الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلم الجميل وتجربة الهنود الحمر

محمد جمول

2007 / 5 / 11
كتابات ساخرة



كم سيكون هذا العالم محظوظا وسعيدا لو نال شرف الانضواء تحت الاحتلال الأمريكي ، ونال من النعم والبركات والبحبوحة ما ينعم به الشعبان العراقي والأفغاني. بم يحلم أي شعب أكثر من هذه الديمقراطية النظيفة التي لا تخلف وراءها دارا ولا ديارا ؟ واحد من الأسئلة الكثيرة التي تحيرني ولم يجد عقلي لها جوابا. تحيرني هذه الشعوب التي لم تبلغ سن الرشد بعد , مع أن عمرها آلاف السنين. هل هي معتوهة بالوراثة؟ أم اكتسبت هذا الخبل مع مرور الزمن؟ وهل وصلت العدوى إلى الجميع؟ لماذا كلما جاءهم فاعل خير صدوه وردوه ومنعوه ؟
هذه قصة اليابانيين الذين أساؤوا الظن بهذا المحسن الخير والفارس الشهم , ومع ذلك كظم غيظه وأصر على إكمال صنيعه , فمنحهم أغلى ما عنده وخلاصة ما كان توصل إليه عقله آنذاك. لقد أعطاهم ما لا يعطيه الأب لابنه أو أخيه، و ورثوهم , وعلى مدى عشرات الأجيال , مالا يورثه أكثر الجدود حناناَ لأحفاده. وسوف تظل الأجيال لآلاف السنين في هيروشيما ونغازا كي تتذكر تلك اللحظة التي انهالت عليها نعم ذاك المحسن الطيب القلب. ومع ذلك لا يخلو الأمر من وجود ناكر جميل هنا وجاحد هناك لا يعترف بفضل هذا المحسن الطيب ولا يقدر أفعاله حق قدرها. لكن الغالبية تعترف بهذا الفضل وتقر به, وخصوصاَ أولئك المشوهين وأصحاب الأمراض والعاهات الدائمة ممن اطمأنوا أن بإمكانهم توريث ما ورثوه لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم .
وقبلهم كان الفيتناميون أكثر حماقة وجحوداَ وإنكاراَ للمعروف حين عجزوا عن فهم معنى ما قام به هذا المحسن الطيب من بذل ما لديه لتدمير كل ما وصلت إليه يده أو طائراته من زرع وضرع وبشر. ومع أن هؤلاء لا يزالون ينعمون بآثار ما قدم لهم على شكل أمراض غامضة لا علاج لها وعاهات دائمة يمكن للآباء أن يورثوها لأبنائهم إلى ما شاء الله من الأجيال القادمة , قلما تجد من يقول كلمة شكر واحدة لهؤلاء الذين قدموا الآلاف من أبنائهم والكثير من أموالهم على مدى عشرات السنين من قتل وحرق وتدمير. إنها قصة نكران الجميل ذاتها التي نراها عند الشعوب دائماَ.
وحدهم الهنود الحمر كانوا شعبا طيبا . كانوا عقلاء ومعتدلين. لقد تصرفوا بحكمة وواقعية وقبلوا ما قدمه لهم المحسن الطيب الذي تركهم ينعمون بسلام القبور وصمتها. ولو أن جميع شعوب الأرض تحلت بما تحلى به الهنود الحمر من حكمة وتسامح لكانت الآن تنعم بديمقراطية العم الطيب بما توفره من مساواة بين الجميع إذ لا ظالم ولا مظلوم ولا قاهر و لا مقهور ولا فقراء يشكون من جور الأغنياء وجشعهم. الكل راض بما قسمه لهم العم سام، فلم يأخذ أحد منهم شبراَ واحداَ زيادة عن الآخر، وكل منهم يكفيه قبره منذ مئات السنين حتى الآن مع أولاده وأحفاده. ولو أن الجميع رضي بما قسمه العم الطيب كما رضي هؤلاء الحكماء الطيبون لكانت البشرية ودعت الحروب والنزاعات وألغت الحدود بينها منذ أمد بعيد، ولكانت الآن تعيش حياة خالية من الأمراض والكوارث والأوبئة والتلوث وأزمات ازدحام المدن ونقص الماء والغذاء.
العرب عموما، والعراقيون تحديداَ لم يبلغوا سن الرشد، ولم يحاولوا الاستفادة من تجربة الهنود الحمر. وكان الفلسطينيون سبقوهم في العناد حين رفضوا الانقراض طواعية. وبذلك يؤكدون مرة بعد أخرى أنهم كانوا دائما يصرون على الوقوف في وجه "القحبة " الدولية أو ما يسمى خطأَ "الشرعية الدولية" التي لم تتردد يوماَ عن تجريد الشعوب الضعيفة البائسة من آخر ما بقي لها من الرزق والكرامة باسم المجتمع الدولي الذي تحول إلى وحش لا يرحم ولا يشبع بفضل العم المحسن الذي اغتصب " القحبة " الدولية فأنجب لنا سلالات من الحكام العباقرة المعتدلين الذين لم يفلحوا إلا بتجميل الهزائم ونبوءات الشؤم التي يعرفون من خلالها كل الويلات والمآسي والكوارث والهزائم التي سوف تصيبنا والتي تنتظرنا على أيديهم وأيدي غيرهم .
لقد برع هؤلاء الحكماء" المعتدلون" والاستثنائيون بمقاييس كل العصور والدهور في لعب دور كل من الحرامي والناطور المتواطئ مع اللصوص وزعيمهم العم المحسن الطيب الذي أصبح متعهداَ لغسل ودفن البلدان ، سليمة أو مدمرة ، جزئياَ أو كلياَ، وبأجور مخفضة تناسب الجميع ، والكل برعاية " القحبة " الدولية ، وصلوات وتبريكات حكمائنا الذين يرسلون من يواليهم إلى الجنة ومن يخالفهم إلى النار. والباقون من عباد الله، سابقاَ، يصبحون عبيدا لهم ولأولادهم الذين سيرثون عنهم الحكم والحكمة و"الاعتدال" وعلم غيب الهزائم والكوارث والويلات التي يعرفونها لحظة بلحظة وخطوة بخطوة كمعرفتهم أسماء آبائهم وأمهاتهم. مثل آبائهم، وبوحي من العم الكبير،متعهد الغسل والتدمير والدفن، سيواصلون نبوءاتهم التي تخبرنا عن المواعيد الدقيقة لتدمير كل بلد من بلداننا وكيف سيدمر، وكم سندفع أجراَ لقاء ترتيب الجنازة اللائقة بهذه البلدان التي كانت جميلة ذات يوم قبل أن تصبح مزارات يقومون بخدمتها واستقبال السياح والزائرين وتقاضي الرسوم والنذور والأضاحي. بظل هؤلاء، سيحلم من يبقى على قيد الحياة وقيودهم بقرب اللحظة التي يحين فيها موعد جنازة بلده ليحظى برضا العم الطيب ودعوات الحكماء وشيوخهم الأجلاء . وسينعم أولاد هؤلاء وأحفادهم بما يحمله العم الطيب من هدايا يوزعها في كل شارع وساحة ومزرعة ومدرسة. سيترك لهم كل ما حملته طائراته وسفنه من قنابل وصواريخ ودمى كبيرة وصغيرة كي يلعبوا ويموتوا بالطريقة التي تروق لهم ودون أن يكون العم "الطيب جداَ" مسؤولاَ عن أي شيء هذه المرة .
على مدى عشرات السنين ، أقنعنا هؤلاء الحكماء وآباؤهم وبعض أبنائهم ، الذين شرعوا مؤخراَ بتعاطي الحكمة والعرافة من مواقع الحكم ، وبعد ما حققناه بقيادتهم من هزائم مشرفة وذل وهوان مجيدين،أنه من الأشرف أن نكون بلا أوطان، أو أن تكون أوطاننا مزارات وأضرحة ومواقع حضارات بائدة تحتضن الآثار والشمس والغرباء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب