الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواقف لنصرة الحرية

يسري حسين

2007 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


إلتقيت الراحل الدكتور أحمد عبد الله للمرة الأولى داخل كلية الإقتصاد والعلوم السياسية . وقفت أقرأ مجلة الحائط التي كان يحررها وتصدرت المدخل وحملت عاطفة وطنية , وحالة من التمرد الجامح على ظروف النكسة التي لحقت بمصر في عام 1967 . واستمعت بعد ذلك إلى خُطب الراحل وحماسه الوطني وهو يرأس اللجنة الطلابية العليا , التي تطالب بالتحرير والعدل الإجتماعي وكل الديمقراطية للوطن . كان زعيما حقيقيا وموهوبا ومطلعا على مدارس الفكر المختلفة ومنحازا بشكل واضح إلى فقراء مصر وتطلعهم الدائم إلى العدل والديمقراطية .
كان أحمد عبد الله هو صوت مصر الرافض للهزيمة , والمدرك أن التحرير لا بد أن يمر من قناة التغيير والإصلاح وإنهاء هيمنة الحزب الواحد والكتلة السياسية التي تجمد كل شئ وتعرقل حيوية الوطن .
وكانت الحركة الطلابية في يناير - كانون الثاني عام 1972 , هي لمصر وذلك تعبير أطلقه أستاذي الراحل د . محمود رجب , عندما كان يُدَرّس لنا نحن أبناء قسم الفلسفة بكلية الأداب جامعة القاهرة مادة . وقف رجب يتأمل مظاهرة تطوف بأرجاء الجامعة , تطالب بالحرية حتى يتم التحرير وتنهض مصر من كبوة الهزيمة .
ومنذ عام 1972 ارتبطت بأحمد عبد الله , وقد إلتقيته بجامعة كمبريدج حيث كان يدرس بها . وبينما كنا نجلس في منطقة رائعة مفعمة بجمال الطبيعة , كان لا يتحدث إلا عن مصر وأحلامها في حرية حقيقية وديمقراطية عادلة تنهي الفساد والنهب وتعطي لأبناء الوطن حق البناء والمشاركة الكاملة في صوغ مشروع النهضة على أسس وسياسة وطنية وديمقراطية .
ظل أحمد عبد الله خلال دراسته بالجامعة البريطانية العريقة يفكر في مصر وأهالي منطقة < عين الصيرة > الفقراء . وتحول هذا الحي إلى فكرة تجسد مشروعه كله بالنهوض بالوطن وإعطاء الناس حق التعبير وإنهاء تهميشهم وسقوطهم في دائرة الإهمال والقذف بهم بعيدا عن دائرة المشاركة .
رفض الراحل أن يعمل بجامعة كمبريدج , أو يقيم في بريطانيا , حيث تلقى أكثر من عرض للبقاء والتدريس بالجامعات البريطانية . كان يفضل العودة إلى < عين الصيرة > وهذا ما فعله , حيث أقام بين أهل وشباب المنطقة في مركز < الجيل > الذي تحول لبؤرة من العمل الإجتماعي والسياسي والتنويري لصالح الناس البسطاء الذين أهدى لهم بحثه لنيل درجة الدكتوراه .
وعندما كنت بصحيفة < العرب > اللندنية كتبت عن أحمد مقالا بعنوان < مصباح الغلابة > وكان سعيدا للغاية بذلك , حيث ربطت بين العلم وأحلام الفقراء , ومشروع نهضة يعطي الجميع الحق في عيش كريم ومشاركة وتفاعل مع طموحات المجتمع .
وإلتقيت د. أحمد عبد الله مرة أخرى في الكويت , فكان عليه أن يعمل في < المعهد العربي للتخطيط > لمدة عام لتمويل دراسته بالجامعة البريطانية العريقة . وأعتقد أنه أول فقير مصري من < عين الصيرة > دخل هذا الصرح الأكاديمي وتلقى فيه العلم بتبرعات أهالي الحي الذين ناصروا إبناً لهم يتلقى العلم من أجلهم .
في الكويت تحول أحمد كما كان دائما لطاقة بلا حدود للحديث عن مصر وطموحها وآمالها الوطنية والديمقراطية . وتحولنا معه إلى نشاط متنوع كان يركز على توزيع صحيفة < الأهالي > المصرية والكتابة للصحف الكويتية عن مشروع مصر ورفض زيارة القدس أو التخلي عن أهداف المشروع الوطني .
وفي لندن كان التحول والنشاط وإصدار مجلة بإسم < المصري > وتشكيل الرابطة المصرية لأبناء الجالية , والحوار المستمر بعنف وسخونة بشأن الخيارات والإجتهادات الوطنية بين أفكار وفصائل تقدمية متنوعة .
وتحولت غرفتي بلندن إلى المنتدى المصري المفتوح للحوار ولإصدار المجلة , ولمتابعة نشاط بين أبناء الجالية , مع حضور رفاق حركة يناير - كانون الثاني 1972 من أول حسام سعد الدين إلى منير مجاهد وسمير غطاس ومنى أنيس وعفاف مرعي .
كم كانت هذه الأيام جميلة وعظيمة بالإلتفاف حول الحلم المصري والطموح والأمل في نهاية حقب الإستبداد وترسيخ الديمقراطية . لكن بالتأكيد هضا الحلم تبدد لضعف الحركة الوطنية والديمقراطية وتطوير أنظمة الإستبداد لأدوات القهر والتسلط .
وفي نهاية أيام المناقشات الساخنة التي كانت تدور في لندن , كان أحمد يغني لسيد درويش وللشيخ إمام عيسى , وكان معنا الملحن أشرف السركي , الذي إهتم بأشعار فؤاد حداد وزين العابدين فؤاد وبيرم التونسي وفؤاد قاعود .
كانت أيام لندن متألقة بحضور أحمد عبد الله , الذي يحول كل شئ إلى الحديث عن مصر ومحبة تاريخها وأحلام < عين الصيرة > . كان لا يكف الحديث عن مصر وأهله وناسه والأحلام المتعلقة بالمستقبل .
وذهبنا عندما كنا في الكويت إلى العراق . وهناك أيضا تم لقاء الجمع المصري , الذي كان متمردا على سياسة السادات ويعارضها . وتظاهرنا في بغداد ضد زيارة القدس وإصتدم أحمد بالأجهزة الأمنية العراقية وكان حادا معهم وأوشكوا على إعتقاله . فقد كان يكره كل أشكال الإستبداد وحارب الديكتاتورية في كل مكان . وعندما كان في بريطانيا أعلن انحيازه للحركة الجمهورية الأيرلندية . وكان يحب جيفارا كما يعشق الأفغاني وعبد الله النديم وطومان باي الذي حارب العثمانيين ورفض هوالمملوك إحتلالهم لمصر .
كان الراحل يكتب معنا في صحيفة العرب اللندنية بإسلوب جياش يمتلئ بالعاطفة , مع حرصه في الوقت نفسه على قواعد الدراسة الأكاديمية . وكان مثقفا يحب الموسيقى والفن ويحفظ قصائد الشعر .
لقد ارتبطت بأحمد عبد الله على مدى ثلاثين عاما , كان دائما وسيظل في القلب والعقل معا هو وأبناء جيله الذين نقشوا إسم مصر بالمحبة الوطنية والجهد والعمل للخروج من حصار الإستبداد إلى حدائق الديمقراطية .
كان أبناء الجالية المصرية في منطقة < ريتشموند > حيث أقيم يطلقون عليه إسم < مصطفى كامل > للتشابه الشديد في سمات العاطفة الوطنية الجياشة والعشق الصوفي للوطن .
ويعد أحمد عبد الله هو رمز الجيل الذي تمرد عن على الهزيمة ودخل السجن بتهمة محبة الوطن وعشق أبناءه . وإذا كان الفقيد قد رحل عن الوطن , فمواقفه الشريفة ستظل منارة على مثالية وطنية مشعة بعاطفة وحب وإخلاص لا يفنى .
سلام على أحمد عبد الله , رمز جيلنا كله , ورمز العشق والفناء في محبة الوطن . كان صوفيا عاشقا أحب وطنه بإخلاص شديد وعانى من السجن والغربة , لكنه صمم للعودة إلى محبوبته مصر ليعيش بين أهلها , وكان خياره هو الأعظم والأشرف والأفضل . لقد كان دائما يعلم أن مصر هي هدفه وثورته المتجددة الدائمة .
لقد خسرت الحركة الوطنية المصرية وهي تمر بمرحلة دقيقة مناضل شريف إسمه أحمد عبد الله . لكن العزاء أنه ترك إرثه من كتبه ومواقفه علامة للطريق الصحيح والمسار الوحيد لرفع راية الوطن عالية وخفاقة .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارب استراتيجي مع الزعيم كيم جونغ أون يقلق أكثر من بلد


.. أخبار الحملة الانتخابية: التجمع الوطني يقترح إلغاء -حق الأرض




.. مظاهرات في القدس تطالب باستقالة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتن


.. بوتين يتوجه إلى كوريا الشمالية في زيارة نادرة هي الأولى منذ




.. مقتل 11 مهاجرا وفقدان العشرات بعد غرق قاربين قبالة السواحل ا