الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقدمية: ما معنى أن نكون تقدميين؟

محمد الخالدي

2007 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


إن التقدمية ،كما يستفاد من معناها اللغوي،انحياز لقيم التقدم و المستقبل و رفض لقيم التأخر و التقوقع في قوالب الماضي و تناقضاته، فالإنسان هو ابن الحاضر التواق للغد المستشرف لأرحب الآفاق عبر مستويات و جوده المختلفة .
لكن هل فعلا أن التقدمية مرتبطة بالزمن؟هل كل قيمة آتية من الماضي مرفوضة وكل قيمة جديدة مقبولة؟
بالطبع لن يكون الجواب بالإيجاب، و ذلك لسبب بسيط هو أن جوهر التقدمية المميز لها هو الإيمان بالإنسان،بألف و لام العهد، مما يجعلها ذلك الموقف المنحاز والمنتصر له،بغض النظر عن دينه أو لونه أوعرقه أو لغته أو موقعه المجتمعي، ومن غير ارتهان لأي بنية اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو اقتصادية.
إن الإنسان هو الأولوية بل والمركز الأساس الذي ينبغي أن يدور في فلكه كل بناء اجتماعي أو سياسي أو ثقافي أو اقتصادي.
لقد وجدت الدول و المجتمعات والثقافات بفعل جهد الإنسان فهي منتجاته وأدواته التي ينبغي أن تكون خادمة له عوض أن يتحول هو إلى خادم لها تتحكم فيه وتسيطر عليه .
لا يمكن لأي منطق أن يبرر استغلال الإنسان وتشييئه بل وتسليعه ،وإن ادعى البعض وجود هذا المنطق أو المبرر فلن يكون وراءه إلا شخص أو فئة مستفيدة من هذا الاستغلال وحتما فإنها عندما تتصرف على هذا المنوال تنزع من الآخر المستغَل صفة الإنسانية التي توجب احترامه و تجعلها قاصرة عليها، مهما حاولت إضفاء المشروعية بل والإنسانية على سلوكها اللإنساني.
إن الموقف من الظلم الواقع على الإنسان هو من العلامة الفارقة المميزة للإنسان التقدمي و التقدمية ،فالعبودية مثلا كنظام اجتماعي لو وجد في مجتمع معين لا يمكن للإنسان التقدمي إلا أن يكون ضده لما يمثله من هدر لكرامة الإنسان و اعتداء على حريته،في حين أن القوى الرجعية يمكن أن تتعامل معه بل وتنتصر له دفاعا منها على قيمة اجتماعية أو ثقافية أو مصلحة اقتصادية ،أو من باب حفاظها للسلم الاجتماعي الذي لا ينبغي المساس به.
إن ظلم النساء أو أي فئة اجتماعية مستضعفة لأي سبب من الأسباب يمكن أن تدافع عنه القوى الرجعية أو المحافظة ،حفاظا منها على قيم المجتمع و اسسه وتقاليده،عندما تكون ثقافة المجتمع تنظر إلى المرأة ككائن متدني عديم القيمة أو مجرد أداة ووسيلة متعة وشغل ،ونفس النظرة أو أقبح يمكن أن تعاني منها فئة مجتمعية لأسباب دينية أو ثقافية أو سياسية،
أما القوى التقدمية فلا يمكنها إلا أن ننتصر لهذه المرأة أو لتلك الفئة الاجتماعية المعتدى عليها ، لأن الإنسان كائن مستحق للاحترام و التقدير ومعاملته على قدم المساواة مع غيره من أبناء مجتمعه بل ومع غيره من أبناء البشر أينما وجد ومتى وجد.
إن التقدمية هي الموقف الإنساني الأصيل ،الذي يؤمن بأن الإنسان هو مركز الكون ، الذي ينبغي أن يكون كل ما ينتجه من قيم و بنيات في الثقافة أو الاقتصاد أو السياسة في خدمته، فلا يمكن قتل الإنسان أو تجويعه أو ترويعه ، عبر الحروب و الاقتصاديات القائمة على تسليعه والأنظمة السياسية الشمولية التي لا ترعى له حرمة ،فلا يمكن لأي مصلحة عليا أن تبرر ظلم الإنسان و قهره لأنه الأعلى من كل المصالح و المطامع.
إن من يزعم أن الدفاع عن مصالح مجتمعه أو وطنه أو طائفته يبرر ظلم إنسان بسبب لونه أو عقيدته أو لغته أو أصوله العرقية ينبغي أن يعلم بيقين أن الأوطان و المجتمعات و الدول و الطوائف وجدت لتخدمه و تحميه وتوفر له إطار الأمن و الحياة ولم توجد لتدمره و تسحقه.
أما من يدعي بأن الانتصار للإنسان لا يمكن أن يقوم إلا على نقيض الإيمان بالله ، بمعنى أن التقدمية نفي
للإحترام الواجب لله ، فكأنما أن ملكوت الله لا يقوم إلا بقتل الإنسان و استباحته وحرمانه من كل إرادة ، فهو واهم وجاهل إما بحقيقة الله أو بقدر الإنسان.
إننا عندما نقيم للإنسان سلطانا فنحن بذلك نقيم سلطان الله وملكوته.
إن الإنسان بنيان الله ،ملعون من هدم بنيانه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح