الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مطاردة الظلال وفكرة صناعة الأعداء
محمد بن سعيد الفطيسي
2007 / 5 / 15مواضيع وابحاث سياسية
يتحول العالم كل ثانية من الوقت إلى مستنقع زلق لا يمكن إلا للأقوياء من تثبيت إقدامهم فيه , هذه هي النظرية السائدة في عالم تتسيده العولمة والإرهاب والفوضى وعدة أيقونات تسير إيقاع الحركة الدولية بمختلف مجالاتها وأنشطتها في حقيقة الأمر , لذا كان من باب الفطنة والنضوج السياسي وفكر إدراك المستقبل , من أن يتم تبني تلك النظرية القائمة على ترسيخ الجذور في الأعماق البعيدة لكل ما من شانه تقوية المكانة والهيمنة والسيادة لتلك الدول والإمبراطوريات الطامحة للسيطرة على العالم , فكان السؤال الأكثر صعوبة وإثارة لأولئك الذين أخذوا على عاتقهم وضع الاستراتيجيات والسيناريوهات المعنية بتلك النظرية شبه المستحيلة في عالم لا يؤمن بالتفرد والقوة الخارقة هو :- كيف لنا أن نرسخ جذورنا في أعماق هذا العالم ؟ وما هي أسهل وأهم الطرق للوصل لتلك الغاية بأقل جهد وأسرع وقت ممكن ؟
وقد شهد العالم مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين المعالم الأولية لمحاولات الإجابة على ذلك السؤال , فعانى من ويلات عدة حروب أخذت معها الأخضر واليابس , ومن هنا بدأت اللعبة الكبرى للسيطرة على (رقعة الشطرنج) الدولية , وبدأت المنافسة المحمومة على إجابة ذلك السؤال , وتتالت الأجوبة لتستقر على إجابة واحدة نهائية لا يمكن تغافلها مطلقا , إجابة كانت الفتيل الذي أوقد الحرب على الأمم والشعوب المسالمة في كل أرجاء المعمورة , وذلك بهدف الهيمنة والسيطرة على كل شي يمكن السيطرة عليه , وتحدي وإزاحة كل المنافسين ومهما كان الثمن باهظا , فكانت اللعبة تبدأ بصناعة المستقبل والتخطيط له بشكل مسبق لتتجاوز فن إدراكه على أساس التوازن مع الآخرين , ولكن ومع الأسف لم تكن تلك الخطط والاستراتيجيات بهدف تحسين أوضاع البشرية وإحلال السلام والأمن الدوليين , وإنما من أجل لف العالم بخناق امبريالي من السيطرة والهيمنة والتفرد , وعلى هذا الأساس وجد العالم نفسه في دائرة مغلقة من الصراعات الدولية والحروب العالمية.
نعم ... كانت دائرة الصراعات غير متناهية , ومؤامرات بالجملة وخطط مسبقة لبناء جيل كامل من الاستراتيجيات الدموية المسبقة لتحويل الأرض إلى لعبة تتحكم بها الأزرار عن بعد , وأفكار حولت الأرض إلى صفيح متحرك ساخن يسير إلى حتفه ونهايته , وهذا ما يطالعنا به الواقع الدولي هذه الأيام , حيث بات الإرهاب والفوضى والعنف السمة الرئيسية لعالم لم يعد كما كان قبل حلول تلك الأفكار على البشرية , وبالتأكيد كانت الولايات المتحدة الاميركية على رأس تلك الإمبراطوريات والدول التي أدركت هذه الحقيقة منذ وقت طويل جدا , فسعت إلى تحقيقها بعدة طرق وجوانب لم تراعي فيها الجوانب الأخلاقية ولا الإنسانية وذلك تحت شعار البقاء للأقوى , ( فكل المعايير المتعارف عليها في السلوك الإنساني ضرب بها عرض الحائط , إذ كان على الولايات المتحدة الاميركية أن تبقى على قيد الحياة , ولذا كان عليها إعادة النظر في كل مفاهيم اللعب الشريف التي درجت عليها طويلا , فوجب عليها أن تطور أجهزة التجسس , وان تتعلم كيف تفسد وتخرب وتدمر أعداءها بوسائل أكثر ذكاء وتطور وفاعلية من تلك التي تستخدم ضدها ) ولذلك سعت إلى تحويل العالم إلى شبكة عنكبوتيه معلوماتية تستطيع هي من خلال أجهزتها الحاسوبية العملاقة من السيطرة على كل شاردة وواردة فيها , وتسعى إلى السيطرة على الاقتصاد والسياسة وشتى المجالات الحساسة الأخرى , وكل ذلك من اجل تحقيق الغاية القصوى وهي التسيد والهيمنة على الخارطة الدولية.
ولكن وكما قلنا سابقا أن التاريخ علمنا أن التفرد سمة صعبة في عالم يتنافس عليه الكثيرون , وان وجدت لبعض الوقت فان استمرارها لأكثر من ذلك مستحيل للغاية ومن هذا المنطلق وجدت الولايات المتحدة الاميركية نفسها أمام عدو قوي لا يأبه لقوتها ولا يخشى ترسانتها العسكرية , حيث انه لا يقل عنها قوة ولا عتاد , ونقصد الاتحاد السوفيتي سابقا , فكان لزاما عليها أن تعيد صياغة استراتيجيات المنافسة , وتبدأ بوضع حجر الأساس لزاوية حادة لا يمكن أن تقبل فيها بوجود منافس قوي يمكن له أن يكبل طموحها ويحد من أمالها وغاياتها الامبريالية التوسعية , فكانت خطة إسقاط هذا العملاق الأحمر بتدمير اقتصاده وإيقاعه في الفخ الأفغاني وذلك عن طريق مساعدة الحركات المقاومة للشيوعية , ونشير هنا إلى أن الولايات المتحدة الاميركية باشرت مساعداتها للمجاهدين الأصوليين الإسلاميين قبل ستة أشهر من الخطوة السوفيتية , و بأنه توقع وقتذاك أن الاتحاد السوفيتي سوف ينساق وراء هذه الخطة المسبقة والمراد منها دفعه للأقدام على اجتياح عسكري , وعندما سئل بريجينيسكي عما إذا كان نادما على فعلته أجاب , حيث كان العقل المدبر لتك الفكرة : - اندم على ماذا ؟ على فكرة رائعة كفلت استجلاب الدب الروسي إلى المستنقع الأفغاني , وتريدني أن اندم ؟! ففي اليوم الذي اجتاح فيه الجيش السوفيتي الحدود الأفغانية أبرقت إلى الرئيس كارتر قائلا : - ألان لدينا فرصة إهداء الاتحاد السوفيتي فيتنامه الخاصة , وبالفعل فقد تكبدت موسكو طوال عشر سنوات عناء حرب لا طاقة لها على احتمالها , فتداعيت معنويات جيشها في البدء , ثم انهارت الإمبراطورية السوفيتية برمتها .
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجدت الولايات المتحدة الاميركية نفسها وحيدة متفردة , ولكن كان لذلك التفرد ثمنا باهظا عليها , حيث تناست أنها نفثت الروح في وحش أرادت من خلاله غاية إسقاط العملاق الشيوعي الأحمر ولكنها لم تدرك بأنه قد يتحول عليها بعد ذلك , كما تصور ذلك الانقلاب الأستاذ سيلغ هاريسون وهو الأخصائي في شؤون آسيا الوسطى من مركز ودرو ويلسون الدولي والذي قال محذرا أصحاب القرار في البيت الأبيض :-( حذرتهم من أننا ننفث الروح في وحش , وجاء ردهم - أي القيادة في اميركا - بان هؤلاء الأشخاص متطرفون وكلما كانوا عنيفين حاربوا السوفييت بشكل أعنف ) , وهكذا وجدت الولايات المتحدة الاميركية نفسها أمام عدو جديد صنعته وغذته بنفسها , ومفاهيم جديدة لم تكن تتوقعها قبل ذلك , أو ربما توقعتها ولكن لم تكن تتصور أن تحدث بتلك السرعة أو بتلك الطريقة الدرامية.
واستمر العنف والإرهاب الذي صنعته بعض الأيادي الخفية والطامعة بتدمير العالم من أجل الحصول على غاياتهم منها , كتجار السلاح والمافيا الدولية وعصابات المخدرات والإجرام الذين يتسترون بغطاء تلك الحكومات في مختلف أرجاء الأرض , وشاركها فيه من شاركها ممن تصوروا أن ينالوا في ذلك الوقت بعض المكاسب والجوائز , ولكنها كانت جوائز لخاسرين لم ينالوا سوى الفوضى وتدمير أوطانهم وحضارتهم ومدنيتهم , وتستمر اللعبة ولكن بطريقة أخرى هي أشد من سابقتها , فقد كان إدمان تلك الحروب والتعود عليها يسري في دماء بعض واضعي الخطط والاستراتيجيات المستقبلية وخصوصا في الولايات المتحدة الاميريكية التي أصبحت غير قادرة على البقاء من غيرها , فهي لا تستطيع الاستمرار من غير منافس تضع عليه حمل أخطاءها وأوزارها في حق البشرية , ويطالعنا في هذا السياق الكاتب الاميركي جون ليونارد بمقال جميل وحساس في ذكرى الأولى لإحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 تحت عنوان أين سنكون من دون حروب وهو تعليق على مقال آخر لكاتب أميركي مشهور وهو جيمس ماديسون والمعنون بأكثر أعداء الحرية إثارة للرهبة والمكتوب في عام 1973 عن إستراتيجية الغاية من الحروب والقتل والدماء فيقول معلقا إن الحرب أصل القوات وعنها تتأتى الديون والضرائب , وتعتبر القوات والضرائب وسائل معروفة لسيطرة الغالبية على القلة , وإذا بالرواتب تتضاعف , و تضاف وسائل إغراء العقول إلى وسائل إخضاع القوة ) - أي - في النهاية إن الحرب هي وسيلة مناسبة للحصول على أهم الغايات بأبسط الوسائل والإمكانيات.
ولذلك كان سعي الولايات المتحدة الاميركية متواصل ودؤوب لخلق وصناعة أعداءها بنفسها , أعداء حقيقيون أم وهميون , ففي النهاية الغاية واحدة وهي خلق الأجواء المناسبة لجعل العالم يسير خلق مخاوفه , ويتمسك بشعارات جوفاء فضفاضة تتعهدها الولايات المتحدة الاميركية من اجل خدمة إطماعها الامبريالية التوسعية في العالم , كمحاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية والمطالبة بحقوق الإنسان ولكن بطريقة ونكهة أميركية , فهي أدركت أن الخوف والرعب والحروب وسيلة مناسبة لإخضاع العالم تحت تلك الشعارات , وحتى الداخل الاميركي لم يسلم من تلك الوسائل المشبوهة , فمن يضع الاستراتيجيات يدرك أن الشعب الاميركي بحاجة إلى شحذ وتهيئة نفسية للإيمان بتلك الأفكار المعقدة , وتحت شعار كما استطاعنا أن نحرك الجسد الخارجي بالخوف فبإمكاننا أن نفعل ذلك بالداخل الاميركي , وبالفعل فقد تحقق ذلك من خلال نفس الوسائل ( وتحت قناع كاذب من معاداة الاستعمار بهدف حماية إرادة اميركا الطيبة التي تملكها اميركا في العالم , ولاستبدال الإمبراطوريات القديمة بوسائل عالمية متقدمة ومتطورة من السيطرة العالمية ) .
وختاما فإننا نود أن نوضح بعض النقاط النهائية في هذا الشأن , وأولها أن ما يدور في العالم اليوم من كراهية وحقد وفوضى وإرهاب لا يتعدى أن يكون صناعة بشرية شيطانية مخططا لها بشكل مسبق , تهدف إلى تحويل العالم إلى مستنقع موحل تكسب من ورائه بعض مكاسبها الرخيصة , وان ذلك النوع من الاستراتيجيات الظلامية سالفة الذكر غير مستبعد ابدأ , بحيث لا يجب أن نتصور أن افتعال الأحداث أو السعي خلف الظلال أو مواجهة الأوهام , أو محاربة طواحين الهواء هو شئ ساذج وغير متوقع أو ممكن أبدا في عالم الاستراتيجيات السياسية الدولية الحديثة , فهذا هو العالم الذي نعيش فيه , عالم يتحدى الواقع والمعقول , وسياسات دولية لااخلاقية تتعدى حدود المستحيل والتصور , وعلى رأس تلك الاستراتيجيات والخطط المستقبلية , فكرة إنشاء الأعداء ومحاربتهم , وكما جاء في كتاب السياسي مايكل ريفير والذي يحمل عنوان تزييف الإرهاب - سبيل إلى الديكتاتورية أن الحكومات المشتبه باشتراكها في اعتداءات 11 /9 / 2001 , قد انشأت تقليدا ساخرا ومهيبا , وأبعد من أن يكون فكرة لا مثيل لها هي أقدم خدعة في كتاب تعود إلى العصر الروماني , إذ تنشئ الأعداء التي تحتاج إليهم 0
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز