الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق :الوطن المقتول على يد أبنائه

حسني أبو المعالي

2007 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لم نكن نتعرف على الوطن الذي أحببناه منذ كنا صغارا إلا عبر الأناشيد المدرسية، ومن ثم دواوين الشعر، وعشقناه من خلال ما قيل عنه من جميل القصائد حتى وكأن الشعر أصبح لدينا هو الوطن، والوطن هو القصيدة فنتغنى بقوافيها وعذوبة كلماتها أكثر مما تطربنا أشجاره وسهوله وسواقيه، ونردد أبياتها عن ظهر قلب أسهل علينا مما نحفظ مشاهد من جباله الشاهقة ونخيله الباسقة وأنهاره الدافقة " حييت سفحك عن بعد فحييني يا دجلة الخير يا ام البساتين " وقالوا أيضآ "بين السهول وفوق النخيل عيون تقول بلادي أجمل ما في الوجود" , قورن الوطن بالمرأة الأم باعتبار أن كلا منهما يمثل رمزا للعطاء، ووصفوه بالمرأة الحبيبة وقالوا في حقه غزلا جميلا لما يتمتع به الاثنان من قيم جمالية رائعة . "تلك أرض سماؤها مثل عينيك صفاءا وماؤها سلسبيل" ذلك هو الوطن الذي غادرته مرغما منذ ثلاثة عقود من الزمن، وكنت أتوق إليه وأنا في الغربة مغرما به" موطني لو نسمة من موطني لو شراع نحوه يحملني لو تخفيت كعصفور فما يعرفني حارس يغلق عن عيني سمائي لوصديق لم أقل عز الصديق إن كل الشرفاء أصدقائي إنما آه لأقمار الطفولة".
حثنا الشعراء من أجل الدفاع عنه، وحذرونا من الأعداء والمحتلين "ولي وطن آليت الا أبيعه وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا" ولم يلتفت معظم الشعراء في قصائدهم إلى أن جوهر الوطن هو الإنسان، وأن ضرورة تقويمه وتوجيهه لخدمة أخيه الإنسان واجب وطني، فمن أساء إليه فقد خان الوطن وألحق الضرر به، فإقصاء المواطن العربي من قبل أهله هو بمثابة حكم الاعدام على الوطن وجريمة بحق المواطن وأصبح الاقصاء من أولويات السياسات العربية بداية من الحاكم المستبد الذي يستمد شرعية حكمه بقوة السلاح لا من الدستور وحب الشعب، وهو الحاكم الذي لا هم له سوى ان يقصي معارضيه، نزولا إلى اصغر مسؤول في الدولة وهو يبعد من يختلف معه من الموظفين الى رئيس التحرير في أية صحيفة مهما قيل عنها باعتبارها مستقلة قد لا ينشر لكاتب يخالفه الرأي. ولم نكن نتوقع في يوم من الأيام أن الوطن يمكن أن يقصي أبناؤه ويبعدهم عن ذويهم وديارهم وذكرياتهم الجميلة ويفرق بين الأصدقاء والأحبة.

ومن جهة أخرى فإن الوطن ينتهي ويموت في ظل التجاوزات والفساد، فالمواطن الذي يفتقد إلى عنصر الولاء للوطن لا يعنيه شأن أخوته في الوطن ولا يهمه شأن المواطنين بقدر ما تعنيه مصالحه الشخصية فيعمد إلى أن يسلك كل الطرق ويستخدم جميع الوسائل غير المشروعة لنيل مآربه وهي كثيرة ؛ فالرشوة آفة ضارة وسامة تفتك بالوطن وبالمواطن، والسرقة بكل أنواعها عار في جبين الوطن، والجهل ظلام في سماء الوطن؛ أما القتل وخاصة القتل الجماعي فهو جريمة بحق الوطن والإنسانية؛ وقد أصبح العراق نموذجا شاذا للوطن المقتول على يد أبنائه بين الأمم التي تحترم الإنسان. والعراق اليوم وطن ينتشر فيه الموت المجاني، و القتل اليومي من كل حدب وصوب بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وأنواع أخرى من الأسلحة الفتاكة التي قضت على الحياة في العراق ا لذي يزدحم بالشهداء الابرياء وكذلك بالقتلة المجرمين واللصوص ومحاصر بالاغتيالات والاختطاف والابتزاز والتهجير بسبب الجهل والتعصب الطائفي، ولم يعد للإنسان العراقي أي اعتبار، ولا أية حرمة ولم يبق للإنسانية أية معان نبيلة أو قيم أخلاقية سامية. وفي المحصلة نكتشف بأن أبناء الوطن هم أعداؤه " أبناؤك هم أعداؤك يا وطني" .....وبالتالي ستنتشر الفوضى ويعم الفساد والدمار في الوطن " سقط الزمان وأهله يتسابقون للابتذال يتبجحون بأنهم نصروا الحرام على الحلال فإن نظرت إلى اليمين وإن نظرت إلى الشمال أكوام مسحوقين لا في الجسم لكن في الخصال هذا زمان لا يعين ولا يعان بأي حال أذنابه عدد الحصى وذئابه عدد الرمال" .....
ينتعش الوطن عندما تنتشر المحبة بين أبنائه، وتصفو النفوس، وتنجلي الأحقاد والضغائن من القلوب؛ ويسعد عندما يسود العدل وتتحقق المساواة وتعم الحرية على الجميع.. يزدهر الوطن عندما يتألق المبدع وينجز العامل وينتج الفلاح ويجتهد الطالب، وبعكس ذلك سيصبح الوطن في خبر كان عندما يقتل المواطن أخاه في الوطن لإن الوطن هو الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس