الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهان النسيان والذاكرة الجمعية

علي جرادات

2007 / 5 / 15
القضية الفلسطينية


59 عاماً على "النكبةِ" مرَّت، ولكن حقَّ عودةِ أهلِ البلاد اللاجئين إلى الديار والممتلكات ظلَّ وسيبقى سؤالَ الإسرائيليين المفتوح الذي لم ينتهِ، ولن ينتهي، بل وكابوسهم الأثقل الذي لم ينم، ولن ينام، حتى ولو مِن بابِ رَفْضِهِ ومحاولةِ طَمْسِهِ تمَّ طرحُه والتعامل معه.
وسيبقى جرحَ العرب الأكبر الذي لم يندمل، ولن يندمل، ومحكَّ إنتمائهم القومي الذي لا يضاهى، حتى لمَن يطرحه مِن باب المتاجرة به والتَعَيُّش عليه.
وسيبقى سؤالَ السياسة الدولية ومؤسساتها الذي لا يمكن تجاوزه أو إغلاق تداعياته على الصراع العربي الإسرائيلي، حتى ولو مِن باب محاولة تزويرهِ جاء طرحه والتفكير فيه، لأنه يشكل الذاكرة الجمعية للعرب الفلسطينيين، وزيت وقود نضالهم الذي لم ينطفيء، وسيبقى المطلب الذي لا يقوى فلسطيني واحد، ومهما بلغت مكانته، وحتى لو أراد، أن يتنازل عنه.
ما سلف حقيقة ثابتة ليس فقط لأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار والممتلكات هو جوهر القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي في آن، بل أيضا لأن السياسة تستطيع أن تغتصب التاريخ، أما أن تلغيه فلا، وتستطيع أن تسطو على الجغرافية، أما أن تشطبها فذاك المستحيل بعينه، وتستطيع أن تعبث بالديموغرافيا، أما أن تدثرها فذاك نادرا ما حصل، وإن كان "زبَطَ" مرة في ظروف إستثنائية مع سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر). والشاهد على ذلك أن 160 ألفاً هم مَن تبقى في الجليل والنقب والمثلث مِن العرب الفلسطينيين، أصبحوا اليوم قرابة مليون ونصف المليون نسمة، ما دفع العقل الإستخباراتي الإسرائيلي إلى إعتبارهم خطراً إستراتيجياً. وكذا، فإن هناك قرابة خمسة ملايين لاجيء فلسطيني هم خمسة ملايين شوكة في خاصرة كل مَن لا يعي معنى أثر الديموغرافيا في السياسة.
هذه هي حقيقة علاقة السياسة بالتاريخ والجغرافية والديموغرافيا وقانونها بشكل عام، فما بالك إن كانت سياسة خرافية وعلى أسنة الحراب إرتكزت، وبقوة السيف والتطهير العرقي قامت. ولعلها ذات دلالة كبيرة كلمات موشيه ديان أمام طلبة جامعة حيفا عام 1969، حيث قال: "علينا أن لا ننسى أنه فوق هذه الأرض التي نقف عليها كان هناك أناس آخرون يحرثون ويزرعون ويمارسون حياة طبيعية ما زالوا يسعون مِن أجل العودة إليها".
"النكبة" الفلسطينية لم تكن مجرد هزيمة لأنظمة وإنتصار لآخر في لحظة تاريخية وظروف دولية معينة، بل هي أيضا نتيجة لنظام مِن التفكير والسياسة ما بعد وقوعها، فالصهيونية فكرت ببناء "دولة يهودية"، ولكنها لم تفكر بأية شرعية إقليمية تقوم على أساس الإقرار بحقِّ عودة مَن إقتلعتهم، وفي أربعة أركان المعمورة لاجئين شتَّتَتْهم، وإكتفت بما حصلت عليه مِن شرعية دولية، ظناً منها أن ذلك يكفي لتمرير جريمتها، وتثبيتها إلى ما لا نهاية في التاريخ، دون أن يأتي اليوم الذي ستضطر فيه لمواجهة حقيقة أن الأرض التي أقامت عليها دولتها، هي أرض مسروقة، وأن لها سكاناً أصليين لا يكفي طردهم منها لنفي علاقتهم وحقهم بها والمطالبة والنضال مِن أجل العودة إليها، طال الزمان أم قَصُر. تلك معضلة صهيونية كثفها ما كان ذكره بن غوريون في مذكراته، حيث قال: "إن آبا ايبان نصحه في يوم 14-7-1948، بأن لا يلهث وراء السلام، وتكفي اتفاقات الهدنة"، معللا ذلك بالقول: "لأننا إذا ركضنا وراء السلام فإن العرب سيطالبوننا بالثمن، والثمن هو تحديد الحدود أو عودة اللاجئين أو الاثنين معا".
والمحيط العالمي لم يتعامل مع نكبة الشعب الفلسطيني بعد وقوعها قبل 59 عاماً كعملية سطوٍ سياسي وتطهير عرقي، بل وكما قال محمد حسنين هيكل، فإن أمريكا وأوروبا والإتحاد السوفييتي وافقوا ضمناً على ما وقع بحق الشعب الفلسطيني مِن تطهير عرقي. ويبقى هذا الإتهام قائماً لأن العالم لم يُجبر دولة إسرائيل على الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية، وهي التي شرَّعت قيامها، وتنفيذ القرار الدولي 194 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. وذلك على الرغم مِن أن يوسف فايتز (مدير الصندوق القومي اليهودي) ذكر في مذكراته، أنه منذ آب 1948 تم الاتفاق أن تشن إسرائيل حملة إعلامية لإقناع الرأي العام العالمي "بأنه لم يعد لدى الفلسطينيين مكان يعودون إليه، وليس أمامهم سوى فرصة واحدة لإنقاذ ممتلكاتهم، وهي بيعها والاستفادة مِن ثمنها، كي يستقروا في مكان آخر".
والعمق العربي بدوره، وفضلاً عن أن تعامله الفكري والسياسي مع آثار "النكبة" بعد وقوعها، لم يَخلُ مِن المتاجرة بها، فإنه أيضا مع إستثناءات لم تشكل سياقه العامً، ظلَّ يتنقَّلُ بين أطروحة "يا سمك القرش تجَوَّع"، وأطروحة "إنقاذ ما يمكن إنقاذه"، لتلد الأطروحة الأولى خطاباً سياسياً عنترياً عكس وعياً وتفكيراً ضاراً قبل هزيمة العام 1967، فيما أنتجت الأطروحة الثانية خطاباً سياسيا مستكيناً عكس وعياً وتفكيراً مهزوما بعد تلك الهزيمة.
فرغم أن اللاجئين الفلسطينيين هُجِّروا، بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب الحرب العربية الصهيونية عام 1948 النكبة، فإنه، وبعد أن تبلورت القضية الفلسطينية، تداخلت الأسباب بالنتائج، وكما يقول الكاتب عبد الفتاح القلقيلي في كتابه –الأرض في ذاكرة الفلسطينيين_ صار الخلط في التفكير والسياسة، وتمحور حول سؤال: "هل مشكلة اللاجئين هي سبب القضية الفلسطينية أم أنها نتيجة لها؟ أي، هل حل قضية اللاجئين يؤدي إلى حل القضية الفلسطينية أم العكس؟ وتطور هذا التعقيد مِن الاعتقاد الصحيح بأن حل مشكلة اللاجئين هو مفتاح السلام، ولا سلام دونه، إلى الوهم بأن السلام هو مفتاح حل مشكلة اللاجئين، ولا حل لها دونه".
والعامل الوطني الفلسطيني بعد النكبة، ولمدى زمني غير قصير، لم يكرس نفسه كعامل فاعل في عمقه العربي، بل ذاب فيه سواء كان تحررياً أم ضمن النظم التقليدية. وظلَّ هذا حاله حتى تقدمت الصفوف حفنة طليعية مِن الشباب الفلسطيني، وقدحت في أواسط ستينيات القرن الماضي شرارة الطور المعاصر مِن الثورة الفلسطينية، ما أدى إلى إشتعالها في كامل السهل الفلسطيني في الوطن والشتات، لينتقل اللاجئون الفلسطينيون بذلك مِن وضعية مشكلة إنسانية تكفيها مؤونة الإغاثة إلى قضية سياسية إنسانية وطنية وقومية لا يحلها إلا تلبية الحق في العودة إلى الديار والممتلكات.
رغم كل ما تقدم مِن حقائق، ورغم حقيقة أن 59 عاماً بعد "النكبة" لم تفلح في وضع حدِّ للصراع أو تسويته على الأقل، يأتيك عمير بيرتس "الفالح" نقابياً و"الفاشل" عسكرياً قبل يومين ليقول: "لا يمكن قبول المطالب الفلسطينية بحق العودة، لأن مِن شأنه أن يأتي على نهاية الحلم الصهيوني ونهاية الدولة الصهيونية". إزاء هكذا خطاب سياسي إسرائيلي أيدولوجي متطرف، علماً أن هناك بين الإسرائيليين مَن هو أكثر تطرفاً مِن عمير بيرتس، مِن طراز خطاب الفاشي ليبرمان مثلاً، فإن هناك وجاهة في توجيه سؤال بشقين للسيد عمير بيرتس:
أين هي المشكلة في إنهاء الحلم الصهيوني ما دام حلماً عنصرياً لا يمكن تثبيته في التاريخ إلا عبر مواصلة سياسة التطهير العرقي، بكل ما تفرضه مِن حروب (فَشِلَ بيرتس نفسه في آخر جولاتها كوزير للدفاع)؟!!! كذلك، كيف لعمير بيرتس الذي أكد أنه: "ليس ثمة يساري في إسرائيل يقبل بمطلب حق العودة"، أن يعتقد أن هناك ثمة يساري أو يميني أو شيخ أو طفل عربي فلسطيني يمكن أن ينسى تراب أرضه أو أن ينسى مفتاح بيته أو أن ينسى مخزون الرواية الوطنية القومية المتوارثة عبر الأجيال؟!!!
بعد 59 عاماً على النكبة فإن الرهان على قدرة عامل النسيان في دثر الذاكرة الجمعية للعرب الفلسطينيين هو ليس أكثر مِن رهانٍ واهمٍ ليس إلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و