الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مراث لااصدقائي الاحياء وأولهم نصيف فلك

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2007 / 5 / 15
الادب والفن


أين ستحط راحلتك الهرمة؟ اين سيقضي طائرك فصله الاخير؟ بعد هذا العناء وفصول المغامرة ..بعد أن ضاقت بك سموات البلاد..باي قرطاس من الخراف والبوح ستؤرخ لرحلات العمر المجنونة؟
لربما أعجز لوحدي عن الاجابة عن هذه الاسئلة لان كلينا أحترق بسنوات المحنة وتكبد نفس الخسارات في العمر والاصدقاء والاحلام ونال قسطه من الفجائع والمصائب في حقبة البعث السوداء.
المرثية نمط عريق في ابداعنا العربي ولكن كانت بالنسبة لنا وثيقة الخيبة وأعلان لهزائمنا المتواصلة وتبعثر أحلامنا في معارك خاسرة على الدوام مع خصومنا وخصوم الحياة والانسانية.
اتأملك في خريف المحطات كائنا أسطوريا خارجا من الانكسار ومن فرص النجاة العجائبية من أشكال الموت.
تلملم بقايا هشيم الروح وظلال الاسماء الراحلة التي مزقت وجوهها رصاص الحروب العبثية وسلالم المشانق الرهيبة ومرارة المنافي الموحشةبعيدا عن سموات الطفولة الاولى هل نندب الان عودنا الذي تصلب في أزقة المدن البائسة ونما في لجة الكابوس الذي أبتلع الاعمار الغضة لاصدقائنا ومع ذلك حافظنا على وصايا العاشقين والمعلمين الاوائل ورفاق المحنة .سر أبدي كان يشدك للوصول لحقيقة الاشياء تلهث وراءه وكأن هناك قبسا من نور ازلي ينتظرك فأودعته الرؤية الاولى لمشهد الفجيعة الاولى بالاحلام فورثك التمرد والانفلات عن المسارات الرتيبة والمسالك الامنةفكنت وحيدا خارج تعاليم الاحزاب المنتصرة والمهزومة وخارج نشيد القطيع الموحد.فكتبت بيانك الاول متماهيا مع بيانات الموت التي تذيعها السلطة من شاشات الرعب والغثيان وأذاعات القرف منذ ذلك الوقت وأنت تراوغ الموت لكي تظل شاهدا لتأبين اسماء الصحبة الذين قتلوا وسيقتلون ولتؤرخ مدونة العذاب التي لم يضمها كتاب من قبل ولاعرفها تاريخ قبل ان يسجنونك او تتيه بالمنافي وقبل ان تنتظر الموت على اعتاب شيخوخة مبكرة أودعت في خزائني السرية (ريشاتك المتطايرة)( ونعش لنهرك) المتيبس في ذاكرة تختصرها ايام الحروب واللجوء اللاانساني وترقب الموت على خفافيش الكهوف المظلمة وبعد ان اقراها اتيقن بأن الشعر والكتابة هي المحاولة الوحيدة المتيسرة لاثبات البطولة امام اثام سلطة تحاول احتواء وابتلاع الاسماء والوقائع لتتكلم بالنيابة عن جراحاتها وعذاباتها وتجميلها اوتزييفها.يعزيك دوما بقية من اغاني فيروز اللؤلؤيةوالق الروح تكفيك للسير فيما بقي من المسافة فكانت القصيدة والرواية والكتابة تعاويذ قدسية متمردة على هندسة اللغة واشتراطاتها المسبقة واوزان كياساتها وطريقةللتعبيرعن عواصف الغضب والسخط والاحتجاجات.في قصيدة ((موسى)) وهوأسم لوليدك البكر ونشيد طائرك الهرم كانت ثمة ريشات تتطاير من فروة العمر المثقوب بالرصاص المتطاير لساحة ابوغريب وقضبان السجن الايراني المرعب وانحدار الجبل الاخير لوطنك الذي هربت منه دون اثباتات رسمية الالسانك وبقية وثائق مزورة للوقاية من اشباح الانضباطية وبييرياتهم الحمر جداوبقية من ذاكرتك وبقايا قصائد وخربشات ترافقك دوما وتعزيك لمزيد من الايام .فوجئ اصدقاؤك او ماتبقى منهم بوجودك حيا في احد الاحياء النائية على هامش المدينة تلوك اخر الايام الهرمة تصوروك قضيت مقتولا في احد الضيافات الكريمة لسلطة القائد الوحشي اوفي احدى الزنازين الكثيرة التي ولجتها او اثناء عبورك لجبال الوطن اوفي اسفار رحلتك الاخيرة الغامضة.عزمت في اول رثائي لااصدقائي الاحياء ان تكون اولهم لانك كنت الاول بارتقاء اسطورة المجدعندما بصقت علنا على صورة الطاغية دون خوف في المقهى والزنزانة وعلى مشارف الملاذات التي تلوذ بها وانت هاربا من الخدمة العسكرية ومن خيارات لاتليق بجنونك وتمردك ومفارقتك للاشياءمع احتفال الاشجار وبين كرنفالات الصحبةاحتفل نصيف وبعد عمر طويل من الخيبات والمرارات بصدور كتابه الاول مطبوعا وهي رواية (خضر قد والعصر الزيتوني))وكانت مكافأة قدرية لمستحقات سيرته الوطنية والابداعية ولو اتت متأخرة وكانت الرواية الصدمة الاولىفي مشروع الصباح والفأل الحسن للرهان على انجاح هذا المشروع ولم يجد نصيف في هذا الكرنفال الذي كان يحلم به طويلا سوى كلمات قليلة لاعلاقة لها بمسيرة الليالي الطويلة من المغامروالنفي والسجن ومخاتلة الموت مرارا وتكراراتاكتفى بالقول (باني من حقي احتفل بمولودي الجديد كما تحتفل الاشجاربعيدها )وبدا مشهد توقيع نصيف لكتابه جزاءا من سريالية مقاطع سيرته الحياتية او ذروتها لربمافي (خضر قد )و ((الريشات الضائعة ))واعماله الاخرى اشارات استفزازية لسادة العدم وهم ينتهكون البراءة ويشوهون نضارة الحياة ويستبيحون الذاكرة والاسماء يكتب نصيف الكلمات كمن يغزل حروفه بمهارة على مغزل الحياة الدوار فتتناثر الاسماء والوقائع ويلظمها من جديد بمهارة وجنون دون ان يطلب من احد البكاء او الاغاثة اوالنجدة متمرد بدائي على طواطم الحياة ورموزها المقدسة سعيا لبلوغ الكائن الطاهر البرئ قبل ان تتلقفه شياطين الحياة وسادة عدمها ومغتصبي جمالها انظر اليك اتأملك جيدا في كرنفالك الاخير يتسربل بصمت البوذيين واتنبأله بجولة جديدة من المغامرة والتوثب وكأنه يبغي معاقرة ما تبقى من العمر الذي انقضت ايامه السالفات بين قوسين من الحروب والمنافي وقمل السجون وكأن حياته لم تكن سرابا محضا من الهباء في لحظة سابقة من الوجود.
نصيف فلك في سطور
*ولد بين صفيح التنك والمستنقعات الآسنة للمنطقة التي يسموها (الشاكرية) تلك الصرائف المتهاوية التي اسست بداية لغزو المهاجرين الفلاحين للمدينةوانتهاك بهاء العاصمة
*في الصبا مارس عشقه المبكر في حديقة (الجوادر)الشهيرة وتعلم دروس الشغب المبكر في ازقتها الضيقة وتعلم مبكرا التوثب والمغامرة والاستهتار بالسلطات الابوية للوالد والسلطة والمعلمين وامتد الاستخفاف ليصل فيما بعد للجلادين الذين استقبلوه في زنازن الوطن السعيد والمنفى الغريب
*مدرسته :تعاليم القديسيين وروايات العبث الكاموي والتمرد السارتري والغاز كولن ولسن قبل ان تتسيد ثقافات الايدلوجيات المنتصرة والمهزومة وتتسلط ادبيات الحزب القائد على مكتبات الوطن المدرسية وغيرها *
*الشباب الاول رحلات مجنونة ابتدأها بتسلق الجبل الاسطوري (صقر))وهي تسمية افتراضية لاول جبل حضره للهروب والتوجه لمسالك الغياب البعيد
**انفصل عن رحم الوطن بعملية قيصيرية في ثمانينات القرن الماضي ليدخل جحيما اخر لايقل وحشية وفضاضةعن جحيم وطنه
*موقف بطولي
لايمكن ان انساه في ليلة ظلماء اقتادني كلاب الليل البعثي لغرف الاستجواب والتعذيب على اثر وشاية قام بها احد الاصدقاء المقربين متطوعا كادت ان تلقي بي بالهلاك المحقق لو تدخل قدري لاحد الاقارب في اللحظة الاخيرة فصمم نصيف فلك وحده دون اصدقائي الاخرين على الاقتصاص من صديقنا المخبر الوضيع الاان الحرب الكارثية سبقت نصيف بالانتقام من هذا الواشي الخسيس قبل تنفيذنصيف لعزمه البطولي فكان ذلك الموقف دينا في رقبتي لم اتمكن من مقايضته الا باستقباله بطلا ونزيلا في سجن ابو غريب في منتصف الثمانينات وهو يتوسد قناني الغازويستظل ببطانيات السجناء من البرد والحرالشديدين
*عمل في حياته الاولى عاملا للكهرباء فقطع اسلاكها وفر من قوائم حساباتها ليعود لمقاعد الدراسة من جديد وتحدى نفسه بان يكون بين الناجحين الاوائل لاامتحان البكالوريا وتم له ماراد
*لم تحتمل شطحات احلامه وانفعات توثباته الا اكاديمية الفنون الجميلة فقبل بها طالبا متمردا قام بمسرحة فصول حياته وترجمة احلامه المجنونة على خشبة الاكاديمية المسرحي لتكون اطروحته في الاخراج حدثا استثنائا لايمكن لتاريخ الاكاديمية او ذاكرة الطلاب ان تنساه حيث كانت اطروحته عبارة عن حفل تنكري جمع فيه كل انوا ع السباب والشتائم لييقذفها في وجوه رفاق الحزب واستاذة التقارير الزتيونيين وبدلا من شهادة الامتياز التي منحها له اساتذته المشرفون سقط بالامتحان بتقرير ووشاية استاذ مناضل جدا للبع ويعمل حاليا مناضلاماجورا لاية جهة في الولايات المتحدة التي ذهب اليها منذ زمن طويل
*بعد تخرجه من الاكاديمية وبعد تدخلات للاعتراف به كطالب متخرج ادمن التسكع بين ازقة شارع الرشيد هاربا من اشباح الانضباطية والامن المندسين في المقاهي والشوارع والحارات
*اول من تجرا علنا على البصاق على صورة (السيد الرئيس ))في حانة وكان البعث في ذروة قسوته وسيادة اجهزته المخابرتية والامنية
*بين قوسين من كوابيس الحروب وشبح الاعتقال ومرواغة الموت وتقتيل جماعي لااصدقاءه خطط لعمليةهروبه دون حمايات حزبية اوضمانات اايدلوجية الامن مجازفة الدليل الكردي الذي اقتاده في اغرب واخطر رحلة نحو المجهول الايراني
*بعد خيبته الجديدة في المنفى الايراني وفشله باللحاق بقوافل الفارين لاوربا وامريكا فضل العودة طائعا لجحيم البعث وصدام من جديد
*فاقتادته شرطة الحدود لااقبية الامن ومن ثم لقفص محكمة امن الثورة) لتحكمه بما يشبه الفخ بعشرين عاما جديدا من المرارة *شهد اكبر مجزة بشرية بحياته أداها ببراعة رجال الحرس الجمهوري والطوارئ بحق سجناء ابو غريب المتمردين والغاضبين كتب عنها فيما بعد حروفا لم تتماهى مع اللحم المفروم والاطراف المتناثرة لااصدقاءه السجناء والتي ظلت عالقة على ابواب ذاكرته
*أزداد الصلع وغزا البياض ما تبقى من شعرات رأسه
ومع ذلك بقى يرنو للعصافير الملونة من نافذة ايامه المتسربة ولازال ينثر ريشاته المتطايرة املا بتجميعها على جسد طائر اسطوري يحلق به لوطن من الامان والعافية لاجيال قادمة لم تشهد اكل هذه المرارا ت والخسارات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟