الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهيار السلطة الفلسطينية حقيقة علمية تاريخية!!

عماد صلاح الدين

2007 / 5 / 14
القضية الفلسطينية


كانت السلطة الفلسطينية ولازالت ،المنبثقة عن مشروع أوسلو عام 93 ، لا تشكل في كل الأحوال أي معنى باتجاه المشروع الوطني الفلسطيني ، فلا يستطيع المراقب من حال فلسفتها وهياكلها الأمنية والإدارية المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، أن يقول أن هذا المشروع يصح الحديث عنه على انه نواة لتحقيق دولة مستقلة ولا أيضا الحديث عنه انه صالح كمشروع مقاومة بالمعنى السياسي والعسكري لتحقيق الهدف في إطاره الأدنى والمرحلي بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل أراضي عام 67 ، دون الحديث عن أمل تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين .

منذ بداية انبثاق اتفاق اوسلوا إلى الوجود والسلطة التي دشنها هذا الاتفاق ، أشار خبراء السياسة والقانون الموضوعيون علميا في قول الحقيقة ، أن أوسلو هو كارثة بحق الشعب الفلسطيني ، وهو بمثابة تطوير لوعد بلفور الشهير عام 1917 ، بل هو وعد بلفور رقم 2، وان السلطة الناشئة عنه ما هي إلا منظومة أمنية وخدماتية ، لخدمة الاحتلال والمحافظة على أمنه أولا وأخير ، بل إن المشروع الاوسلوي برمته جاء لإعطاء الاحتلال التفرغ الكامل والفرصة المواتية لتكريس وجوده واقعا وفعلا على ما تبقى من ارض فلسطين التاريخية ،والقصد هنا أراضي الرابع من حزيران ، وسنوات أوسلو والسلام والتفاوض غنية عن التبيان من حيث ازدياد الاستيطان والتهويد للقدس وزيادة القمع والإجرام الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني ، كان المشروع السلمي والسلطة بمثابة الخطوات النهائية نحو إنهاء هوية ووجود الشعب الفلسطيني على ما تبقى من أرضه ، انه مشروع التصفية النهائية الشاملة لحقوق شعب بأكمله تحت يافطة السلام العادل والشامل في المنطقة .

وعلى هذا ، كان طبيعيا أن يرفض هذا المشروع التصفوي للقضية من قطاع عريض من الشعب الفلسطيني ، وكان في مقدمة هذا الرفض ، تلك العمليات الاستشهادية والمقاومة التي جاءت ردا على هذا المشروع ، الذي أدركه العاقلون من أبناء شعبنا بأنه ليس فيه أي توجه نحو مشروع الدولة أو إنصاف اللاجئين الفلسطينيين بعودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها ، بنا الرئيس الراحل ياسر عرفات الآمال على تحقيق حلم الدولة المستقلة في نهاية المطاف ، لكنه اكتشف متأخرا ، إنهم أي الصهاينة والأمريكان لا يريدون سلاما ولا حسن جوار ، ولذلك رفض التهاوي والسقوط أكثر و أكثر إلى حيث القاع الذي أرادوا له فيه الاستقرار ، والجميع يعرف ماذا كانت نتيجة موقفه هذا في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000.

لم تكن انتفاضة الأقصى ردة فعل عفوية ، بل إنها جاءت بعدما رأى الشعب الفلسطيني المآسي والكوارث التي حلت به بعد سبع سنوات من أوسلو ، وبعدما تبين له حجم المؤامرة التي تحاك ضد حقوقه الوطنية المشروعة ، وبعدما أدرك أن لا أمريكا ولا إسرائيل ولا من دار في فلكهما من عرب وغرب معنيون بتمكينه من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ومع ذلك وبعد رحيل ياسر عرفات اتجه فريق أوسلو برئاسة محمود عباس إلى القبول النهائي بما تجود به إسرائيل وأمريكا من دولة كانتونية مقطعة الأوصال لا سيادة ولا استقلال لها ، وقبلوا خارطة الطريق التي لاينفكون عن جعلها بوصله تحركهم وهدفهم عبر تصريحاتهم وإعلاناتهم العديدة والمتكررة ، وخارطة الطريق كما هي معروفة تؤدي إلى الحالة الموصوفة الذكر آنفا ، وتعمل على ترحيل القضايا الأساسية والجوهرية إلى ما لانهاية ، لقد سعى فريق أوسلو إلى حوارات القاهرة عام 2005، والتي تم الاتفاق فيها على التهدئة وإجراء الانتخابات وإصلاح منظمة التحرير ، من اجل الوصول مستقبلا إلى حالة يتم فيها تطبيق خارطة الطريق حسب الرؤية الأمريكية والإسرائيلية معولين على أن حماس لن تحصل على الأغلبية أو الجزء المعطل لتمرير التسوية المطلوبة أمريكيا وإسرائيليا ، لكن الذي حصل قلب كل التوقعات وأحبط كل الآمال المتوخاة من إشراك حماس باللعبة الديمقراطية السياسية ، ولذلك حوصرت الحكومة والشعب الذي انتخب حماس ، من اجل الوصول عبر الابتزاز المالي والاقتصادي إلى الحالة الشعبية الفلسطينية التي تقبل بفريق القبول بالرؤية الأمريكية والإسرائيلية للحل ، لكن كما يبدو أن حملة المحاصرة الاقتصادية والسياسية وكذلك الإعلامية لم تؤت أكلها ، كما خطط له الأطراف المعنيون في مواجهة الخيار الديمقراطي الفلسطيني.
بعد اتفاق مكة ، كان من المفروض أن يغير المحاصرون سياساتهم تجاه الفلسطينيين ، برفع الحصار المالي والسياسي عن الشعب الفلسطيني ، ذلك لان اتفاق مكة انبثق عنه حكومة وحدة وطنية ببرنامج من المفترض أن يكون مقبولا لدى المجتمع الدولي ، هذا البرنامج يمثل الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية ، والذي تتماهى معه إلى حد ما المبادرة العربية التي أجمعت عليها الدول العربية ، لكن ومع ذلك لم يرفع الحصار ولم تخفف الضغوط عن الشعب الفلسطيني ، الظالم والمستبد والمتآمر والمحتل كما يقولون غبي، مهما كان ذكيا ، فلو كانت الأطراف المحاصرة فيها بقية من عقل ومنطق لما استمر الحصار بعد اتفاق مكة ساعة واحدة، ولما استمرت بعد ذلك كل عراقيل وإجراءات تعطيل الخيار الديمقراطي ، ذلك لأنه بعد اتفاق مكة أصبحت الأمور واضحة بعين الشعب الفلسطيني بان استمرار الحصار وفرضه من المحاصرين والمتآمرين ، إن دل على شيء فإنما يدل على أن المطلوب من الشعب الفلسطيني الرضوخ لما هو أدنى من الحد الأدنى من حقوقه ، وهذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني مطلقا ، وليس أدل على ذلك من موقف ياسر عرفات حينما رفض ما طرح عليه في كامب ديفيد الثانية ، لأنه كان يعي أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بذلك ، لان هذا الطرح هو للإجهاز على ما تبقى للفلسطينيين من حقوق، يظن فارضو الحصار أن الجوع وسيلة ابتزاز للتنازل أو أن المال والدعم الأمريكي والأوروبي يلهي الناس عن حقوقهم ، فلو كان الأمر كذلك ، فلما انتفض الشعب الفلسطيني في انتفاضته الثانية ، رغم أن المال ودفع الرواتب لم ينقطع في حينها .

إن الوضع الذي تمر فيه القضية الفلسطينية والمنطقة العربية ، وبالتحديد في تلك الدول التي تنفذ كل صغيرة وكبيرة يطلبها منها الأمريكان والإسرائيليين ، مؤهل جدا ربما في المستقبل على المدى المتوسط لحدوث الثورات في تلك الدول والانتفاضة الثالثة هنا في الأراضي المحتلة ، بسبب حالة الإيغال الرسمي العربي في التآمر على حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية بشكل عام ، فتلك الأنظمة ومعها أطراف أوسلو لازالوا كما يبدو للمراقب مصرين على سياساتهم المناقضة نهائيا لشعوبهم ، وهي سياسات لا تخدم سوى الاحتلال الأمريكي والصهيوني ، إنهم لا يريدون على الأقل استغلال حالة التعثر التي يواجها المشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة ، بل على العكس يراهم المرء يبذلون كل الجهود من اجل إنقاذ أمريكا في العراق ، وحفظ ماء وجه الحكومة الإسرائيلية الفاشلة والمهزومة عبر قبول الخطط الأمنية التي يروج لها الأمريكيون ، الجامعة العربية في قمة الرياض الأخيرة اتخذت قرار التطبيع مع إسرائيل من خلال لجنة ما يسمى بتفعيل المبادرة والاتصال مع إسرائيل لشرحها ، رغم أن إسرائيل ترفضها وقد رفضتها من قبل ، ومع هذا لازالت تلك الأنظمة مستمرة في غيها وظلمها للشعب الفلسطيني حيث لم تحترم قراراتها برفع الحصار عنه ، يراقب الشعب الفلسطيني ومعه الأمة العربية الدور الذي تلعبه أنظمته والفريق الاوسلوي كأدوات لأمريكا وإسرائيل ، وإلا فما الذي يجبرهم على القبول والامتثال بل ومحاولة إنقاذ المشاريع الاستعمارية في المنطقة ، عبر ممارسة التضليل والتدجيل على الفلسطينيين والعرب ، بان هناك أفق لعملية سلام ، وبان هناك مشروع لإطلاق عملية سلام ذات مغزى كما أتحفنا قبل يومين صائب عريقات ، معنى هذا أن فريق أوسلو والأنظمة "الاعتدالية" ما هم- جميعا- سوى منتفعين وأدوات ، وهذه الأدوات مرهون بقاؤها بإذلال واضطهاد والتآمر على حقوق الفلسطينيين والعرب .

على الأنظمة العربية وعلى فريق أوسلو أن يتعقلوا قليلا ، و عليهم أن يتعاملوا مع الأمور على الساحة الفلسطينية والعربية بنوع من التوازن على الأقل ، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، كانت الأنظمة العربية تعمل على تضليل شعوبها والفلسطينيين رغم الظلم والاضطهاد والاستبعاد الذي كانوا يتعرضون له من خلال الحروب الوهمية التي يخوضونها لمصلحة إسرائيل والمشروع الاستعماري في المنطقة ، أما اليوم فالوضع مختلف جدا فما عاد في جعبة تلك الأنظمة سوى الحديث عن السلام كخيار تاريخي واستراتيجي ثبت فشله وكذبه ، بالإضافة إلى وظيفة تلك الأنظمة الاعتيادية ومعها المرتزقة من الفلسطينيين في التآمر على الحقوق الفلسطينية والعربية بطريقة واضحة جدا وعلى مقولة " الخيانة عينك عينك " ، لذلك ،فإما أن يغير هؤلاء سياساتهم المناقضة لحقوق شعوبهم ، وإما أن ينتظروا ثورة الناس كما حدث في إيران في أواخر سبعينيات القرن الماضي ، حينما تمادى محمد رضا بهلوي في استعباد البلاد والعباد وجعل ثرواتها نهبا لأمريكا وإسرائيل ، فكان أن طرد في المرة الأولى ولم يتعلم ، حتى خلع نهائيا في ثورة عام 1979 ،على يد الشعب الإيراني المظلوم ، وباعتقادي أن الظرف بات مهيأ للثورات في منطقتنا بمستوى يفوق الحالة التي كانت سائدة حينها في إيران، ففي سبعينيات القرن الماضي لم يكن المشروع الأمريكي والصهيوني متعثرا أو يعاني من الفشل ، أما اليوم فهو متعثر الخطى جدا ، ومع ذلك فالخيانة الرسمية لدينا جارية على قدم وساق وفي وضح النهار.

أخيرا ، يرى كاتب هذه المقالة ، أن الذي سيطيل عمر السلطة الفلسطينية قليلا هو رفع الحصار المالي والاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني ، وأما إذا استمر هذا الحصار على أمل تركيع الشعب الفلسطيني والوصول به إلى القبول بما تريده أمريكا وإسرائيل ، فهذا حتما سيعجل بانهيار هذه السلطة ، وفي كلا الحالين فان انهيار السلطة حتمي ، لأنها باختصار لم تنبثق من رؤية وطنية فلسطينية لتخدم فضية الصراع مع الاحتلال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي