الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مملكة توني بلير

رحيم العراقي

2007 / 5 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


فيليب أوكلير، خريج مدرسة المعلمين العليا في باريس قسم الفلسفة، وهو يعيش في مدينة لندن منذ عام 1987 حيث عمل لسنوات طويلة في القسم الدولي بإذاعة «بي.بي.سي» البريطانية ثم التحق مؤخرا بأسرة تحرير مجلة «ماريان» الفرنسية كمراسل لها من لندن.
مملكة طوني بلير المسحورة»، هو كتاب تحقيق عن رئيس وزراء بريطانيا الحالي الذي وصفته صحيفة «الاندبندنت» اللندنية بالقول: رئيس:
الوزراء المعلّق هنا يتم النظر إليه كرجل ذي علاقات مشوشة تماما مع الحقيقة»، وهذه الصورة هي التي يطورها مؤلف هذا الكتاب عبر مواقف بلير من مختلف القضايا الداخلية البريطانية الاقتصادية والاجتماعية خاصة ومواقفه حيال أوروبا والعالم والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والحرب ضد العراق.هذا الكتاب يأتي في مرحلة تؤكد فيها بريطانيا أكثر فأكثر على عزلتها عن القارة، وعلى النجاح الكبير الذي حققته عبر تبنّيها لنهج ليبرالي جديد تحت اسم «الطريق الثالث» الذي يجمع بين «محاسن» الرأسمالية والليبرالية بنفس الوقت وهو الطريق الذي يؤكد دعاته المتحمسون على أنه ينقذ الاقتصاد من حالة الجمود التي تعرفها بلدان القارة الأوروبية الأخرى.
كما ينقذ «الديمقراطية» في نفس الاندفاع. فبريطانيا بلد لا يعاني من أية بطالة، بينما تصل معدلات البطالة في العديد من بلدان أوروبا الأخرى مثل فرنسا إلى حوالي 10 بالمائة من القادرين على العمل فيها.
والنمو الاقتصادي البريطاني كبير ومستمر منذ سنوات، والتضخم تحت السيطرة، والعملة الإنجليزية قوية.هذه هي الصورة التي يتم تقديمها لبريطانيا في عهد توني بلير، لكنها الصورة التي يكفي «النبش» قليلا تحت السطح الظاهر واللماع كي تبدو صورة أخرى، هي التي يرسمها مؤلف هذا الكتاب.
وحتى الأرقام نفسها تقول شيئا آخر عندما يتم استقراؤها عن قرب أكثر. فبريطانيا الحقيقية، كما يقدمها المؤلف الذي يعيش فيها منذ عقدين تقريبا، تقدّم صورة بلد يعيش «فوق إمكانياته»، وبلد تقوم حكومته بالغش في الإحصائيات بل وأنها «مدّت يدها» إلى الخزينة العامة كي تقدّم فرص عمل للجميع.
وإنما ليس على قاعدة الإنتاج والمردودية، وحكومة يتم تصويرها على أنها قد فقدت ثقة ناخبيها بشكل كامل، ومصالح عامة دخلت في المنافسة على قاعدة قانون الربح وليس هناك ما يبدو أنه يمكن أن يوقف انحدارها المتسارع.
ويقدم المؤلف عدة مؤشرات على مثل هذا المسار «الانحداري» ليس أقلها وجود ثلاثة عشر مليون من الفقراء، وكذلك وجود تهديد حقيقي للديمقراطية بسبب الدور الذي تمارسه الدولة من موقع اتخاذ إجراءات حمائية أكثر من أية فترة مضت مع تزايد كبير في دور «التكنوقراط».
وتتمثل إحدى السمات السلبية التي يؤكد عليها مؤلف الكتاب بالنسبة لتوني بلير هو أنه يقدّم مشاريعه دائما «خلف قناع»، هذا على عكس السيدة مارغريت تاتشر التي كانت تتقدم في «أسوأ لحظاتها» دون قناع.
إن السيدة تاتشر لم تكن تلف نفسها في الشعارات المائعة للعدالة الاجتماعية التي يقوم توني بلير بتغليف بلاغته بها، كما يقول المؤلف قبل أن يشير إلى أن بلير يتعلق منذ 21 سنة ب«أهداف اليمين المحافظ» وبالتاتشرية تحديدا، مع أنه كان قد انتزع السلطة من هذا اليمين باسم «التراث العمالي» البريطاني اليساري في جوهره.
هكذا قام بلير بتحديد معالم «الطريق الثالث» كنهج لحزب العمال الجديد من خلال عملية «تجميل» المكتسبات التي حققتها حكومتا مارغريت تاتشر وجون ميجور بتعابير «تقدمية».
وكان بلير يتمتع عند توليه منصب رئاسة الحكومة بأغلبية كبيرة لا سابق لها في مجلس العموم البريطاني. وكانت تلك الأكثرية تسمح له أن يترك بصماته على تاريخ إنكلترا الحديث، «وقد تركها فعلا ولكن ليس في الاتجاه المنتظر».
وفي إطار المقارنة بين المملكة المتحدة وبلدان القارة الأوروبية، وخاصة فرنسا وألمانيا، يقول المؤلف: «إن الأرقام، تلك الأرقام الشهيرة تستحق تفحصها عن قرب أكثر
ومن الملفت للانتباه أنه لم تتم الإشارة أبدا، ومن أي مصدر، على واقع أن إنتاجية العاملين الفرنسيين أو الألمان تزيد بنسبة 10 بالمائة على إنتاجية نظرائهم من البريطانيين.
وإن الهوة بين الأغنياء والفقراء تزداد اتساعا في بريطانيا أكثر مما هو في بلد آخر من بلدان القارة الأوروبية؛ بل ولم تتم الإشارة أبدا إلى حقيقة الوضع في مجال البطالة والتي تشكل أحد الأمراض «المستعصية» تقريبا في العديد من البلدان الأوروبية وحيث تفتخر بريطانيا أنها قد أوجدت حلا جذريا لها.
لكن مؤلف هذا الكتاب يؤكد على أن الانخفاض الكبير المعلن في عدد العاطلين عن العمل إنما يخفي وراءه أعدادا موازية مساوية من الذين هم برسم البطالة، وإنما لا يتم اعتبارهم كذلك إذ يتم دفع تعويضات لهم على أساس أنهم «مرضى لفترة طويلة».
كما يؤكد المؤلف أن خفض عدد العاملين في الدولة ليس سوى «سرابا خادعا» يتغذّى من الخلل في آلية عمل المؤسسات التي جرت خصخصتها.
ولا يتردد مؤلف الكتاب في الحديث عن «شركة بريطانيا المحدودة»، على غرار أية شركة، بالنسبة للملكة المتحدة في ظل توني بلير، وذلك على أساس أن إدارة البلاد تتم مثل شركة كبيرة يترأس بلير مجلس إدارتها الذي يتحدث في العموميات والتنظيرات بينما هناك السيد «براون» رئيس المحاسبة صاحب القرارات العملية والذي يعتبر نفسه حارس «الموارد العامة»، كل من هذين المتنفذين له «حاشيته».
وتتم الإشارة هنا إلى أن المحافظين كانوا قد تركوا فائضا كبيرا في الميزانية عام 1997 عندما خلفهم حزب العمال الجديد في السلطة مما شكّل ورقة رابحة و«أرضا صلبة» يمكن لتوني بلير أن يقيم عليها مشاريعه.
ثم جلبت عملية بيع شركات الهواتف النقالة بالمزاد العلني مبلغ 6,32 مليار يورو لخزينة الدولة عام 2000. وهذا ما يشبهه المؤلف ب«اكتشاف حقل بترولي».
لكن مقابل هذا كله زاد عدد موظفي القطاع عام 000 600 موظف ما بين عام 1997 وعام 2005 من أجل «امتصاص» البطالة وإنما الذي كلّف الدولة مبالغ باهظة.
وقد دلّ تقرير نشرته مجموعة «وتسون وايت» للاستشارات، ذات المصداقية الكبيرة، في شهر مارس 2005 إنه مطلوب من الدولة تأمين مبلغ 1000 مليار يورو لتمويل قطاع الصحة وتقاعد الموظفين. وفي المحصلة العامة تبلغ قيمة الديون البريطانية 1819 مليار دولار أي ما يزيد ب652 مليار دولار عن مجمل الديون الفرنسية.
وما أنجزته «المعجزة البليرية» يقدمه المؤلف عبر صورة سوداء قاتمة من أبرز سماتها وجود «طفل من كل ثلاثة أطفال يعيش ما دون مستوى عتبة الفقر.
وهناك طفل من أصل كل خمسة أطفال يتغذّى بأقل من ثلاث وجبات يوميا». هذا بينما كان طوني بلير قد صرّح في خطاب له عام 1999 أن الفقر سوف ينتهي على مدى جيل واحد.
وهناك أيضا «حوالي مائة ألف طفل ينامون في المطابخ أو غرف الحمام بسبب عدم توفر مكان، إذ أنه تنبغي العودة إلى عام 1925 لرؤية حكومة بريطانية بنت مثل هذا العدد القليل من المساكن الاجتماعية الذي بنته حكومة حزب العمل الجديد الثانية».
وتدل الإحصائيات التي يقدمها مؤلف هذا الكتاب على أنه مقابل ال«000 25 طفل الذين ماتوا من البرد عام 2004» ازدادت مرتبات الكوادر العليا ومديري الشركات في بريطانيا بشكل مذهل.
وكمثال واحد بين عدة أمثلة يتم سوقها تقاضى السيد «فيليب غرين»، رئيس ومدير عام مجموعة اركاديا، إحدى المجموعات الكبرى في مجال توزيع الملابس، مبلغ 75 ,1 مليار يورو في شهر أكتوبر 2005 بينما لم تمثل أرباح استثمار شركته ثلث هذا المبلغ الخيالي والذي لم تحصل منه الخزينة البريطانية العامة على فلس واحد، ذلك أن السيد «غرين» قد «احتاط» ووضع ملكية المجموعة باسم زوجته التي تحمل بطاقة إقامة في إمارة «موناكو» حيث لا يتم دفع ضرائب على الدخل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى