الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور من أمريكا-2- موت الحصان البطل -باربارا-

ناجح شاهين

2007 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


صور من أمريكا"2"
موت الحصان البطل "باربارا"
كانت القصة الرئيسة في الأخبار. أعني الخبر الأول. قرر الأطباء وضع حد لحياة باربارا بعد أن لم يعد هناك طريق آخر. باقات الأزهار يعج بها المكان: لانعرف كيف نواصل الحياة من بعدك يا باربارا. ورجل تغرورق عيناه بادموع أعلن في حزن واضح أن باربارا لم يكن عاديا أبدا لقد كان بطلا بكل معنى الكلمة ولكنه لم يعد يتحمل كل الآلآم التي يعاني منها في المشفى وإن أهله والأطباء قرروا وضع حد لكل شيء. بعد ذلك الحزن يأتي خبر الرئيس بوش الغاضب من ايران لأنها لا تنصاع لقرارات أحد ما – ربما الحكومة العراقية لا أذكر- وفي الواقع كان صعبا على أن أتابع المشهد لأن جنازة باربارا المهيبة والحزينة كانت تملأ السمع والبصر. حتى أخبار كربلاء التي حملت انجازا عز نظيره مع مطلع السنة الراهنة -2007- وبعد سنة شاقة تماما على الرئيس وأعوانه مقتل 200 مسلح على يد الجيش العراقي المدعوم أمريكيا –ما أشبه اليوم بالأمس فقد كان الجيش العراقي المنحل مدعوما من ادارة ريغان طوال الثمانينيات- لحسن الحظ فإن أحدا لا يلاحظ كل هذه التوافه. فالمشهد يتصدره الحادث الأليم الذي راح ضحيته ذلك الحصان العظيم الذي كان دائما يلعب من أجل الفوز، تماما كأي مواطن أمريكي يأخذ الحياة على محمل الجد إما ربح وإما خسارة. سوف يمر وقت طويل بالفعل قبل أن نتمكن من نسيان البطل. ربما عبر مأساة أخرى يجب أن تتحلى بكل شروط النجاح الفني. ولا بد أن العرب كلهم – بل العالم أجمع – سيبدون أقل شأنا من أن نفكر فيهم ثانية واحدة ونحن نواجه مأساة بضخامة وجسامة وفاة باربارا بعد ثمانية اشهر من معاناة المرض وتسعة عمليات جراحية. الحقيقة أن واجب العزاء لا مهرب منه أبدا. صحيح أنني عاتب على القوم لأن أحدا لم يأخذ بخاطري ايام قتل الآلاف في غزة ولبنان. ولكن مصيبة عن مصيبة تفرق كما يقول إخواننا في هذه البلاد. ومهما كان فتلك حرب ولا بد لها بالطبع من ضحايا اما باربارا فهو شأن التراجيديا الإغريقية بامتياز ولا بد من تمثل مأساته حتى فصلها الأخير والعرب كثيرون كهم القلب وهم ليسوا أفرادا من جنس اوديب او هاملت أوباربارا هنا يتميز الفرد بحياة خاصة وهو ليس مندغما في القطيع كحال بني وطني. إنه عظيم بتفاصيله الغنية التي تجعل منه كائنا يقطع القلب حزنه.
طبعا يتفنن صاحب الإعلام المتحد على طريقة واحدة في هذه البلاد في تقديم، أعني صناعة الحدث في أبلغ صورة ولا بد أن الأنبياء قد نفدوا بجلدهم إذ لو ان أحدا منهم جاءنا اليوم فإن الناس لن يجدوا وقتا أمام مصائب الحياة الجلل وشؤونها المتنوعة الغريبة للإستماع لترهات النبوة وأخبارها. بعد أيام من رحيل المأسوف على شبابه " باربارا" وحزن أمريكا كلها لما أصابه بدأت مراسم التأبين التي تضمنت لقاءات مطولة مع الأطباء الذين تابعوا المريض العزيز طوال ثماينة شهور وكذلك الجيران الذين تصادف أن التقوا الرجل -عفوا أقصد الحصان- وما هي انطباعاتهم عن شخصيته الفذة كل شيء معد ليسجل أسطورة تراجيدية عز نظيرها. ليس من باب المقارنة ولا من باب التعاطف مع صدام حسين، إنما من باب التداعي لا أكثر، أذكر أنني جلست متصنما أما التلفاز ساعات أشاهد على الجزيرة ذلك الثبات المنقطع النظير الذي ابداه الرجل أمام الموت. لا داعي لأن نعتبر ذلك بطولة او شجاعة أو أي شيء من ذلك القبيل. نستطيع أن نسميه تحجرا أو قسوة أو أي شيء يفضله الإعلام الأمريكي، لكنه ظاهرة تستحق التوقف. أود أن أخبركم –على أي حال- أن تلك الظاهرة الفريدة قد مرت دون ملاحظة. فليس المقصود في النهاية التركيز على ما يستطيع الأنسان أن يعمله خصوصا الإنسان العربي، المقصود دائما هو تشتيت الانتباه عن قضايا البشر بتركيزه على اشياء أخرى. لكن ذلك كله يشتت انتباهنا عن واجبات القيام بعزاء المغفور له باربارا. ومن الغباء بمكان أن أضيع هذه الفرصة النادرة للتقرب من القوم بإثبات حسن نيتي تجاه جنس "الخيول" بعد أن كرهنا القوم بما فيه الكفاية بسبب أننا لا نقدر الكلاب –وهي عزيزة الجانب في هذه البلاد- حق قدرها. أحد الظرفاء السود الذي يعيشون في الطرقات بلا مأوى طالب أن يعتبر من طائفة الكلاب لأن ذلك يعطيه الحق في المأوى أن الشرطة وأجهزة أخرى تصطحب أي كلب هائم على وجهه إلى مأوى خاص بمن لا يمتلكون بيوتا حتى يتقدم أحد من الناس بطلب تبنيه. هنالك وقت طويل سيمر قبل أن يقتنع الرجل الأبيض بضرورة تبني الناس الهائمة على وجوهها ووضع الجنس البشري على قدم المساواة مع جنس الكلاب وإن كنت بالطبع لا أحلم بمساوته بالبطل الراحل الحصان "باربارا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب الجمعية الوطنية الفرنسية.. مفاوضات مرحلة ما بعد الانتخا


.. ما ردود الفعل في أوروبا على نتائج الانتخابات التشريعية في فر




.. حماس تتخلى عن مطلب وقف إطلاق نار دائم كشرط مسبق للتفاوض للإف


.. صور حصرية لحرق مستوطنين شاحنات بضائع ومساعدات في طريقها إلى




.. بسبب القصف الروسي.. دمار كبير في مستشفى الأطفال ومبان سكنية