الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الاستقرار في العراق

علي الشهابي

2007 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن إلقاء اللوم فيما آل إليه العراق من حال طائفية على القوى الديموقراطية المدنية فيه، لأن القوات الأمريكية أسقطت سلطته قبل أن ينضج البديل القادر على دفع المجتمع باتجاه الوحدة المجتمعية. ولهذا نراه يعاني مشكلة مزدوجة، تتمظهر بكونها مشكلة عدم استقرار.

فعدم الاستقرار نتيجة للتراكب بين مشكلتي الاحتلال والانقسام الطائفي. ومطالبة الحريصين على هزيمة المشروع الأمريكي باستقرار العراق، وقوع في شرك السياسة الأمريكية المستقتلة لنجاح مشروعها فيه، إلاّ إذا كان القصد منها وقف الاقتتال الطائفي. لكنّ "وقف الاقتتال الطائفي" اسمه وقف الاقتتال الطائفي، وليس "استقرار العراق". وهو مطلب ضروري وملح لأنه يخفف من معاناة العراقيين الحالية ويقوّي المقاومة. أما المطالبة باستقرار العراق الآن فمعناه استقراره للاحتلال، لأنه يتضمن أيضاً وقف العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال.

هذه المطالبة ترسم للعراق صورة مبتورة، يكون فيها محتلاً وبلا مقاومة مسلحة. وهي الصورة المرسومة أصلاً في ذهن القيادة الأمريكية قبل الغزو، وهي التي دفعت بوش إلى المسارعة في إعلان "انتهاء العمليات العسكرية الأساسية في العراق" وهي التي مازال الجيش الأمريكي يحاول عبثاُ جعلها واقعاً. لكن الفرق الجوهري بين بوش ومثقفينا أنه بات مضطراً لرسمها ومحاولة تسويقها، عسى أن تصير صورة العراق، لأن البديل عنها هزيمته المكشوفة. أما هم، فما الذي يدعوهم إليها؟!
الصورة الحقيقية
حكومة عراقية رسمية، شيعية الأركان، تتطابق أجندتها والأجندة الأمريكية، وخصوصاً لجهة تحقيق الاستقرار. صحيح أنها ناجمة عن انتخابات، لكنها انتخابات تحت الاحتلال، وفي ظل انزياح طائفي أوشك أن يكون صرفاً: شارك فيها الشيعة بكثافة، وقاطعتها قطاعات واسعة من السنة، ولم يحاول منعها إلا تنظيم القاعدة، الذي انفرد وحده بتفجير المراكز الانتخابية.

هذا الانقسام الطائفي الحاد، الآخذ شكل العنف الطائفي المتبادل، يوشك أن يدخل مرحلة الحرب المفتوحة بين السنة ككل والشيعة ككل. فمنذ احتلال العراق، وجرّاء الشرخ الطائفي الذي تعمق نتيجة لإسقاط نظام صدام بفعل الخارج، تبلورت فيه بالمحصلة ثلاث ميليشيات أساسية. الميليشيا الكردية وميليشيا سنية اسمها المقاومة وميليشيا شيعية باسم الجيش العراقي والشرطة العراقية، هذه التي انخرط فيها فيلق بدر وظل جيش المهدي "رسمياً" خارجها.
هذا الانقسام لا يني يتعمّق لأنه يتغذّى على "وقائع دامغة"، من وجهة النظر الطائفية. فالأيديولوجيا الأصولية تتهم الشيعة بالخيانة لكونهم ليسوا فقط بعيدين عن المقاومة، بل يعملون جنباً إلى جنب مع الجيش الأمريكي على سحقها. وهذا خير دليل على كفرهم، وعلى أن قتلهم حلال. هذا الخطاب، ممن يفجر نفسه ضد الجيش الأمريكي وأدواته العراقية من جيش وشرطة، من الطبيعي أن يقوي التطرف السني ضد الشيعة ليبلغ مرحلة تفجير مساجدهم، وتظل هذه الممارسة مقبولة في الوسط السني. وإلا كيف نفسّر تنامي قوة تنظيم القاعدة في العراق، طوال الفترة الماضية، لولا هذا القبول؟
وبالمقابل، فإن هذا التطرف من الطبيعي أن يلحم الشيعة بتنظيماتهم لأنه يضفي على الأيديولوجيا السياسية لتنظيماتهم مصداقية ادعائها بأن هذه ليست مقاومة، بل مجموعات تكفيرية تريد إبادة الشيعة لأنهم شيعة، ومجموعات صدّامية تريد إعادة العراق إلى عهد الديكتاتورية. بالتالي، من الضروري التشبث بالديموقراطية القائمة، والعمل معها ومن خلالها، للقضاء على هذه المجموعات طالما أن الجيش الأمريكي سيرحل في النهاية، ولكن ما يطيل أمد وجوده هو هذه المجموعات.
الطريق الوحيد
هاتان المشكلتان، الانقسام الطائفي والاحتلال، لا يمكن حلهما إلا معاً، وبنهج وحيد، هذا إذا ما أراد العراقيون بناء مجتمع ديموقراطي مدني على أنقاض هذا الخراب. صحيح أن السير على هذا الطريق شاق وعسير، ولكن لا مناص منه طالما أنه المخرج الوحيد من الكارثة الراهنة، كارثة الاقتتال الطائفي المفضية حكماً إلى دويلتين سنية وشيعية، إلى جانب الكردية القائمة بقوة الواقع.

فواقع الحال أن الجيش الأمريكي يعتبر المقاومة إرهاباً، ويلاحقها للقضاء عليها. ويستغل المذابح الطائفية، التي كان هو أول من باشر بارتكابها، ليضع العراقيين أمام إما وإما: إما استمرار المذابح الذي يخسر به الجميع، وإما استقرار العراق الذي يستفيد منه هو وهم. ولهذا يحاول أن يرسم لنفسه صورة الأب العادل بين أبنائه. يؤدب المقاومة على إرهابها الذي يقتل العراقيين الأبرياء، وبنفس الوقت يلاحق "جيش المهدي" الذي يرتكب المجازر ضد السنة.

والتنظيمات الشيعية البارزة كلها تتشدق بمدح المقاومة الشريفة، وبنفس الوقت تساعد الجيش الأمريكي في القضاء على كل مقاومة، بذريعة أن المقاومة غير الشريفة تقتل العراقيين. وبهذا تصير كل المقاومة عملياً غير شريفة، لعدم التمييز فيها بين فصيل وآخر، طالما أنها كلها سريّة.
هذه الخدمة السياسية التي يؤديها كل من يرتكب المجازر الطائفية، وخصوصاً تنظيم القاعدة، للجيش الأمريكي وأزلامه العراقيين، تفوق بأهميتها إرسال نصف مليون جندي من قوات الأطلسي إلى العراق. صحيح أن عدداً من فصائل المقاومة السنية ضد قتل الشيعة، لا بل إن بعضها كان ومازال يرفض حتى قتال الجيش العراقي. لكن مجازر تنظيم القاعدة ضد الشيعة دفعت النفس الشعبي عندهم ضد هذه المقاومة، ورصت صفوف معظمهم خلف تنظيماتهم، لتنداح المجازر الطائفية المتبادلة أمام الجميع.. وبرغم أنف الجميع.

هذا الوضع في العراق كان عصياً على الحل، حتى وقت قريب. ولكن بما أن أي مشكلة لا تشير ببنانها إلى وجهة الحل وكيفيتة إلا عندما تنضج، فقد نضج الوضع العراقي ليشير إلى هذه الوجهة من خلال مؤشرين متكاملين، يصلحان كأساس لبداية السير على طريق الحل. وهما نشوء فصائل مقاومة شيعية، والموقف الجديد الذي تبناه حزب الفضيلة الإسلامي.

• لن أتحدث عن جيش المهدي الذي قام كل مبرر وجوده على مناهضة الاحتلال، لأن موقفه هذا بات جزءاً من الماضي، ولو أنه من أقوى المرشحين للعودة إلى المقاومة. لكن انبثاق فصائل مقاومة شيعية، ولو جنينية، إنما يسهم مساهمة فعّالة في إضعاف أيديولوجيا تنظيم القاعدة بين السنة. هذا الانبثاق، في الوقت الذي يعزز المقاومة ضد الاحتلال، من الطبيعي أن يخفف من الانقسام الطائفي الحاصل. وقد شهد العراق، في الآونة الأخيرة، بروز ثلاثة من هذه الفصائل: كتائب الإمام علي وكتائب العبّاس وكتائب السّجّاد.
• انطلاقاً من عقلانية، يندر وجودها في حزب طائفي، رأى حزب الفضيلة الإسلامي أن واقع الحال سيفضي إلى المزيد من المواجهات الطائفية بين السنة والشيعة. وبما أنه يستحيل أن تنتصر طائفة على أخرى في الحرب الطائفية، بل ينهزم الجميع، قام حزب الفضيلة بالانسحاب من الائتلاف الحاكم ـ الائتلاف العراقي الموحد ـ وطالب بإصدار قانون يمنع قيام الائتلافات السياسية بين أحزاب من طائفة واحدة.

هذان المؤشران، من الخطأ النظر إليهما كحادثين منفصلين. فهما يتكاملان من حيث الزمان، نفس المرحلة، ومن حيث انعقاد السياسي على العسكري. وبالتالي، فهما يدعوان فصائل المقاومة والأحزاب السنية للعمل معاً على حل مشاكل العراق بالاتجاه المعاكس للانقسام الطائفي، وتحديداً باتجاه مقاومة الجيش الأمريكي ـ البريطاني.

ملاحظة أخيرة
أرجو ألاّ يقال إن مرد موقفي هذا، أنا المقيم خارج العراق، التضحية بالعراقيين على مذبح الرغبة في هزيمة المشروع الأمريكي. فلا أحد قادر على منع استقرار العراق في ظل الاحتلال، إن كان قابلاً للاستقرار. لكنه غير قابل، بدليل السنوات الأربع الماضية. غير أن الانقسام الطائفي يبقي المجازر الطائفية ويزيدها عنفاً، ويكلّس المقاومة أكثر فأكثر دون أن ينهيها. أما طريق المقاومة فيقويها من كل النواحي، وبنفس الوقت يخفف من الانقسام الطائفي، مما يؤسس لبداية تعبئة مدنية تطالب بجلاء الاحتلال، تفعل فعلها شيئاً فشيئاً في توحيد الشيعة والسنة عراقياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا