الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدوية الايدز ومخرجات العولمة: أرباح الشركات أهم من حياة الملايين

باتر محمد علي وردم

2003 / 9 / 1
الطب , والعلوم


 

كاتب أردني

 

قامت الولايات المتحدة بعمل آخر ضد الإنسانية، ولكن ليس من خلال الأسلحة والحروب والضغوطات السياسية بل من خلال تقديم المصالح التجارية لشركاتها على حساب معاناة الملايين من الفقراء في العالم. ففي جنيف، مقر منظمة التجارة العالمية سيئة السمعة والصيت، رفضت الولايات المتحدة بعناد التوصل إلى اتفاقيات واضحة بشأن السماح للدول النامية بالاستفادة من البند الذي وضع في البيان النهائي لمؤتمر الدوحة عام 2001 بالحصول على أدوية رخيصة الثمن لمعالجة مرض الايدز وغيره من الأمراض المنتشرة في الدول النامية بدلا عن الأدوية باهظة الثمن التي تمتلك حقوق إنتاجها وبيعها الشركات الكبرى في دول الغرب. وهكذا فإن المؤتمر الخامس لمنظمة التجارة في كانكون، والمقرر عقده الشهر القادم سيحمل المزيد من الإحباط والآلام لمرضى الايدز في العالم ويقدم بالتالي لتيارات مناهضة العولمة أسبابا أخرى للثورة على عقيدة الاقتصاد الليبرالي الجديد المهتم بالربح على حساب حقوق الإنسان.

 

لقد أصبح الايدز وباءا مرعبا، ولا تتوقف آثاره على الأعراض الصحية للمصابين به والتأثيرات الصحية الاجتماعية والنفسية للمحيطين بهم، ولكن وجود حوالي 6 مليون مريض  بالإيدز في العالم يمثل حرب استنزاف مستمرة ضد الاقتصاد الدولي، حيث لا تتوقف آثار المرض عند من أصابه، بل تتعدى ذلك لتصيب الاقتصاد القومي في مقتل؛ لتوجيه المزيد من الموارد لقطاع الصحة على حساب قطاعات أخرى أهم كالتعليم والتنمية فضلاً عن انخفاض حجم القوى العاملة وساعات العمل بسبب تزايد حالات الوفاة. وكما تشير الإحصاءات فإنه من المتوقع أن يشهد العالم 120 مليون حالة وفاة بسبب المرض حتى عام 2025. ويا ليت الأمر يتوقف عن أبعاده الاقتصادية، بل يتعدى ذلك إلى البعد الاجتماعي مخلفًا وراءه الأحزان وتدنِّي مستوى الرفاة للأسرة كلها.

تشير مصادر منظمة الصحة العالمية إلى أن أعداد المصابين بفيروس الإيدز استمرت في الارتفاع منذ اكتشاف المرض، حيث أصيب ما يقدر بـ 6 ملايين شخص على مستوى العالم خلال 2002 منهم (600) ألف طفل تحت سن الخامسة عشر أي بمعدل (17) ألف مصاب يوميًّا على مدار السنة تقريبًا، كما قُدِّر عدد الوفيات الناجمة عن المرض منذ اكتشافه وحتى نهاية 2002 بحوالي 20 مليون شخص منهم حوالي 3 مليون خلال عام 2002 فقط. ويعيش حوالي 4 ملايين شخص من بين الـ 6 ملايين مصاب في دول جنوب الصحراء الإفريقية والتي منيت بحوالي 85% من حالات الوفاة لنفس العام، رغم أنها تؤوي 15% فقط من سكان العالم، وبالتالي فهي أشد مناطق العالم إصابة وتضررًا من المرض.

 

لقد دخل مرض الإيدز مرحلة جديدة في التعامل معه فلم يَعُد شأنًا صحيًّا فقط كما أنه لم يَعُد شأنًا محليًّا، بل أصبحت له آثاره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبعده الدولي أيضًا، ومن هنا يمكننا القول إن المرض دخل في مرحلة العولمة شأنه شأن العديد من القضايا مثل حقوق الإنسان، والديمقراطية، وحرية التجارة.

ويتراوح ثمن الأدوية التي يتعاطها مريض الإيدز من (10) إلى (20) ألف دولار سنويًّا، وتصل هذه التكلفة إلى (155) ألف دولار سنويًّا في مراحل متقدمة من المرض، وتفرض هذه التكاليف أعباء إضافية مرهقة على ميزانية الدولة، وتعجز الدولة في كثير من الأحيان عن الوفاء بها. حتى في الدول المتقدمة التي بها أنظمة تأمين صحي متطورة، فإن هذه الأنظمة قد لا تغطي كل التكاليف بالكامل.

وإذا ما سلمنا بمحدودية الموارد المالية للدولة، فإن ازدياد نفقات قطاع الصحة بسبب المرض سيكون على حساب تخفيض النفقات على قطاعات أخرى كالتعليم مثلاً، كما أن ارتفاع نفقات الرعاية الطبية الإيدز في قطاع الصحة نفسه سيكون على حساب مستوى الرعاية الطبية لبنود أخرى في قطاع الصحة كالأطفال أو المعاقين على سبيل المثال. ففي دراسة أجراها البنك الدولي عام 1997 تبين أن تكلفة الرعاية الطبية لمريض الإيدز خلال عام واحد تساوي 207 مرة من نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي، كما أن تكلفة الرعاية الطبية لمريض الإيدز خلال عام واحد تفوق تكلفة تعليم عشرة تلاميذ في المرحلة الابتدائية وبفارق كبير في العديد من الدول مثل اليونان – كينيا – البرازيل – زائير – تنزانيا – كوستاريكا، وفي أفضل الأحوال فإن التكلفتين تتساويان تقريبًا في دول متقدمة مثل اليابان - الولايات المتحدة الأمريكية.

وهذا ما يجعل الدول النامية والفقيرة التي تعيش فيها الغالبية العظمى من مرضى الايدز، تواجه معركة خاسرة لتأمين متطلبات العلاج والرعاية الصحية والحصول على الأدوية اللازمة من الشركات الكبرى التي تحتكر حقوق إنتاجها وبيعها تحت مظلة الاتفاقية العالمية للملمية الفكرية "تريبس" والتي ترفض السماح بتسويق وإنتاج أدوية ذات خصائص مشابهة من قبل شركات في دول نامية وتباع بأسعار أرخص. وفي الواقع فإن القطاع الخاص في دول مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تمكنت من  إنتاج عقارات للايدز والأمراض المعدية الأخرى مثل السل والملاريا تمثل نسخا محلية من الأدوية الغربية وتباع بأسعار مناسبة للفقراء، ولكن الشركات المتلهفة للمال كانت في المرصاد، وضغطت على حكوماتها وخاصة الولايات المتحدة لرفض منح تصريح لمثل هذه الشركات ورفع  دعاوى قضائية ضدها بحجة الخروج عن قواعد اتفاقية الملكية الفكرية.

هذه المواقف الأنانية واللا أخلاقية للشركات الغربية دفعت بكل مناهضي العولمة إلى الهجوم المباشر على سياسات هذه الشركات ومطالبة العالم بتأمين حصول المصابين في العالم الثالث على أدوية الايدز بأسعار تكون في متناولهم. وقد أصبح الكثير من السياسيين وحتى في الغرب يدعمون هذه المطالب.

أن مثال أدوية الايدز والأمراض المعدية، من أوضح النماذج على النفاق والانتهازية التي تحكم سياسات التجارة الدولية في العالم، وعلى مدى استهتار القائمين على هذه السياسات بقيم الحياة البشرية، ففي الوقت الذي تحسب فيه الشركات الكبيرة في الغرب أرباحها من بيع أدوية الايدز يموت الملايين من المرضى وسط معاناة صحية ونفسية واقتصادية هائلة دونما اهتمام. أن هذا النظام الجديد للعولمة الاقتصادية يثبت يوميا بأنه نظام وحشي ينبغي مواجهته حتى لا تصبح الحياة الإنسانية سلعة تباع وتشترى في السوق العالمي، وتكون فيها حياة الفقراء والمعوزين في البلدان النامية هي الأرخص، وأحيانا بلا قيمة إطلاقا.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشاري الطب النفسي جمال فرويز: المسؤليات المطلوبة من الرجل


.. صباح العربية | لقاح لكل أنواع السرطان.. أخبار سارة من روسيا




.. ارتفاع مبيعات مضادات الاكتئاب لأكثر من 3.6 مليون عبوة خلال أ


.. أصيبت بالسرطان.. لميس الحديدي تكشف سرا عمره 10 سنوات




.. لقاح لكل أنواع السرطان.. أخبار سارة من روسيا