الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات وأحلام قبل وبعد سقوط النظام

يحيى غازي الأميري

2007 / 5 / 16
كتابات ساخرة


الحكاية الأولى

قرأ آلاف من المقالات و الكتب المتنوعة بمحتوياتها وآرائها واستمع لمثلها من الحكايات ، ينتقي أجود أفكارها يخزنها في حافظة رأسه ، متأملا ً ساعة الفرج كي يبدأ ببث ما حفظته الذاكرة المرعوبة ، ورصدته التجربة المريرة الطويلة ، متأملا ً أن يحقق ما تبقى من الأحلام والآمال المسلوبة.
كان يحلم أن يسود العدل ويعم الرخاء والأمن والسلام وترجع قصص الحب والأخوة والوئام والتفاهم والانسجام ، ويسود التسامح والصدق ونكران الذات من جديد ، واهم شيء كان يحلم به أن يأخذ كل ذي حق حقه ! كان لا يؤمن بمبدأ من أين لك هذا إذ كان يقول كلمن يأخذ حقه هو نفس المبدأ تقريبا ً إذ يوجد فيه نفس الحساب والكتاب ؟

وبعد معاناة وقسوة سنين طويلة من الانتظار الملفوفة بالذل والإهانة والقهر والفقر والتجويع والترويع والحرب والحصار، سقط النظام .
هبت رياح الحرية والتغير لتحقيق الأحلام ، صدحت البيانات والبلاغات والتصريحات ، وهبت معها الجموع الجائعة الزاحفة للحرية والبناء بعد طول عناء ؟مطلقة ً العنان للطبول والزغاريد والهوسات والطلقات ، لا شيء يعلو فوق صوت الحرية ..... كان هذا من أبرز الشعارات.
تيمنا ً بشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " العربي الأصيل " !

ولم يقف أخونا العزيز متفرجا ً بعد هذا الحدث بل خرج إلى الشارع بصحبة أمه المريضة الكبيرة بالسن وجميع أفراد عائلته وهو يتقدم الجموع بالهتاف وقد ركز في هتافه على شعار ( هذا اليوم لجنه أنريده ) أي هذا هو اليوم الذي ننتظره وكنا نتمناه .
ثلاثة أيام بلياليها لم يهدأ من ترديد الهتاف حتى في المنام والحمام !

وهرب من هرب واختفى من اختفى من أركان النظام، ما هي إلا أيام رباه ما هذا؟
ماذا حدت ويحدث في البلاد ؟
ماذا جرى للعباد ما هذه ، هذه كوابيس مرعبة من الأحلام والأيام ، استقبال لقوات المارنيز، عصابات تعمل شركات متحدة مع المافيات ، حيتان تظهر للأعيان حيتان تسند حيتان ، فرهود يضرب طول البلاد بعرضها ، طائرات وجمال وسيارات وحمير و قشامر من البشر تحمل " تسرق " النفائس والمجوهرات والذهب والآثار والدولار، فككت المصانع والطائرات والمنشأة لتباع خردة بالأطنان ، ضاعت خزائن الكتب والمكتبات، ولم تسلم حتى خزان الأئمة ومراقدها ! أحرقت الأضابير والمستندات والوثائق والاتفاقيات!
فرهود يا عباد الله صاحت الناس بالناس ! أما تصدير البترول أو كما يسمى النفط فهذا حديثه ذو شجون ، أما بلدان الجوار فهي تسرح وتمرح على راحتها والحمد والشكر لله على هذه الأخوة الفاضلة وهذه النخوة الأخوية العربية وغير العربية ،وقد قلت أنواع المسكرات وزادت محلها المخدرات، اختلط الحابل بالنابل وضاعت الأرقام والأوزان ، بعد أن ضرط الوزان فتاه الحساب والعرفان وفلت الأمان !
وحل الآن مسلسل طويل الأمد يسمى مسلسل إشاعة الانتقام والخصام ، كاتبه قدير ومفكر كبير ومعتمد على مخرجين كبار وممثلين ذوي تحصيل علمي وتجربة وخبرة طويلة وكبيرة ؟
والمسلسل يعمل في كل مكان وكاتب السيناريو لم يزل يكتب والحبل على الجرار !
بالمناسبة كثير من العوائل العراقية التي ترغب بمتابعة المسلسل عبر الفضائيات المتعددة الأطياف والأهداف لم تتمكن من ذلك بسب الظلام الدامس نتيجة انعدام الكهرباء و الأمان ، لكن والحمد لله المسلسل موجود في كل أرجاء العراق فقد دخل في كل مدينة وحارة وشارع على ارض الواقع !

الحكاية الثانية
ها هي تمضي السنوات الأربع الوحدة تلو الأخرى أربع سنوات ونيف من الأشهر والأيام والمسلسل مستمر وزادت معه نسب الخراب والانحطاط ! وقسم منها وصلت إلى اسفل السافلين !

نرجع إلى صاحبنا المسكين والذي اعتكف لفترة طويلة جديدة في منزله اثر الصدمة النفسية التي ضربته و أفقدته رشده ، وخلال هذه المدة ونتيجة ملحة و تدخل الأهل والأقارب والأصدقاء ونفاذ ذخيرته من المال وقلة مساعدات الأخوان من الخارج ، أضطر إلى أن يعيد النظر بوضعه الاقتصادي ونشاطه التجاري أو الوظيفي أن رغب !
ويخرج من رعبه وحلمه ويعمل حاله حال العباد ، فليس هو بأول مثقف وثوري ونبيل ونزيه يتعرض لهذه الصدمة غير المتوقعة ،ولا أخر واحد فقد شملت المصيبة ملايين غيره ، لذا قالوا له أنظر المصيبة عامة " موعبالك بس أنت " !
وقد اخبرنا الصديق العزيز أن الوضع ليس جميعه سيئ بهذا الشكل فقد كانت خلال هذه الفترة أيضا ً إيجابيات وإنجازات وعلى رأسها أو كما يقال أبرزها و أهمها :
حرية الانتخابات، رغم انتشار المفخخات !
وتعدد أنواع الانتخابات ، وكثرة القوائم الداخلة فيها وهذا مكسب كبير بحق ذاته .

وقدت مورست إحدى العمليات الانتخابية الديمقراطية على أعلى المستويات لغرض اختيار رئيس للوزراء وجاءت النتائج بعد فرز الأصوات وسط "جو مشحون بالهمسات " وجاءت النتائج بفارق صوت واحد بين المتنافسين ، ولكن للأسف الشديد لم يستلم أي من المتنافسين منصب رئيس الوزراء بعد طول نقاش و عنف جدال استمر لعدة شهور!

ذهب الحزب الواحد وكذلك معه القائد الأوحد ووزعت مقراته ودور الرئاسة أو كما كانت تسمى قصور الشعب للشعب لغرض إسكان المواطنين والمشردين !
اختفى الزيتوني ورجاله ، وتعددت دور النشر والإعلام، إذ هنالك الآن مئات من الصحف والمجلات والفضائيات ليس حكرا ً على جهة واحدة فقط كما كان الوضع قبل سقوط النظام !
وكذلك تشكلت عدة مئات من الأحزاب وعدة مئات أخرى من المنظمات الجماهيرية الدينية والثقافية والإنسانية والنقابية مختلفة الأهداف والارتباطات وحتى شكلت في العراق أكبر تشكيلة وزارية في المنطقة وظهرت للوجود وزارة لحقوق الإنسان
وللحق أن الشيء الملفت للنظر بعد ما كو عيب من التبعية الطائفية أو القومية وكل شيء اصبح على المحاصصات ابتداء ً من البرلمان إلى كرسي الرئاسة والوزارة !
وتوجد هيئة للنزاهة لمحاسبة سراق المال العام ، تشير التقارير إلى أن مبلغ السرقات يقدر بين 8 إلى 11 مليار دولار خلال هذه الفترة .
وكذلك مبادرة المصارحة والمصالحة وخطة فرض النظام و إعادة الأمان !
ولو تشير المصادر والتقارير إلى وجود ما يقرب أربعة ملايين عراقي بين مهاجر أو مهجر أو هارب أو لاجئ خلال هذه الفترة.
اكتفى صديقنا بإيجاز هذا القدر من ابرز المنجزات رغم وجود كم هائل منها!

لم تكن خيبة الأمل وعدم تحقيق الأحلام هي السبب في عدم اشتغاله وبحثه عن عمل جديدة ومفيد، إذ أن في داخله خوف من الموت بعد أن بات يترصد الجميع وفي كل اللحظات أو كما يقال "واقف بالمرصاد "

كان التفكير قد أجهده كثيرا ً فالوضع مخيف ومقلق ومتعب ، فالنهار للمفخمات والليل للظلام و للهاونات ، أمه لا تكف عن الأنين والشكوى فالمرض والهم وكبر السن أخذ يؤرقها، لم يزل الحزن باديا ً عليه رغم مرور عدة أشهر على فقدان أخيه بسيارة مفخخة في مسطر العمال بساحة الطيران ، الذي زاد من الهم الكبير الذي يحمله خصوصا بعد أقتلع عنف طائفية الصبيان عين ابنه البكر قبل عام .
هندم نفسه وصفف شعره وارتدى البلدة الرصاصي مع القميص الأسود ، لم يستعمل ربطة العنق هذه المرة وذهب إلى موعد المقابلة !
كانت تلاحقه كلمات دعاء زوجته له بالتوفيق ، وهو يغلق الباب الخارجي ! محروس بالله أخر كلمة سمعها !

ما أن فتحت له زوجته باب البيت حتى قذف بجسده المتعب على الأريكة التي تتناثر فوقها قمصان من ملابس الأولاد ودمية من لعب الأطفال ، طردت الزوجة الأولاد والذباب إلى باحة البيت وأغلقت الباب ، وفتحت جزءا ً من الشباك، وراح هو يجول بنظره كانت عيناه لا تستطيع التركيز ، الوجه مغبر ، يداه لا تقوى حتى على نش الذباب!
ناولته زوجته قدحا ً من الماء ..... مد يده وشرب القدح بتمهل .

ماذا جرى لك ؟
هل قبلوا تعينك عندهم فهم يعرفون إمكانياتك الأدبية والثقافية ويحتاجونك هم اتصلوا بك ؟
ـ كان يلملم أفكاره وزوجته تزيد من استفساراتها !
حدثني ؟ بنبرة إلحاح تحدثت الزوجة .
أمه تسترق السمع ، وهي تجلس في طرف القاعة البعيد ، وتنشد من حين إلى حين نشيدها اليومي بصوت يخالطه الأسى والحزن ( دللول دللول يا لولد يبني ... دللول ... عدوك عليل وساكن الجول )

حدثني ؟ كررتها عليه مرة ثانية !

ـ كنت أسيرو متمهلا ً ... كان كل شيء في الشارع هادئا ً... كنت اجمع أفكاري و أعيد ترتيب المواضيع التي يجب أن أتحدث بها في المقابلة ، حب الوطن ، الصدق ، الإخلاص ، لا للعنف ، الإرهاب والاحتلال عدونا ، الطائفية مقيتة وبغيضة ، العدل أساس الملك ... صوت وابل من الرصاص قطع تفكيري وجعلني أتلفت مذعورا ً ... أزيز الرصاص من كل الجهات ، لم استطع معرفة مصدره صوت يصرخ بي أركض ...... أركض بسرعة!
وصوت أخر يصرخ انبطح ... أركض !
،وتعالت الأصوات أركض ... أنبطح !
صوت أخر قوي يصيح " حمار " أشطلعك بهذا اليوم وين عايش أنت مجاي تشوف الدنيا مكلوبه !
انسحبت الزوجة بهدوء وتركته يغفوا على راحته ...

يفز مرعوبا على صوت انفجار مدوي كانت غفوة قصيرة بين حر قيظ بغداد ودوامة الخوف والقلق ، يتناول القلم ويخط على الورقة
أحلامنا أبلام من الورق في بحر من القلق ، لقد مات الحلم و انِسرق !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي