الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدران العزل العنصرية -الإسرائيلية- تغيير الخارطة الجيوسياسية والديموغرافية

عامر راشد

2003 / 8 / 31
القضية الفلسطينية



 - كاتب فلسطيني - سوريا               


أود أن أوضح بداية أن معظم الذين تناولوا هذا الموضوع كتبوا عن جدار فصل عنصري واحد ، وهذا خطأ قد يؤدي إلى استنتاجات خاطئة ، والصحيح أن " إسرائيل " خططت لإقامة ثلاثة جدران فصل عنصرية وبدأت بتنفيذها ، أولها جدار الفصل العنصري الغربي على امتداد حدود 1948 يتداخل معه جدار العمق الذي يتلوى داخل الضفة الفلسطينية ويصل إلى مسافة 25 كم جنوب شرق نابلس، وثالثهما جدار الفصل الشرقي على امتداد الحدود الفلسطينية الأردنية.
 إن الحديث عن جدار الفصل الغربي وحده يوحي وكأن إسرائيل تسعى إلى هدف وحيد هو رسم الحدود الجغرافية مع الدولة الفلسطينية الموعودة عام ـ 2005ـ حسب جدولة خارطة الطريق، مع تعديلات على مسار الخط الحدودي ،وبما يضمن لها ضم جزء من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غالبية المساحات التي أقيمت عليها الكتل الاستيطانية الأساسية وهي تشكل 7%من مساحة الضفة الفلسطينية .
وحقيقة الأمر أن "إسرائيل" تريد من خلال إقامة هذه الجدران مصادرة مقومات السيادة الفلسطينية بما لا يؤدي لاحقاً للفتح على قيام كيان فلسطيني سيد ومستقل ومتواصل جغرافياً . بتحولها إقليم الدولة الفلسطينية الموعودة إلى ثمانية جزر منفصلة وبانتوستانات . لا رابط بينها ، بينما تبقى مقومات السيادة والسلطة الفعلية على الأرض بيد "إسرائيل" ـ الأرض الحدود ـ الأمن ـ المياه ـ. ومخطط بناء الجدران يندرج في سياق عمل استباقي شامل. أوضحت معالمه الاشتراطات " الإسرائيلية " على خارطة الطريق . و أبرزها :
 الدولة الفلسطينية التي ستقوم في حدود مؤقتة فقط بالاتفاق مع " إسرائيل " وستكون مجردة تماماً من السلاح .
 كل تسوية تتحقق في مفاوضات مباشرة بين الطرفين . "الصيغة تحمل ضمنيا القفز عن القرارات الدولية"
 لن يكون تدخل خارجي في مسائل الحل الدائم . " شطب دور الرباعية "
 الخطة ستقوم على أساس " لاحظ أساس وليس تنفيذ " قراري مجلس الأمن ـ 242 و 338 ـ فقط وليس على  "المبادرة السعودية " ( التي تدعو إلى انسحاب " إسرائيلي " من كل المناطق الفلسطينية المحتلة ) .
 رفض أي جداول زمنية .
   وانسجاماً مع هذا رفضت إسرائيل تضمين أية وثيقة صادرة عبارة دولة فلسطينية مستقلة . كما رفضت وقف الاستيطان المسمى " بالنمو الطبيعي للمستوطنات " في حين ربطت وقف الأنشطة الاستيطانية الأخرى - المقصود البؤر - باشتراطات أمنية تعجيزيه على السلطة الفلسطينية .
" الإسرائيليون " لا يستخدمون مصطلح جدار بل " السور الأمني" ، وهذا أكثر انسجاماً مع أهدافهم ، فهم يريدون من خلال بناء الجدران العازلة العنصرية تأمين العمق " الإسرائيلي " وفصله عن ما يسمونه "مناطق التوتر" أي ما يتبقى من الأرض الفلسطينية، والتي تعتبر مناطق عمليات للجيش" الإسرائيلي " . وهي بوجهة النظر " الإسرائيلية " الصهيونية جزء لا يتجزأ من الأرض التوراتية لدولة " إسرائيل " وحل إشكالية وجود الشعب الفلسطيني عليها يمكن فقط من خلال حكم ذاتي موسع للسكان دون الأرض، فالفكر الصهيوني تطور بشكل محدود في خضم الصراع،  فبعد أن كان يعتبر حقه في أرض فلسطين يؤسس على كونها أرض بلا شعب يستحقها شعب " إسرائيل " بقوة الوعد الإلهي التوراتي ، بدأ يعترف بالشعب الفلسطيني كشعب دون حق بالأرض . وهذا يفسر خلفية الزوبعة التي ثارت في أيار الماضي حين صرح شارون لا يمكن استمرار الاحتلال وعاد ليقول بعد الانتقادات الحادة : " قصدت بالاحتلال  استمرار السيطرة على شعب آخر " .
" قادة إسرائيل " يرفضون بشكل قاطع اعتبار جدران الفصل العنصرية رسماًً للحدود، كونها ستضع سقفاً لتطور " إسرائيل " اللاحق . وضم ما مساحته ـ 2490 كم ـ من أراضي الضفة الفلسطينية جراء إقامة جدران العزل الثلاث ( الشرقية 1242 ـ الغربية + العمق 1248 )، أي ما يساوي 42.5% من إجمالي مساحة الضفة الفلسطينية . حمل "لإسرائيل " إشكالية من نوع آخر تتمثل في عدد سكان هذه المناطق التي شملها الضم والعزل والبالغ عددهم ـ 714 ألفاًـ من حيث تأثير ذلك على التركيبة الديمغرافية لدولة " إسرائيل " .
 من هنا تتأتى خطورة موافقة الطرف الفلسطيني على مبدأ تبادل الأراضي " جرى هذا في سياق مفاوضات أوسلو " والذي قد يطور لاحقاً في المطالب " الإسرائيلية " إلى أرض دون سكان . ويفتح مجدداً على مخاطر التهجير" الترانسفير ". وتشتد درجة الخطورة إذا ما ربط هذا بنهج حكومة محمود عباس القائم حتى الآن على محاولة إسقاط الذرائع " الإسرائيلية " بتقديم المزيد من التنازلات ووضع كل الأمور بيد الراعي الأمريكي ، مما سيقود بالضرورة إلى قبولها بالتسوية ضمن الشروط والمواصفات " الإسرائيلية " المدعومة أمريكياً .
لقد قامت الإيديولوجية الصهيونية على نفي وإقصاء الآخر ورغم مرور أكثر من نصف قرن على قيامها ، ترفض" إسرائيل " الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ، وهو ما أوصل العملية  "الأوسلوية" إلى الانهيار ، فلقد رأت "إسرائيل" في الاعتراف المتبادل هزيمة للفلسطينيين ، ومدخلاً لاستمرار تقويض وجودهم . فأخذت تضاعف من عدد المستوطنين والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية ، فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو (1993) وحتى العام ( 2001 ) أرتفع العدد من
(105)  آلاف إلى(211) ألف مستوطن موزعين على (175 ) مستوطنة .             
 يضاف إلى هذا الرقم ( 215 ) ألف مستوطن في القدس الشرقية، فيصبح العدد الإجمالي حوالي نصف مليون مستوطن في الضفة الفلسطينية المحتلة (راجع التقرير الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان برئاسة تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين 27/4/2003).
بعد كل ما سبق يصبح من الواجب أن نتساءل: في ظل تصاعد حدة الهجمة الاستيطانية  "الإسرائيلية " عبر بناء الجدران العازلة ، ورفض الجدولة الزمنية ، أو أي التزام " إسرائيلي " مسبق ، وترك المفاوضات عرضة للغرق في التفاصيل التفاوضية الصغيرة والجزئية التي أجاد " الإسرائيليون " لعبها سابقاً في سنوات أوسلو المرة . ماذا سيتبقى للفلسطينيين ..؟ على ماذا سيفاوضون .. ؟
 السيد محمود  عباس وحكومته استطاعوا أن يضيعوا حتى الآن الوقت بامتياز مع ما يحمله هذا من ضياع للحقوق ، في حين استغل " الإسرائيليون " كل دقيقة .
الهدنة التي أعلنتها فصائل المقاومة على وشك الانتهاء ، فرصة ذهبية أضاعتها السياسات التراجعية والعبثية التي قادها عباس ودحلان . غرق في جزئيات الأمن ، وإطلاق عشرات من المعتقلين ، تعاود " إسرائيل " اعتقال العشرات مكانهم في اليوم التالي . في حين تعمل جرا فات الاحتلال على بناء جدران تغيير الواقع الجيوسياسي و الديمغرافي ، بما سيترك آثاره لاحقاً وبشكل ضاغط على مفاوضات الحل النهائي ..          
  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وقفات تضامنية بمدن مغربية عدة تطالب بوقف التطبيع ومقاطعة إسر


.. فايز الدويري: المعارك في منطقة جباليا ستكون صعبة وقاسية




.. ناشطة أمريكية تهاجم المتخاذلين عن نصرة غزة


.. تحذير من المحكمة لمايكل كوهين بسبب مقاطع فيديو على تيك توك ح




.. ميلانيا ترمب تمنع ابنها بارون من الانضمام لعالم السياسة.. فم