الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعانق الضوء خارج القفص

أوزجان يشار

2007 / 5 / 12
الادب والفن



تستمر الحياة خارج القفص الذي بناة الإنسان.. هذا القفص الذي بناه و أسسه, مفاخراً الأزمنة الغابرة و القادمة بما صنعه.. لاهثاً وراء كم هائل من الافتراضات الهشة مثل طيور حبيسة تشتاق للحياة خارج المستعمرة القفص.. نسى هذا الإنسان بأن أروع ما يمكن أن يعاش هو خارج هذا القفص الكبير الذي بناة و أجمل ما هو خارج هذا القفص هو الحياة بلا افتراضات مجنونة..بلا نظريات مؤامرة ..بلا شك مرهق.. ثمة سحر في العبير الذي ينطلق من الورود البرية في الغابات و الأحراش, هذا العبير ليس من مستحضرات جفينشي أو كريستيان ديور .. أنه سحر حقيقي يذكر هذا الإنسان بأن القفص الذي بناة لا يحمل شيئاً من الأصالة أو الرشاقة.
لم أجد مدينة تلعب مع الشمس مثلما وجدت الغابات البرية, أنها تتفنن في محاورتها, في استلال خيوط أشعتها عبر ممراتها الضيقة, و أشجارها العالية, و تبرع في صنع الظلال في زواياها و أركانها.
حوارية دائمة للضوء, للشمس هنا سطوة لا تقاوم.. الشمس التي حكمت معظم ميثولوجيا العالم القديم من فراعنة و آشوريين و بابليين.
حين تحلم الطيور بتجاوز عتبات هذا القفص المظلم, لا يهمها حين تخرج من عتمة هذا السجن أن تفقد إبصارها.. نعم لا يهم فقدان البصر..المهم هو الحياة خارج ظلام هذا القفص , وذلك العبير الذي ينطلق من الورود في الغابات الاستوائية البكر حيث دفء الشمس ومن يدري .. ربما كانت العيون في ظلام القفص تمرن نفسها على معانقة الضوء , من دون أن تذهب حدته بتألق البصر فيها عند اللقاء .
العلاقة بين المبدع, في المجتمعات الإنسانية التي تحكى عنها كتب التاريخ , وبين السلطة , كانت في معظم الوقت , تدبيرات جد محكمة من جانبها , خوفا من أن يهرب الفنان المبدع , بفنه وتفانيه , خطوة خارج هذا القفص. وكل السلطات في حكايات المجتمعات التي تتحدث عنها كتب التاريخ, أهملت في علاقتها بالفنان , بعض الحقائق البديهية حول طبيعة الفن و الإبداع, وتصورت أن الإبداع يمكن أن يعيش ويزدهر في ظل الهراوات والعصي و الإقصاء و التهميش , لكن الإبداع الحقيقي لا ينمو إلا في مناخ ديمقراطي عادل يؤمن بازدهار الحريات , واستقلال المبدع, وتطور الفنون عامة , ولا يمكن أن يتطور وحده بمعزل عن كافة الشؤون الاجتماعية الأخرى من ثقافة و سياسة و علوم, لابد للمبدع من خطوة للخروج من القفص, اتهموا (( فان جوخ )) بالجنون والخبل, لكنه لم يكن مجنونا. أراد أن يعبر فقط عن مفهومه الحقيقي للعشق الجامح, عن إحساسه بطغيان ذلك الدفء الغامر لحبيبته, فقطع أذنيه و أرسلهما مع رسالة إليها علها تدرك بأن الصدق في المشاعر لا يحتاج لشكوك و لا يحتاج لطقوس متطرفة.
اتهموه بالانغماس في الملذات الحسية , وعشق الحياة البوهيمية , لكن (( تولوز لوتريك )) لم يكن بوهيميا . لم يكن يعيش في الشانزلزيه أو ينتمي إلى الطبقات الارستقراطية في المجتمع الفرنسي. كان يعيش صعلوكا مع البائسين في حي من أفقر أحياء مونمارتر , يشارك السمار في المقاهي الليلة حياتهم , ويصنع من سكان الحي في لوحاته أعمالا فنية تتجاوز الزمن , ومرور الأيام والسنين , وتقاوم ذلك العجز المقيت الذي يزحف إلى العروق.
الم يكن ضحية من ضحايا الافتراضات الهشة عندما اعتقد بأن "دينيز" التي رسمها بإخلاص وتفان وتوهم أنها تبادله نفس العاطفة و الحب و لكنها بادرته بالحقيقة قائلة "أيها القزم الدميم لن تحبك امرأة قط,, ولن تمنحك امرأة قلبها أبدا" .. هكذا رشقته بالكلمات كأنها ترشق السكين في قلبه مما عجل برحيله عن القفص باحثاً عن الشمس.

كل فنان مبتكر يبدع في إطار العرف السائد , والتقاليد الأدبية و الفنية المتوارثة .. ويثور عليها .
وكل محاولة, للخروج عن إطار المألوف, المتفق عليه, المتوارث الذي يلهث الجميع بالثناء عليه, هي محاولة للتمرد, يرى بعضهم أنها تستوجب العقاب.

حين شرعنا في رحلتنا , يجذبنا إلى النهر ما في النهر , وإلى البحر ما في البحر , لم يكن باستطاعة كل التدبيرات المحكمة , للطيور الهاربة من القفص , أن تمنعنا من الخروج خارج الحلقة , بعيدا عن كل هذه الدوائر , من دون أن نخشى يوماً معانقة الضوء .

الآن .. ونحن في القارب .. لا نفكر متى بدأت الرحلة, وهل عشنا حقا في هذه المدينة, كل هذا الزمن الطويل.. لا يهمنا الآن, ونحن في القارب, أن نفكر في العقبات التي صادفتنا على الطريق. لم نعد نسأل أنفسنا هل كنا نحلم أم لم نكن. هل أنصفنا الجميع أم لم ننصفهم .
وهل كان من حقنا أن يكون الحلم .. حلمنا الاتساع.. بكل هذه اليقظة, وبكل هذا الطموح. الآن ونحن في القارب نمد أيدينا, ونصيح في الواقفين على الضفة الأخرى من النهر, ولمن في النهر, نحن نريد أن نتصافح معكم أصعدوا..أصعدوا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح