الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


والدولة أيضاً محاصرة في مصر

مهدى بندق

2007 / 5 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


سبق أن أوضحنا في أكثر من موضع الكيفية التي نشأت بها الدولة في مصر ، اعتماداً على معطيات جغرافية وديموجرافية محددة. وعليه فلقد صار لجهاز الدولة مطلق الهيمنة على الرعايا في كافة مناحى نشاطهم لعصور كاملة. غير أن هذه الهيمنة المطلقة – وإن ظلت راسخة بواقع امتلاك الدولة لمعظم وسائل الإنتاج الكبرى وعلى رأسها الأرض الزراعية – ما لبثت حتى تراجعت قليلاً، مرة في العصر المملوكى ( للتفاصيل راجع د. عماد بدر الدين أبو غازى "تطور الحياة الزراعية زمن المماليك الجراكسة – دار عين الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية - القاهرة 2000) إذ اضطرت لبيع حوالى 25% من أراضيها " لأولاد الناس " مواجهة منها لأزمة مالية طاحنة . وكان ممكناً أن يؤدى هذا الإجراء إلى تغييرات أكبر ، لولا أن أعاد محمد على تأميم الأرض فيما بعد . ومع ذلك عادت الأزمة المالية بأشد مما كانت نتيجة الحروب التوسعية لمحمد على ، ومشاريع تحديث البنية التحتية في عهد خليفتيه عباس وسعيد . فكان أن أصدر سعيد اللائحة السعيدية عام 1852 ودين المقابلة 1857 ( وجوهرهما تمليك الأعيان وكبار الموظفين الأراضي الزراعية مقابل سداد مبالغ معينة للدولة ) فكان من نتيجة ذلك ظهور طبقة ملاك فلاحين ، ما لبثوا حتى طالبوا بالمشاركة في السلطة . وهكذا صدر أول دستور لمصر عام 1864 وتم تشكيل نوع من الحياة النيابية ، سرعان ما أثمرت فعالياته ثورة العرابيين 1881 ، تلك الثورة التي برهنت – بالرغم من اخفاقها – على صحة القانون الرابط بين التغير في ملكية وسائل الإنتاج وبين ميلاد الأشكال السياسية الملائمة لهذا التغيير .

الطبعة الثالثة من هذا القانون صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين ، وتحديداً بعد أن اضطرت الدولة ( الناصرية السادتية ) تحت وطأة الهزيمة العسكرية في حزيران 1967 ( وما سبقها من بقرطة شاملة لجهاز الدولة ) إلى التخلى عن أملاكها الصناعية ( = القطاع العام ) مما أفرز ظهور طبقة رأسمالية جديدة ، كانت في بدايتها تابعة لرأس المال الريعى الخليجى ، فكان أن عكست مطالبها في الدستور " الدائم " الصادر عام 1971 ليكون مرآة لتنازع الدولة البيروقراطية مع الطبقات الجديدة الصاعدة . فمن جانب ترى اقراراً بالحريات ، وفي جانب آخر ترى استمساكاً بسلطات الحاكم الأوتوقراطى التقليدى. وقد عمد الرئيس السادات إلى ادخال نص يذكر أن مبادىء الشريعة الإسلامية تعتبر المصدر الرئيسى للتشريع ، استجابة لحلفائه الوهابيين في السعودية ، وحلفائه الجدد : الأخوان المسلمين وسائر جماعات الإسلام السياسى في الداخل ، وفيما بعد اغتالته واحدة من هذه الجماعات!

بعد ربع قرن من هذا التاريخ بات واضحاً أمام الدولة أن هذا الوضع قد صار يحاصرها لحساب " الأخوان " المصممين على الوصول إلى السلطة ارتكازاً على نص المادة الثانية التي تقرر أن " الإسلام هو دين الدولة الرسمى ، ... وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع " . ومن جهة أخرى فإن دواعى الإصلاح السياسى ، المفترض فيها أن تواكب الإصلاح الاقتصادي المتحول إلى اللبرالية بضغوط من الغرب ، قد صارت تحاصرها أيضاً لإجراء تعديلات دستورية تفتح الباب أمام تطور ديمقراطي لا مناص منه ، فكانت المحصلة صدور هذه التعديلات دون إلغاء المادة الثانية ( ربما حذراً من غضبة الجماهير المتمسكة بالشكل الديني ) وإن أدرجت نصاً جديداً يؤكد على أن الدولة تقوم على مبدأ المواطنة ، وهو مبدأ قويم يؤسس للدولة المدنية ، كما أضافت فقرة إلى نص المادة الخامسة تحظر قيام أي حزب على أساس دينى ، بل ويحظر أي نشاط سياسى يرتكز على الدين . ولا شك في أن هذه التعديلات الجديدة " حمالة الأوجه " قد عكست طابع المرحلة القلقة ، ومن ثم لم تنجح اطلاقاً في إرضاء اللبراليين واليساريين والدينيين جميعاً .

أما الدولة ذاتها فما زالت محاصرة بين رؤيتها التقليدية لذاتها ، ( وهي رؤية تأسست على الهرمسية الفرعونية ، وعلى التصور الأشعرى الهيراركى للعالم في العصر الإسلامى ) وبين دواعى التغيير الضاغطة من خارج ومن داخل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد لهجة خطاب القادة الأوروبيين حيال إسرائيل في قمة بروكسل


.. شاهد كيف ستختلف المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب عن 2020




.. تدريبات إسرائيلية تحاكي حربا على أرض لبنان.. وأميركا تحذر مو


.. رغم تهديد بايدن.. شحنات سلاح أميركية في الطريق لإسرائيل




.. في ظل شبح ترامب.. صناديق الاقتراع في إيران تستعد لتقول كلمته