الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنظومة العلمية

فتحى سيد فرج

2007 / 5 / 13
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر


فى نهاية القرن العشرين كانت الصورة العلمية تقف عند حدود العلم الاختزالي ، استنادا إلى القاعدة الثانية من قواعد منهج العلم الحديث عند ديكارت : " لتبسيط دراسة أي ظاهرة يجب تقسيمها إلى أجزاء ليسهل دراستها " ، وقد ساهم ذلك فى التقدم العلمي خلال القرون الماضية ، وكان من الطبيعي أن تدرس العلوم فى المدارس والجامعات من خلال تقسيم نمطي إلى ، الفيزياء ، والكيمياء ، والبيولوجي ، والفلك ، والرياضيات ، هلم جرا .
وهذا التقسيم ليس من الخصائص الأصلية للطبيعة ولكنه تقسيم اختياري من صنع الإنسان ويتغير بتغير مستوى وعيه ، وتوضح لنا أوجه التقدم الحديثة فى المجال العلمي ظهور مفهوم جديد لدراسة الظواهر العلمية يقوم على أساس ترابط الطبيعة ، فإذا كانت معرفة الكل لا تتم إلا بمعرفة أجزائه ، فان معرفة الجزء لا تتأتى ما لم يدرك الكل الذي يحتويه ، فالكل ليس مجرد جمع رياضي لخصائص أجزاءه ـ فخصائص الماء ليست مجموع خصائص مكوناته من ، الهيدروجين + الأوكسجين .
وقد أدى ذلك إلى نقلة كبيرة فى تقدم الاكتشافات العلمية وإمكانية تطبيقها . من خلال ثلاث ثورات علمية هي
أولا : ثورة نظرية الكم
استطاع العالم النمساوي " شرودنجر " والألماني " هايزنبرج " من التوصل إلى فهم جديد لقوانين المادة ، من خلال فك أسرار الذرة ، بمعرفة تركيب نواتها ، ومستويات الطاقة ، وإمكانية انتقال الطاقة بين هذه المكونات .
ثانيا : ثورة الكمبيوتر
من خلال نظرية الكم استطاع العلماء تصنيع " الترانزيستور " الذي جعل الكمبيوتر الحديث ممكنا ، وصنع " الليزر " الذي مكننا من بناء شبكة " الإنترنت "
. ثالثا : الثورة البيوجزيئية
بوحى من كتاب شرودنجر " ما هي الحياة ؟ " أمكن التوصل إلى جزئ DNA
وذلك من خلال اكتشاف النشاط الحيوي داخل الخلية ، وفك شفرة الجينات ، والوصول إلى الجينوم البشرى ( خريطة البرنامج الوراثي للإنسان ) .
الأهم من كل ذلك ، الترابط ، والتلاقح ، بين هذه الثورات . فى البداية كان العلماء يعملون كلا فى تخصصه الدقيق ، ولكن صادف كل فريق عقبات وجد حلا لها عند التخصص الآخر ، فثورة الكمبيوتر تحققت بفضل اكتشافات ثورة الكم ، و الجينوم البشرى أمكن إنجازه بفضل إمكانيات الكمبيوتر ، وبالتالي فان عصر التخصص أو العلم الأحادي / الاختزالي ، قد ولى ، وظهر مفهوم التضافر بين العلوم والتكنولوجيات " المنظومة العلمية " الذي يعد تحول فى تاريخ العلم ، سيعطينا قدرة لا سابق لها على التحكم فى المادة ، والحياة ، والذكاء ، ومن الصعب أن يكون هناك باحث أو عالم فى المستقبل دون أن يكون له معرفة بالحقول الثلاثة للعلم الجديد .
· فإذا كانت المعرفة البشرية فى العقود الأخيرة أخذت تتضاعف كل عشر سنوات ، فقد خلف لنا العقد الأخير من القرن العشرين معرفة علمية أكثر مما خلفه التاريخ البشرى كله .
· وتتضاعف قدرة الكمبيوتر كل 18 شهرا ، إما الإنترنت فتتضاعف مرة كل عام .
وكل ذلك أدى إلى انقلاب فى الصناعة ، والتجارة ، والخدمات ، وأساليب الحياة بأكملها ، والى نشوء أشياء لم نكن نراها من قبل ، وذلك بتطبيق الثورات الثلاثة وتحويلها إلى تكنولوجيات حديثة .
ويمكن توضيح ذلك بما شهده النصف الثاني من القرن العشرين وهو مولد تكنولوجيات جديدة ، منها تكنولوجيا المعلومات بتقنياتها الثلاثة – الحواسب ، البرمجيات ، الاتصالات – وبمادتها الأولية ومنتجها النهائي المتمثل فى المعرفة ، وبمختلف أشكالها من صوت ، وصورة ، وفعل تخيلي ، كأدوات عملت على تعظيم وتضخيم القدرات الذهنية للإنسان .
وكذلك ما يمكن تسميته تكنولوجيات الحياة بمادتها المتمثلة فى إعادة تشكيل المادة الحية ، وتقنياتها التى تجاوزت حدود الخيال ، فقد بلغ التقدم الحد الذي مكن العلماء من أحداث تغيرات جذرية على المخطط الحيوي ، واستنساخ الكائنات ، بل الوصول إلى تخليق كائنات جديدة .
وقد شكلت هذه التكنولوجيات وغيرها فى ترابطها وتلاقحها بنى عقلانية جديدة تأكدت فى ثلاثة اتجاهات متكاملة هي " المنظوماتية " و" التطور الخلاق " و " البيئة الراشدة "
مفهوم المنظومة
هي منهج فكرى جديد ينظر إلى أي ظاهرة سواء كانت طبيعية أو إنسانية ، مخلوقة أو مصنوعة ، بوصفها كلا واحدا لا يمكن فهم سلوكها من خلال فهم مكوناتها كلا على حدة ، ولا يمكن فهم سلوك مكوناتها المنفردة إلا فى إطار الكل الذي تنتظم فيه . فالكل المشترك له خواص مختلفة عن خواص مكوناته ، ويسلك سلوكا مخالفا لسلوك مفرداته ، وفقا لقاعدة الكل أكبر من مجموع أجزائه .
وتقف "المنظوماتية" على طرف نقيض مع مبدأ "الاختزالية" الذي ساد العلم الحديث فى صورته الأولى ، وهكذا حلت النظرة الكلية والمتكاملة محل النظرة المتجزئة ، مما مكن الإنسان من فهم الظواهر فى علاقاتها المتشابكة بشكل أوضح .
التطور الخلاق
حيث أن كافة المنظومات المخلوقة والمصنوعة تتمتع بما يعرف بخاصية " التشكل الذاتي " أي القدرة على تخليق الانتظام من الفوضى والترتيب من العشوائية ، وعلى إنتاج أشكال وبنى جديدة أكثر رقيا منها ، مدفوعة فى ذلك بقوى تنبع من داخلها بما يحقق توازنها المستمر وقدرتها على التطور والبقاء .
البيئة الراشدة
بمعنى أن الإنسان والطبيعة أصبحا كيانا عضويا واحدا يرتبط مصيرهما برباط لا انفصام فيه ، ويقوم ذلك على مبدأين هما " وحدة مصير البشرية " فلم يعد مقبولا أن تمضى الأمور طبقا لقاعدة فليفعل كل ما يشاء فى عالم حولته التكنولوجيات إلى قرية صغيرة ، وبدأت حضارة الاستهلاك التى لا حدود لتناميها وشراهتها فى الاصطدام مع ضيق المكان وندرة الموارد ووهن المحيط الحيوي الذي يعيش فيه الإنسان .أما المبدأ الثاني فهو " المسئولية الجماعية " عن كوكب الأرض ، فكل ما يحدث فى أي مكان على ظهر الأرض يؤثر على الكوكب بكامله ، ويتأثر به الإنسان وسائر الكائنات الحية .

علوم جديدة
لم يعد الاهتمام بعد كل هذه التطورات منصب على كم المعرفة ، فقد أصبحت متوفرة بأشكال مختلفة وتحت الطلب فى أي وقت ، ولكن السؤال عن كيف يمكن تحصيل المعرفة والقدرة على توظيفها فى حل المشكلات أصبح أكثر أهمية ، وهذا يتطلب :
· تغيير محتويات المقررات الدراسية بما يتلاءم مع مفاهيم المنظومة العلمية الجديدة .
· انتهاء عصر التلقين ، والمعلم يجب أن يكون مجرد ميسر يحفز التلاميذ على الوصول للمعرفة من خلال البحث ، واكتساب المهارات بذاتهم .
· انتهاء عصر الوظيفة الدائمة ، والثبات المهني . فالشهادة لم تعد مسوغ وحيد للتعيين ، ولكن الخبرات والمهارات وإتقان العمل من خلال استمرار التعلم والتدريب طوال الحياة .
· ضرورة الاستفادة من تطورات المعارف والنظريات التربوية والتقارير الدولية خاصة تقرير هيئة اليونسكو للقرن الجديد والمعنونة " التعليم : ذلك الكنز الكامن " والذي يخلص إلى :
التعلم لنعرف : بتكوين معارف عريضة توفر فرص عمل متجددة .
التعلم لنعـمل : نتعلم لنكتسب مهارات متجددة من خلال الاهتمام بالتدريب التحويلي والتعلم
المستمر لمواكبة متغيرات سوق العمل ، ولنعمل فى فرق وبالمشاركة
مع منظمات المجتمع المدني .
نتعلم العيش معـا : نتيجة فهمنا للآخر ، والاعتماد المتبادل ، واحترام التعددية ،
وتحقيق السلام .
نتعـلم لنكون : من خلال تنمية الشخصية الفردية ، والاستقلال الذاتي ، ومهارات الاتصال .
من اجل كل ذلك لابد من جودة التعليم وتفعيل الجودة وتطبيق المعايير لاستمرار البقاء والوجود فى هذا العالم سريع التغير . هذا .
· إن مفهوم التعلم طوال الحياة هو المفتاح لبلوغ القرن إلحادي والعشرين وتحقيق التواصل المعرفي .
· دور التربية أن توفر للمتعلمين قدرا من نمو المعرفة يمكنهم من فهم المتغيرات والتعامل مع التطورات العالمية فى كل البلدان على نفس المستوى .
هذا وقد لاحظ العالم الأمريكي "ليون ليدرمان" الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عدم إقبال الطلاب على العلوم الأساسية فقرر مع مجموعة من زملائه النزول للمدارس الثانوية والحوار مع الطلاب والمدرسين ، واستخلص من ذلك مجموعة من قواعد للتعليم الحديث تقوم على الآتي
· ربط هذه العلوم بحياتهم اليومية ، وبأحدث الاكتشافات العالمية .
· الممارسة العلمية بمعنى ضرورة أجراء التجارب ، إعداد البحوث ، حرية التساؤل وقبول الأخطاء والحوار حولها ، المناقشات النقدية وتفنيد الآراء .
· المشاركة كفريق ، فالنشاط الفردي لم يعد ينتج علما كبيرا.
· ضرورة الخروج إلى ميادين العمل للتعرف على علاقة الإنتاج بالبحث العلمي .
· ضرورة مشاركة الطلاب فى العمل التطوعي ، وتقديم خدمات ، والتمرس على أساليب كسب الدعوة والتأييد والتأثير فى متخذي القرار .
· التواصل حيث أن التعلم لا يتوقف بعد التخرج من دور التعليم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجزرة استهدافت مواطنين أثناء تعبئتهم المياه في مخيم جباليا


.. خطة حرب نجوم جديدة.. البنتاغون يندفع لمواجهة التهديدات في ال




.. كوريا الشمالية تختبر صواريخ باليستية تكتيكية بتقنية جديدة


.. شركة غوغل تتحول نحو نتائج البحث المولدة بالذكاء الاصطناعي




.. مساعد المدير العام للفاو يوضح تأثير الأوضاع الراهنة على الأم