الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعاء حالة لاتقبل الزحزحة أو التجاوز

روشن قاسم

2007 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


من منا لا يشعر في هذه الأوقات بالحزن الأسود ، بعد ماسمعناه ورأيناه عن مقتل (دعاء ) التي هز مقتلها ضمائرنا ومدارك وعيّنا الانساني ، لتشعرنا بالضرورة القصوى في تسخير كل الامكانات المعرفية من أجل التفكير جدياً بفحوى المضامين التاريخية ،العرفية التي أثقلت كاهل الجسد الاجتماعي بمآسي يشهد كل من عاشها وعايشها على انها لا تمت بأي صلة للقيم المعيارية والمبادئ الانسانية، ويرتأي كل منا بأن لايكتفي فحسب بتلك العبارات المستنكرة التي ما لبثت أن هيمنت على صفحات إعلامنا دون أن ترتعش آذان دساتيرنا وقوانينا المعرضة أصلاً لأدلجة مهووسة بالأعراف والتقاليد الساذجة التي ما زالت - حتى وقتنا الراهن - تُطأطئُ الرؤوس لها بدل أن تأطر المرحلة بأطر مدنية غير التي كانت سائدة في أحقاب الدكتاتورية البائدة التي ما وفرت جهدا لأن تبقي مجتمعاتنا هياكل بدائية ينخر التطرف في أركانها، والتمثل بمعتقدات لا ترضى بتجسيد واحدهم لمعتقد الآخر ، وكلا المعتقدين جاهلين لا يعرف أحدهما الآخر حق المعرفة ، في ظل هذا التمايز الذي لايمت لسوء الفهم بصلة ، بل هو نتيجة تراكم لا معرفي، ومستنقع يموء بتوترات لن تهدأ رغم الشكلانية المسالمة الآخذة بعداً أبلهَ يغيب عنه حسن التصرف عند أي احتكاك أو تصادم .
لعل المجادلة في هكذا مواضيع ،تبدو عقيمة ،لعتقها اللامعرفي بالآخر، في ظل انتحار النقاش والحوار الجاد وتجلياته المرضية التي تمطرنا بوابل من الدماء بين الفينة والفينة ، لكن الحاجة أصبحت ملحة لمراجعة القوانين الوضعية من قبل العرف والتقليد التي في كثير من الأحايين تتضارب مع مقومات الأنسنة والنظرة المستقبلية لبني البشر من منظور الديمقراطية الفضفاض الذي لا يليق بمجتمع قياساته محدودة جداً في قواعد وسلوكيات التعامل الانساني الحر الكريم .
إن ما خبراناه من ألم في الأيام الماضية التي أعقبت تلك الجريمة النكراء ضد الفتاة البريئة (دعاء ) وما تضمنته – الجريمة – من شذوذ و غرابة تتخطى حدود تقليد عرف غسل العار، إذ ابتعد وبشكل كامل عن القدرة على استيعاب ما يجري لما ذهبت اليه من بشاعة حدها الأقصى (هلوسة ) في أيقونات النت، تسقط عند فتحها والتفرج على محتواها كل التقاليد البالية التي تسرح وتمرح في ثقافتنا مشكلةً لها مساراً تبجيلياً ،ينهار تقديسها فور تماس المواقف الشنيعة مع مغالطة استقراء النخوة الغائبة التي بدورها أبت أن تحضر مسرحية زهق روح الطفلة القاصر التي لم تبلغ السابعة عشرة من عمرها ، ضمن أطروحة جديدة مجددة تقدم لمحكمة الجنايات في شوارع غسل العار أو الارتداد عن النهج العام، والأحكام المسبقة تسقط حق النقض ضمن التحجيم القزم لجناية استحقاق القتل العمد أمام مرأى ومسمع الجميع، وهذا بحد ذاته يشكل إشكالية في تفسير الواقعة وتأويل الحالة التي افتعلت ضمن هذا الزخم الكبير من الانتقام بحيث لم تهتز شعرة واحدة من بدائن أولئك "الناس " أمام مسرح الجريمة، فما مدى العمق الانتقامي عندما نعذب نفساً ضعيفة حتى الموت ، والخطيئة الكبرى تكمن – صورياً - في التلذذ بهذا التعذيب .
قد تكون العينة التي شاهدناها مقاطعها المصورة بالموبايل تنبئنا لحقيقة مُرّة يتحسسها كل مثقف وكل واع و داع للحرية وكل ناشط في مجال حقوق الانسان وكل جمعية تهتم بالمرأة وكذلك كل شخص يعي في نفسه بعضاً من الانسانية ، انسانيته الغائبة أحياناً .
إذ العقوبة المنفذة بحق الانسانة ( دعاء ) ،الطفلة (دعاء ) ،وما اتسمت به تلك الجريمة من شناعة وبشاعة تنبئنا بلاردع القوانين ، وتمنع مدارك الوعي لدينا من الزحزحة أو تجاوز ما حدث، فالجريمة المقترفة مؤكداً تنم عن إرهاب فكري وعصبية عقيدية ، وهذه المشكلة تجلب اشكالية في التعامل الصحيح والمنطقي معها في ظل فوضى القانون أو قانون الفوضى ، والرهان على معنى تلك الحالة الفجائعية التي فتحت لها فضاءات الاعلام ايقوناتها لظرف زمني ومكاني معينين، قد فتح أمامنا صورة مجتمع تكبله التخلف والزوايا المظلمة يعذب فيها الانسان المختلف مع الآخر ، والنفوس لا تنفك أن تشحن بالضغائن ضد المتمايز والمختلف عن العرف في فئة وجماعة معينة .
نجد - هنا - بأن حالات الارهاب في مجتمعاتنا أخذت أشكالاً متعددة ، ولكن الاسقاطات السببية لها تأخذ معنى أوحدَ ،وهو اسقاط لايقبل التبرير بالخروج عن المسار العام،اذ نحن أمام حالة ارهابية تضع أسسها وقواعدها وسلوكياتها فئات معينة وتسريها بحسب أهوائها على البقية بالترهيب ، لتغدو مُسَلمات وأعراف لاتقبل التنصل من نتاجاتها ، ومهما يكن فالهرطقة قد جلبت التنوير والنهضة لأوروبا وهذا الاختلاف والخروج عن العرف يحتاج لبيئة وأرضية ليحمها القانون وشتان بين المجتمعات وأعراف المجتمعات . حيث أن المنظورات الاجتماعية ،واستكشاف آفاق جديدة لبناء دولة تستدعي مساعي ديمقراطية وهذه تستوجب مراجعة عامة لقوانينها قبل أعرافها ولا غرو في ذلك ، فهي الطريقة الوحيدة للملمة الجمهرات الاجتماعية ضمن أجندة المواطنة الخاضعة – حتماً - لقانون أوحد تُحترمُ فيه حقوق الانسان ، بدل ان تتحول تلك الجمهرات الى آفات مستفحلة في جسد المواطنة،و ان لم يكن القانون حامياً لحقوق المواطن ، بنصوصه وبنوده ، فإنه يغدو ضرباً من ضروب أستفحال الفساد الأسود ، وعلى الحكومة أن تعيد اعتباراتها تجاه مواطنيها ،حتى لاتكون تجربة في الشكلانية المسالمة والشعارات الديمقراطية الصورية التي تطرح دوماً ضمن الجو الحامي في ظل معمعة التضاد الفكري .
مهما يكن ، في تعريف العرف : على أنه دليل ممارسة عامة يقبلها القانون . لكن أحقية الرغبة في التغيير تبدأ من القانون ، وهو السلطة الوحيدة التي وفقها تصنف المجتمعات في دولها وأقاليمها وتستحق تسميات لما يتسم بها قانونها، وإن إرتأت حكومتنا في إقليم كردستان العراق وبعد تجاربها المريرة مع الأنظمة الدكتاتورية ان تستنبط العبر فهذا يستوجب أن تلتمس الحكمة من الأحقاب الماضية، وتبدو أكثر جدية في طرح مشروعها الديمقراطي وبناء مجتمعها المدني .
هل يمكن لدعاء ان تنال استحقاق بداية جديدة بعد نهايتها هي؟، و هل حاجتنا الملحة للمآسي دائما ،عليها ان تكون حافزنا الوحيد لتغيير مماراستنا ؟ ألم يكن حرياً بحكومتنا ان تحترز من الدخول في معمعة الأطراف ، وان تستفيد من تجارب الدول المتقدمة في تشريع قوانينها على بقعتها الكردستانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟