجعة" إنتقالاً من الموقع الذي كانوا فيه الى موقع نقيض.
لم يكن ذلك بالطبع، مجرد تنكر لتاريخهم. لقد غدا تنكراً للتاريخ بذاته.
وبالمقابل، ثمة من يذهب في تمسكه بالشكليات دون الجواهر، الى حد تقديس الماضي. إنها "السلفية" الفكرية أو الدينية أو السياسية، أو هو "الجمود العقائدي". وهذان مظهران أو ثمرتان للعجز أو للقصور أو للإنتهازية الصافية.
بالتأكيد، يصبح الأمر أشد خطورة عندما تنتقل عدوى ذلك المرض الى الثوريين والتغييرين. فبين جموح "هيغل" الفكري و"الإنساني"، ومادية فيورباخ "القاسية"، إشتق ماركس خصوصاً (ومعه المدهش إنجلز) جدلية أكثر صحة وأكثر تكاملاً. حتى "فوكوياما" الذي عرف بكتابه الشهير "نهاية التاريخ"، والذي نعى فيه التغيير والثورة والأحلام، يعترف بأن ماركس "هو أعظم شارحي" هيغل "الذي (أي هيغل) ندين له بأعظم وأخطر مظاهر وعينا في عالم اليوم في القرن التاسع عشر"(يرى فوكوياما أن الشارح العظيم الثاني في القرن العشرين، هو كوجيف).
إننا نعاين في يومياتنا هذين النوعين من "الثوريين" السابقين، والحاليين. أولئك الذين قعطوا كل صلة بتاريخهم، أو أولئك الذين انقطعوا عن عناصر الخصب والإنتاج والإبداع والحياة في حاضرهم!
ويعنينا هنا أكثر ما يعنينا، فيما نعيشه اليوم، التوقف عند بعض المظاهر المقلقة بل القاتلة. فثمة من يريدنا أن ندخل في المعادلات المتوارثة من باب القداسة الكاملة. ويعيدنا ذلك في جزء منه، الى ما كان يطرح علينا كموضوع للإنشاء والتفكير في الصفوف المتوسطة: "هل الموقع يصنع الإنسان، أم الإنسان يصنع الموقع". الجواب عند هؤلاء جاهز وحاسم ونهائي: الموقع هو الذي يصنع الإنسان. ولذلك هم يتسابقون للحصول على المواقع وما توفره هذه المواقع، ولو أحياناً، بأكثر الطرق بعداً عن الإستقامة والكرامة ومكارم الأخلاق.
وفي نقاشاتنا، كثيراً ما يجري "التنظير" لهذا النوع البليد من القناعات، بتصوير "الحزب" كائناً خارج ما هو ملموس وحي من المدلولات والمعادلات والعلاقات. فيقال مثلاً، وبشكل لا يقبل الجدل ولا يستقيم مع أبسط مبادئ جدلية الذات والموضوع، بأن "الحزب صنع فلاناً..." وأن أياً كان يستطيع أن يحل محل أي كان"، دون أي تعديل أو تبديل في النتائج وفي الفعالية والحضور... وتصبح هنا مسائل من نوع النشاط والجهد والمثابرة والإبتكار والدأب والشغف والمعرفة ومراكمة الخبرة.... غير ذات تأثير، بل غير ذات موضوع.
وفي مثل هذا المناخ يصبح تسلق المواقع هو الهدف، حتى لو كانت الوسيلة سيئة ومضرة ومدمرة و... مجرمة.
في تجربتنا، نحن الشيوعيين، على إمتداد هذا العالم، اننا في الغالب الأعم، قد أهملنا الإبداع والإبتكار وإرتحنا الى النقل والتكرار. وكان ذلك السبب الرئيسي للإخفاقات التي بلغت حد الكوارث، خصوصاً حين امتد أذاها إلى المبادئ نفسها.
إن مشروع التغيير القادر على الحياة، هو ذلك النابض أبداً بالحركة والمبادرة، المهجوس دائماً بالتجديد، المقرون بإستمرار، بالتوتر وبالمفاجأة وبالقلق...
لا يمكن أن نعيش بدون تاريخنا. ولا ينبغي أن نجعله فحسب، وسيلة نعتاش منها.
لا يمكن أن نقلِّل من شأن الكفاءة والجهد الفردي والشغف والمثابرة وأن نضع "الحزب" في موقع المتجاهل لذلك، لأننا بذلك نضع هذه جميعاً في مواجهة الحزب فنخسر أصحاب الطاقات الحية المبادرة، و نخسر مشروع التغيير، ولو... الى زمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي ينتظر إيران في الساعات القادمة؟


.. خامنئي: لا تعطيل لشؤون الدولة بعد تحطم مروحية الرئيس الإيران




.. طالبة بريطانية للوزيرة السابقة سويلا برافرمان: أنت مجرمة حرب


.. آخر مستجدات عمليات البحث عن المروحية التي تقل الرئيس الإيران




.. من هو محمد مخبر خليفة الرئيس الإيراني المحتمل؟