الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العودة إلى القرية

سعدون محسن ضمد

2007 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


للقرابة معنى آخر غير كونها علاقة دم تربط بين شخصين أو أكثر، ومعناها الثاني يشير إلى أنها نسق اجتماعي يجعل من علاقة الدم أساساً في تكون الجماعة وكيان المجتمع، وفي هذا السياق تعمل القرابة بالنسبة للقبيلة في القرية وغيرها، عمل المواطنة بالنسبة للدولة؛ أي كما أن المواطنة مبرر الانتماء والتمتع بالحقوق بالنسبة للدولة، تكون القرابة في العشيرة كذلك. ومن الطبيعي أننا نعتبر المواطنة تطوراً تاريخياً للقرابة، حيث مرت الإنسانية بمرحلة احتاجت فيها لعلاقات الدم عندما كانت المجتمعات مقتصرة على العائلة الكبيرة في القرى الصغيرة مثلاً، أو العشيرة في القرى الأكبر من ذلك، وفي تلك الأوقات لم تتواجد بعد المؤسسات العامة الراعية لمصالح الأفراد الأمر الذي يدفع بهؤلاء الأفراد للاعتماد على حماية القبيلة من خلال علاقة القرابة. مجتمعات (القرابة) تحولت بمرحلة لاحقة إلى مجتمعات مواطنة عندما لم تعد القرابة متناسبة مع الحياة المدنية التي تعقد المجتمع فيها وضم بين جنبيه عشائر مختلفة من جهة، ومن جهة أهم وفَّر للأفراد المؤسسات الراعية لهم (مؤسسات التكافل، أو الحماية)، مما جعل الفرد يستغني عن العشيرة.
إذن القرابة أسلوب اجتماعي يتناسب وحياة الريف فقط. لأن الظروف التي استدعته هي ظروف الريف، فتشَّكل لهذا السبب على وفق مقاساتها فقط. والدليل على ذلك أن مؤسسة العشيرة القائمة على القرابة كثيراً ما يتقاطع أدائها مع أداء أجهزة الدولة، خاصة عندما تفزع هذه العشيرة لحماية أفرادها، الأمر الذي يجعلها مصدر إرباك للقانون وإضعاف لسلطته؛ لأن الدولة لا تتحمل أكثر من سلطة تشريعية واحدة وأخرى تنفيذية، لكن العشيرة تمارس هاتين الفعاليتين داخل إطار الدولة، فهي تشِّرع قانونها الخاص بها، وتطبقه خارج نطاق الدولة؛ مما يجعل منها سلطة أخرى غير سلطة الدولة.
هناك مشكلة أخطر من مشكلة الأمن، يسببها شيوع النسق القرابي وهي أن النسق القرابي يدفع باتجاه تحويل مجتمع الدولة لمجتمع أبوي، تهيمن عليه سلطة الزعيم، إذ النسق القرابي منبثق عن العائلة التي تتأسس على سلطة وولاية الأب، ثم يتفرع من ذلك سلطة ورعاية الأب الأكبر في العائلة الكبيرة وصولاً لرئيس الفخذ أو شيخ القبيلة. هذا النمط من التجمعات البشرية يخلق مجتمعات تابعة وليست قائدة، ففي العشيرة تسود علاقة التابع والمتبوع بين الشيخ وأتباعه، لأنه بمنزلة الأب، والأب لا يناقش في قراراته، ومن هنا تكون مثل هذه المجتمعات ميتة الإرادة وخالية من الفعاليات الاجتماعية الخلاقة. والخطورة تكمن في عدم انسجام المجتمعات (القرابية) مع الحالة الديمقراطية، فالديمقراطية هي حكم الشعب، والمجتمع (القرابي) مجتمع محكوم، وليس حاكم.
لقد وجد صدام حسين نفسه بعد الانتفاضة الشعبانية من الضعف بحيث لم يعد يستطيع السيطرة على المتجمع المتمرد، الأمر الذي دفع به اتجاه دعم سلطة العشيرة، من أجل أن يستخدمها في ضبط المجتمع، فكان يأخذ على شيخ أي عشيرة تعهداً خطياً يلزمه بتحمل أي تمرد يقوم به أي فرد من أفراد العشيرة. ذلك التحول بسياسة صدام أعاد المجتمع العراقي إلى الوراء وحوله من مجتمع دولة (عراق السبعينيات) إلى مجتمع قرية (عراق التسعينيات وما بعدها).
المشكلة تكمن كما قلنا بالأبوية التي أصبحت ميزة في مجتمعنا، فقادة الأحزاب أو الكتل النيابية يعاملون معاملة الآباء من قبل جماهيرهم، أو بالأحرى (أتباعهم)، فلا يُسألون عما يفعلون. أتباع كل كتلة أو تجمع سياسي يقدمون الدعم الكامل لزعيمهم وهم في في غفلة عمّا يفعل، ولهذا فنحن ندور في حلقة مفرغة. إذ نحن لا نصنع مصيرنا، بل يصنع لنا من قبل مجموعة أنانيين لا يهتمون بغير مصالحهم. نحن لا ننتظر من جماهير كتلة التوافق أنها تنتفض على زعيمها في يوم ما وتطالبه بالاعتدال مثلاً؛ فهي جماهير تابعة. ولا ننتظر ذلك من جماهير كتلة الإئتلاف فهي الأخرى تابعة، ولا من جماهير أي حزب، فالزعيم عندنا أب لا يناقش. حجم المشكلة يتضح أكثر عندما نلاحظ بأن جماهيرنا تنتفض عندما يأمرها زعيمها وتنام عندما يريد منها أن تنام، أي أن شعبنا مختصر بمجموعة أفراد.. مصالحه مرهونة بمصالحهم ومستقبله رهن بتقلب مزاجهم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل


.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف




.. استطلاع: ارتفاع نسبة تأييد بايدن إلى 37% | #أميركا_اليوم


.. ترامب يطرح خطة سلام لأوكرانيا في حال فوزه بالانتخابات | #أمي




.. -أنت ترتكب إبادة-.. داعمون لغزة يطوقون مقر إقامة وزير الدفاع