الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-زيزو- ضدّ ساركو-

صبحي حديدي

2007 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


كُتبت هذه السطور قبل أن تقرّر فرنسا، أو غالبية النصف + 1 أو 2 أو 3، انتخاب الإشتراكية سيغولين رويال لتكون أوّل امرأة ترتقي إلى سدّة قصر الإليزيه، أو انتخاب مرشّح اليمين المحافظ نيكولا ساركوزي لكي يكون ـ للمفارقة العجيبة ـ أحد آخِر ممثّلي تيّار المحافظين الجدد... الأمريكيين! لكنّ هذه السطور تُكتب وفرنسا 2007 لا تكاد تشبه ذاتها كما تبدّت قبل أقلّ من عقد، سنة 1998، بصدد واحد من أكثر أبعادها الاجتماعية ـ الثقافية استنارة وخطورة في آن معاً: التعدّدية عموماً، وحضور الآخَر المهاجر خصوصاً. وبالطبع، للتذكير البسيط، كانت سنة 1998 قد شهدت فوز فرنسا بكأس العالم لكرة القدم، واكتظت جادّة الشانزيليزيه الشهيرة بأعداد من البشر فاقت ما احتشد في الجادّة نفسها سنة 1944 أثناء مسيرة الجنرال شارل دوغول احتفالاً بتحرّرفرنسا من الاحتلال النازي.
في 1998، كما هي الحال اليوم أيضاً في الواقع، كانت ألوان فريق كرة القدم الوطني الفرنسي تضمّ الأسود والأسمر والأبيض. ولم تكن هذه الحقيقة هي وحدها الساطعة الحاضرة في أنظار العالم الخارجي، بل تجاورت معها أو تفوّقت عليها حقيقة أخرى مفادها أن ملايين الفرنسيين صحوا بغتة على الحقيقة الأولى، بل لاح أنّ بعضهم يكتشفها لتوّه! وتلك الملايين كانت من الفرنسيين البيض والسمر والسود، وليس أولئك الذين اعتادوا التصويت لصالح جان ـ ماري لوبين واليمين المتطرّف، أو امتهنوا رفع العقيرة دفاعاً عن «أصالة» الدم الفرنسي الصافي.
ولم يكن من المبالغة القول إن تسعة أعشار المواطنين الفرنسيين المتحدرين من جذور أفريقية سوداء أو مغاربية، تنفسوا الصعداء حين أحرز اللاعب الجزائري الأصل زين الدين زيدان هدف التقدّم الأوّل ضدّ البرازيل العريقة، ثم هدف الطمأنينة الثاني، تماماً كما كانت هذه حالهم حين كان اللاعب الأسود ليليان تورام هو صاحب الهدفين ضدّ كرواتيا. فرحوا بالطبع، وربما إسوة بأي مواطن فرنسي آخر أياً كان لون بشرته. ولكنهم تنفسوا الصعداء قبل الفرح، أو لعلهم فرحوا على نحو مضاعف بسبب من زفرة الإرتياح هذه بالضبط.
ذلك الشعور لم يتفاعل في الصدور وحدها، بل عبّر عن محتواه سريعاً ومذهلاً في صراحته، وتناقلته الألسن وسط فورة الفرح العارم التي أعقبت الفوز مباشرة، وامتلك كبار كتّاب الافتتاحيات في الصحف اليومية الرصينة الوقت الكافي لكي يتأملوا الظاهرة، ولكي تنعكس في الصحافة... ليس تلك الرياضية وحدها، بل السياسية المتخصصة أيضاً، الرصينة المتمترسة جيداً في خنادق الإيديولوجية. «اقتدوا بالمدرّب الفرنسي إيميه جاكيه، وليصنع كلّ منكم مباراته النهائية في ميدانه، لأنّ فرنسا بحاجة إلى أكثر من مباراة نهائية رابحة»، هكذا كتب جان ـ ماري كولومباني رئيس تحرير صحيفة الـ "موند"، في صدر الصفحة الأولى.
مَن الذي يتوجّب أن يقتدي؟ الجميع في الواقع، حتى إذا كان كولومباني قد أحجم عن تعيين الأسماء. القائمة كانت تبدأ من رئيس الجمهورية اليميني جاك شيراك، وتمرّ برئيس الوزراء الإشتراكي ليونيل جوسبان، وتنحدر نحو زعماء اليمين واليمين المتطرّف، والوسط، واليسار واليسار المتطرّف. وكانت الانتخابات التشريعية، التي جرت قبل المباراة النهائية بأشهر، قد جعلت عربة اليسار الفرنسي تبدو ـ للمرة الأولى منذ أيام "الجبهة الوطنية" في الأربعينيات ـ وكأنها تضيء غمازات اليسار وتنعطف بالفعل نحو اليسار، لا كما كانت تفعل طيلة معظم عهد الإشتراكي فرانسوا ميتيران: الغمازات إلى اليسار، والإتجاه إلى اليمين!
وفي صفوف أحزاب اليمين كانت العركة طاحنة، تكاد تبلغ درجة القتال بالسلاح الأبيض أحياناً، بين مختلف تيارات اليمين: الديغولية التجديدية شبه اليسارية (قيليب سيغان)، والديغولية التقليدية اليمينية (شارل باسكوا)، والديغولية الليبرالية (إدوار بالادور)، واليمين الليبرالي التكنوقراطي (ألان مادلان)، واليمين الليبرالي الجمهوري (فرانسوا ليوتار). كان ساركوزي (أو "ساركو" كما يسمّيه الفرنسيون) في صفّ بالادور والديغولية الليبرالية من حيث الشكل، ولكنه في المحتوى كان يطبخ طموحاته الرئاسية الذاتية على نار هادئة، ويطوّر برنامجه اليميني المحافظ، في الاقتصاد والاجتماع والمواطنة والهجرة، ويخطو متمهلاً على طريق ذلك الإنقلاب الكبير الذي سيمكّنه من رئاسة حزب الأغلبية، رغم أنف جاك شيراك، قبيل الخطوة الأخيرة نحو الإليزيه.
وآنذاك، في غمرة مفاعيل هذه الصورة السياسية ـ الاجتماعية، لم يتردّد الكثيرون في تسويق المعادلة التالية: زين الدين زيدان، أو "زيزو" كما يسمّيه الفرنسيون، ضدّ جان ـ ماري لوبين! كان هذا مشروع سجال جدّي، وليس مزحة عابرة، إذْ سجّلت شعبية لوبين هبوطاً مباغتاً في استطلاعات الرأي، للمرّة الأولى منذ أعوام طويلة. متى؟ خلال تصفيات الصعود إلى المباراة النهائية. وحين رُشقت صورة "زيزو" على أعمدة قوس النصر الغاصّة بالرموز التاريخية، أمام مئات الآلاف من الفرنسيين المحتشدين في الشانزيليزيه، لم تكن محض دعابة شعبية أنّ الجماهير أخذت تهتف: «زيدان لرئاسة الجمهورية»!
ومع الاحترام المطلق لإرادة الناخبين الفرنسيين، أو غالبية النصف + 1 أو 2 أو 3 مرّة أخرى؛ ولكن مع استذكار أخطار العنف والعنف المضادّ التي خيّمت على الضواحي الفرنسية خريف 2005؛ فإنّ معادلة زيدان ضدّ لوبين قد تتبدّل سريعاً إذا أسفرت النتائج عن فوز ساركوزي، ولعلها ستأخذ صيغة سؤال في غيهب المستقبل: "ساركو" ضدّ "زيزو"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د